الثلاثاء
2024/09/10
آخر تحديث
الثلاثاء 10 سبتمبر 2024

محمد محمود ولد بكار يكتب: 20 سنة فقط وتكون موريتانيا تغيرت وإلى الأبد (ح: 1)

12 أغشت 2024 الساعة 23 و36 دقيقة
محمد محمود ولد بكار يكتب: 20 سنة فقط وتكون موريتانيا (…)
طباعة

عملية التحول الكبرى التي تحتاجها موريتانيا في أربعة محاور:
 ثورة في التعليم،
 ثورة ثقافة،
 تحديد هدف اقتصادي، صناعي، زراعي،
امتلاك الدولة قوة الإلزام.
الحلقة الأولى
—عبر التعليم
الدول التي غيرت قواعد التعليم الغربي هي التي وصلت لقمة الدول الأحسن تعليما في العالم.
لا يمكن لأي بلد أن يحقق النجاح قبل أن يراجع مسيرته ويقيمها بصدق ويتطلع للأحسن، فهل راجع الموريتانيون، نخبة أو حكومة، مسيرتهم الوطنية بشكل صادق ؟هل كان تطلعهم للمستقبل بالأدوات العلمية وبالتخطيط ؟ في الواقع، لم يقع شيء من ذلك. وهكذا تظل الدعوة للتغيير كأي كلام غير مفهوم ولا جدي، ولا نعرف إلى أي مدى تفهم نخبتنا هذا الانفصام بين الأقوال والأفعال .
نحن هنا في موريتانيا نكتفي بترديد العبارات ذات الطابع العالمي أو التي تنتمي للعالم المتحضر وترمز للأهلية والتقدم كمعايير لنقد أو لتقييم وضعنا، لكننا لا ننظر إلى كيف وصلت الشعوب التي كانت في مثل حالتنا إلى التطور .إن أحسن التجارب المتعلقة بالنجاح تلك التي تمت بواسطة التعليم، فالدول التي قفزت إلى المراتب الأربعة الأولى عالميا في التعليم كانت فقيرة أومتخلفة في الغالب، لكنها راجعت وضعيتها وواءمت تعليمها مع حاجاتها وطبيعتها وكسرت النمط والتجريد الغربي .
لقد جاء النظام العالمي للتعليم إلى العالم عبر الاستعمار، وكنموذج لنجاح الخبرة الغربية والانتماء للتحضر والتطور، لكنه لم يكن الوحيد، بل قضى على كل النماذج التعليمية في العالم حتى تلك الناجحة قبله ووصمها بالتخلف، فنظام التعليم الإسلامي كان سببا في تفوق المسلمين وفي سيطرتهم على العالم، وكان الطفل المسلم قبل البلوغ يكون قد حفظ 60 ألف كلمة وصار له طموح الرجال بسبب علمه ومعرفته، بينما كان الطفل الغربي يحصل على 16 ألف كلمة بعد الإعدادية، ويظل طفلا حتى يصل الجامعة .التعليم الغربي تمت صياغته بعدما وصلت أوروبا درجات عالية من التعليم وصارت بحاجة لتنظيم دفعات أبنائها لسوق العمل. وهكذا ظل المسار التعليمي طويلا جدا، بينما الشعوب التي تبنت استراتيجية النهوض من خلال التعليم غيرت تلك البنية والقواعد والمنهجية. وهكذا نجد أن أربع دول الأعلى في العالم من شرق آسيا، بداية بكوريا الجنوبية (الأولى عالميا) ثم اليابان، ثم سينغافورة، ثم هونكونغ، كان سبب تفوقها يعود إلى المواءمة بين وضوح الأهداف والنظام الدراسي، فضلاً عن الاختبارات التي تقيس بوضوح قدرة الطلبة على فهم المناهج الدراسية وتطبيقها وروح الأنظمة التعليمية فيها، ولم يطبقوا الوصفة الأوروبية "العالمية " الجاهزة والمحددة سلفا أو ما يطلق عليه التعليم البنكي الذي يحول الطفل إلى حساب تودع فيه مواد وقوالب جاهزة عبر سلاسل زمنية محددة. وهكذا جاءت بريطانيا السادسة بعد فيلندا، بينما لم تكن فرنسا من العشرة الأوائل .
