ملاحظتي على سهرة مع غزواني
كانت أول ليلة أحضر فيها اجتماعا شعبيا مع غزواني.
كان الحضور مخصصا لمقاطعة المجرية، وكان التمثيل يعكس بدقة سكان المقاطعة من حيث الأعمار والأجناس والمستويات. كانت الملاحظة الأولى غياب المتاريس والمربعات والأجهزة الأمنية النزقة، وبالتالي كانت ترتيبات الدخول سهلة وتميل للعفوية باستثناء وجود أفراد من الحرس الشخصي المقرب يهدي للقاعة مع غياب تام للبروتوكول. وكانت القاعة المخصصة للاجتماع ساحة حرية للإدلاء بالرأي دون ممارسة أي تأثير بسبب غياب الاشتراطات والإكراهات الامنية والبروتوكولية.
بدأ الاجتماع بنقاشات عدد المداخلات حسب البلدية على خلفية التوازنات المرتبطة بالبلديات والحساسيات السياسية والاجتماعية. وكان منسق الحملة يقبع داخل الأصوات المختلطة نساءً وشبابا وشيوخا بحثا عن مخرج مع استعداده لأي حل يرضي الجميع. وكانت نكبة حقيقة طالت محاولة انجلائها بعض الوقت. وعند مقدم مدير الديوان، طلب بدماثة تخفيف العدد عندما اطلع عليه من منسق الحملة لأن الوقت لا يسمح. وتمت محاولة تعديل الصيغة التوافقية التي شحنت مذكرة منسق الحملة بلائحة طويلة بعد صراخ وتجاذبات وتعديلات عديدة في الآراء، ومع ذلك كان التوصل لتلك الصيغة فتحا مبينا نتيجة لما سبقها من هول الموقف، وقد حصلت استجابة ثمانية تقريبا تناغما مع طلب مدير الديوان الودي للعدول عن التدخل. وقد أدرك المرشح الذي دخل ببساطة وهدوء بعضا من محاولات تخفيف اللائحة والحديث عن مدة المداخلة. وفي محاولاته الهادئة للسيطرة على الموقف، وقد ألهبت طريقة دخول المرشح والتزامه الصمت البعض للتمسك بالتدخل. كان المنسق يلوح بيده ويطلب الهدوء، وكانت تخرج من تحت كلماته وتلويحاته أصوات تصر على زيادة الوقت وإلحاح جديد للكلام. كان المرشح مصوبا وجهه في هدوء مطبق نحو الأسفل دون ان يخطأ طرفه أي أحد في القاعة التي كانت فسيحة، باستثنائي ربما، حيث اخترت مكانا سحيقا في الخلف، وقد تراكم الناس أمامي .كانت المنصه التي يجلس عليها المرشح عبارة عن طاولة مغطاة برداء أبيض لم تعلها أي أثرة من أبهة، كما ابتلع دخول الرئيس الحرس المقرب منه، فقد اختفوا نهائيا وراء الباب الذي أحكم أغلاله من الخارج إذانا بانطباق الاجتماع . كما لم يبق للدولة أي مظهر في القاعة حيث توارى مدير لبروتوكول خلف الرئيس، ولم يبق له أثر ،فقط وحده مدير الديون الذي يوحي وجوده بعضويته في الحملة .