لقد أخذت كوريا، التي كانت الأمية فيها بنسبة 78% بعد رحيل اليابانيين عنها حيث لم يكن لها معلمون كوريون، ببناء نظام تعليمي متطور وحديث على مدى عقود يوصف بأنه الأقوى في العالم حيث غيرت الهيكلة التعليمية نحو 1020 ساعة سنويا بمعدل 14 ساعة في اليوم لمدة 5 أيام في الأسبوع، كما أخذوا بمسار 3.3.6 .لكن التعليم تحول إلى غاية بالنسبة للمجتمع الكوري .كما سلك اليابانيون نفس المسار بعد ثورتهم ضد حكومتهم سنة 1868 التي اعتبروها فاسدة، وقد شرعت بعدها الحكومة الجديدة بإرسال وفود إلى عدة دول منها: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأمريكا؛ من أجل الاطلاع على أفكارهم التربوبة؛ وبالفعل تم إنشاء نظام تعليم ياباني مبني على التوأمة بين أفكار تلك الدول والثقافة اليابانية مع الحفاظ على النظام التعليمي بمسار 3.3.6، لكن بمنهج تعليمي يعتمد على العمل الجماعي وحل المشكلات بدلاً من التعليم المباشر. ويتعلم الطلبة مناهج دراسية تتعلق بالرياضيات، والعلوم، وعلم الأخلاق. وكانت مناهج الأخلاق توازي العلومَ الأكاديمية؛ مما انعكس إيجاباً على سلوكيات الأفراد في المجتمع.
أما سنغافــــــورة فإنها بأقل من 50 عاماً تحولت من جزيرة فقيرة ومعدومة الموارد مع غالبية من الأميين، إلى دولة متقدمة، بل والأكثر تطوراً.فبعد حالة من التناحر والتنافر بين المكونات والجماعات العرقية في ظل الاستعمار، وبعد الاستقلال عن ماليزيا سنة 1965 ، أدرك رئيس الوزراء السنغافوري (لي كوان يو) أن التعليم هو السبيل الوحيد الذي يمكن أن يقضي على مشكلات المجتمع السنغافوري؛ وبالفعل شرع ببناء نظام تعليمي يتسم بالجدارة. وقد امتاز النظام التعليمي السنغافوري بالمعلمين والمديرين ذوي الكفاءات العالية، والقادة الأقوياء الذين يتمتعون بالقدرة على صياغة رؤى بعيدة المدى.وقد اتّبعت سينغافورة نظاماً يتبع مسار 2.2.6، ومناهج دراسية معدة بصورة جيدة وبمقاييس تتماشى مع أساليب التعليم الحديثة وطرق القياس والتقويم. وقد خضع النظام السنغافوري للعديد من حركات الإصلاح بين عام 1997 وعام 2006 مما أوصلها لمرحلة التطور وحل المشاكل الداخلية الخطيرة .أما هــونغ كـــونغ التي ظلت مستعمرة بريطانية إلى غاية 1997 ، فقد غيرت نمط تعليمها بعد إجلاء الانگليز سنة 2000 وبدأت السلطات بتغيير النظام التعليمي والتحول الى نظام جديد يعتمد على مسار 3.3.6، إدراكا منها أن التعليم هو البوابة نحو المستقبل؛ لذلك ركزت على المتعلم كونه محور العملية التعليمية، واهتمت السلطات بالمعلمين مما حفزهم لبذل قصارى جهودهم. وبفعل ذلك أصبح المعلمون ذوي شهره عالية توازي شهرة النجوم حتى يكاد أن ترى صور المعلمين في الطرقات والشوارع تقديراً لهم.كانت هذه قصة الدول والشعوب التي حققت تطورا كبيرا واستثنائيا بالعلم، وقد انطلقت من القاع بالنسبة للمؤشرات الاقتصادية وحسمت رهاناتها الكبرى وتخطت مشاكلها الاجتماعية وعوامل التمايز والتقسيم فيها بواسطة قاعدة تعليمية تناسب ظروفها وتعي أهدافها، انطلاقا من مبدأ أن التعليم يجب أن يكون في خدمة البلد .
فكيف يمكن لموريتانيا أن تستفيد من هذه التجارب وهي تواجه التخلف بقوى خائرة وبدون رؤية ولا عزيمة قوية مثل تلك التي لدى السينغفوريين؟.. يملكن لغزواني أن يتبنى هذا التفكير ليكون أب التحول الموريتاني وهو يودعنا بعد خمس سنوات، هو وحده من يمكنه أن يأخذ قرارا بهذا الحجم من الأهمية والقوة والتوجه ، الذي سيكون بمثابة مشروع القرن بالنسبة لموريتانيا ليس هذا تفكيرا طباويا ولاجنوحا في الخيال أنها أمثلة رائعة وواقعية قائمة على قوة الإرادة وعلى الوطنية .