تحدث منسق الحملة بجزالة، وأحال الكلام للمرشح الذي سجل الموقف من النقاشات بكل دقة، فقد أشاد بما استمع له من نقاشات حول المداخلات ومدتها، وقال أن ذلك مفيد ومهم، وأنهم عندما حددوا توقيت المداخلة فإنه يوافقهم على أنه لن يكون بمقدور أحد قول كل ما يريد في دقيقتين، إلا أنه يعرف أن وجودهم هنا دليل عن رضاهم عن الإنجازات خلال المأمورية المنصرمة وإن اعتبر هو أن المقاطعة لم تحصل على كل ما تستحق خلالها، وأنه تعبير أيضا -أي حضورهم هنا - عن دعمهم له ، وبالتالي يقترح عليهم أن لا يضيعوا الوقت في الرجوع إلى تلك النقاط، بل ليدخل كل واحد في الموضوع الذي يريد التعبير عنه مباشرة حول ما تحتاجه المقاطعة ووجهة نظره عن الوضع، في مساعدة منه لهم في استثمار الوقت ورفع الحرج عنهم في تناول الإنجازات والإطراء، وكأنه يقول لهم: لا تطروني، وقولوا لي حقيقة ما تحسون وما تتطلعون له. ثم شكرهم على الحشد الذي قدِمت به مقاطعة المجرية للمهرجان. وكان على اطلاع بدقائق الأمور فتحدث عن المقاطعة وخاصة البلديات على أنها منطقة هشاشة كبيرة، لكنها تتضمن موارد مهمة، وفي نظره أنها تحتاج لاستثمارات خاصة، وأشار إلى تامورت انعاج وبلدية السدود التي قال إنها يجب أن تعكس إسمها على الواقع: أي أن تكون فعلا بلدية للسدود. وتعهد بذلك .وعقب ذلك فتح الباب للمداخلات التي كانت متفاوتة المستويات والمواضيع. ظل المرشح جاثما في محله كأن أعصابه تجمدت من عمق انتباهه وقوة استماعه،، وكأنه يستمع لوعظ شديد. كان من الصعب أن تحدد تغيير ملامح ولا قسمات وجهه بأي من ذلك الكلام ، بينما كان مدير الديوان يدون تلك المداخلات بشكل دقيق يوحي بالأمانة ، فلم يكن يغادر تدوينه كبيرة ولا صغيرة مهمة في تلك المداخلات، فترى قلمه يتدفق عندما تكون المداخلة مهمة كان خريطة للمداخلات في القاعة كمن يريد أن يرسم "ظلمات" متشابكة وموزعة في القاعة ومتنوعة الأشكال والأحجام .
أوشكت عقارب الساعة على رسم الثالثة ليلا. وعندما انتهت المداخلات رد الرئيس بثقة يبدو أنها مدعومة بالتجربة، أن المداخلات سيكون معالي الوزير- واللفظ له، من فرط اللباقة- قد دونها، وأنها ستكون مهمة وستحصل على حظها من الاهتمام .
رفعت الجلسة وخرج وهو يوزع ابتسامة ترسل الامتنان للجميع.
بقي مدير الديوان وهو يحمل في يمناه دفتره وكومة من الرسائل الشخصية والتظلمات والمطالب في ظروف غير متساوقة ولا متناسقة الأحجام ولا الألوان التي آثر أصحبها كتابتها ، وكان يضحك للجميع، وكان عندما يقطع أحدهم حديثه مع أحد مخاطبيه يستمع له ثم يعود للآخر بكل أريحية .وعندما خرجنا وجدنا أهل تجگجة قد احتشدوا عند الباب يستعدون للدخول .
وقد خرجت من هذه السهرة بالملاحظات التالية:
-شغف المرشح لمعرفة حقائق البلد بصفة مباشرة من السكان والتعبير المباشر عن حاجته لدعمهم كمسألة شخصية يترتب على اعتراف بالجميل والتزامات وأن ذلك رهانه هو الشخصي .
– كان هناك غياب تام للدولة وللمتاجرة السياسية وللأطر الكبار ، -كان اللقاء مع الشعب في تفاصيله وفي مكمن ضعفه وفي أعتى صور وتجليات تمثيله في كنهه وضعفه وفقره وجهله، وكان ذلك يواجه باحترام واهتمام وتقدير من طرف المرشح دون أي وسطاء ولا رتوش .
– كانت هذه السهرات الخالية من الغناء والإطراء والتزلف ومن المتاجرة بالنفوذ، تمتد لساعات الصباح الأولى، وتتم بأريحية دون تشنج . وكان هذا في كل ولاية منذ اليوم الأول .
فهل لابد لغزواني من هذا لكي يحصل على الأصوات ؟وهل هناك من المترشحين من يفعل ذلك ؟
لم أتحدث خلال هذا اللقاء، فلم أبدي رغبتي في ذلك، وقد اكتفيت بالمراقبة الدقيقة لهذا الاجتماع حبا للاطلاع على هذا الجانب من حملة غزواني .
من صفحة الإعلامي والمحلل سياسي محمد محمود ولد بكار