لايد يتطلب الأمر أكثر من أمرين: وضوح الرؤية وإرادة مؤَسِسة. وهكذا على مر جيل واحد يمكن تغيير البلد. إن الأمر يتطلب في البداية فهما لخصوصيّتنا وطريقة حياتنا ونمط انتظامنا في فوضويتنا، وازدواجية نظام تعليمنا (بين المحظري الذي هو مجال اتفاق الجميع على الأقل بالنسبة للنشأ ،والتعليم الحديث الذي هو اجباري حسب القانون )من دون أن تكون هناك مواءمة ولا تخطيط لدمجهما في سياق واحد كجزء من ربط رغبة المجتمع مع طموح الدولة ، وبالتالي وضع تصور شمولي للعملية التعليمية في البلد وتحديد أهداف لها وفي أفق معرفي وزمني محدد. وهكذا يتم وضع مجموعة من التساؤلات الجوهرية حول العملية: كيف يمكن وضع نظام تعليمي في الزمن وفي المناهج يستفيد منه التلاميذ لأقصى قدراتهم الذهنية والمعرفية والعلمية الحديثة ويحافظ في نفس الوقت على الأبعاد الأخرى للتعليم التي تلبي البعد الديني الذي هو احد أساسيات التعليم في البلد ؟ كيف يمكن بناء بنية تحتية تعليمية شاملة لأجل إيصال مرحلة التسيب لصفر؟ كيف يمكن الوصول لدعم قدرات جامعاتنا ومدارسنا للحد الذي يمكننا من الاستفادة من جميع مسارات التطور العلمي والتكنولوجي ودعم مهارات أبنائنا؟ كيف يمكننا أن نحول التعليم إلى عنصر جامع موحد حول هدف وطني واحد؟ كيف يمكن نغير التوقيت لمصلحة التعلم بأن تصبح السنة الدراسية 10 أشهر ونصف ويكون ذلك النصف هو مجموعة الراحات الفصلية على سبيل المثال .. إن الخلاص الوحيد من وضعيتنا هذه وهو فقط الأخذ بمبدأ التفكير في المراجعة والتقييم لنجاعة نظامنا بعد اكثر من ستة عقود والاستعداد للخروج من طابع التسليم والتبعية العمياء لنظام التعليم الأجنبي ومحاولة صياغة نظام تعليمي جديد يوائم بين النجاحات التي حققتها بعض الدول وبين خصوصيتنا. فهل لا يمكن أن نغير مثلا سن التخرج إلى سقف 20 سنة تقريبا ؟ وهل ليس بمقدرونا أن نغير مسار التعليم من بداية التمدرس في سن خمس سنوات في مزح بين التعليم الأصلي والحديث، أي تحفيظ القرءان والمتون وتعليم الأخلاق وقيم الجمهورية وفنون الرسم والكتابة، وبالتالي إعداد التلميذ للمتدرس بمدارك أوسع .وهل لا يمكن أن يتم توجيه التلميذ من السنة أولى إعدادية مع الحفاظ على المواد الثانوية؟ وهل لا يمكن تقليص مسار التعليم بسنتين أو ثلاثة مع التركيز على المناهج التطبيقية لكي يستفيد أبناؤنا من العطاء في سن مبكرة بين 18 و20 سنة تقريبا حيث مازال الشاب بكامل القوة والحماس والاندفاع والقدرة على العطاء وصفاء الذهن، كما سيجد الوقت ليرتب حياته بشكل أفضل .
إن المطلوب حالا من الرئيس غزواني هو تبني هذا الخيار أولا، ثم التأسيس له خلال هذه المأمورية وذلك ببناء البنية التحتية له مثلا: تخصيص 100 مليار أوقية من ميزانية الاستثمارات سنويا لبناء الجامعات والمعاهد والمراكز، وبناء استثمارات تابعة لها، وتحويل عقارات للدولة كريع للجامعات، وبناء مراكز بحث ومعاهد دراسات ومختبرات متكاملة وفي كل ولاية .ثم إرسال بعثات عديدة، وعلى أساسها يتم تكوين المدرسين والأساتذة وإعادة تأهيلهم من جديد وفق هذه الخطة، وكأنها نقطة البداية وهكذا عندما يأتي رئيس جديد فلن يكون له الخيار في العودة عن هذا التوجه بسبب حجم الحشد المالي والبشري والفكري له، ويكون بذلك محمد ولد الشيخ الغزواني المؤسس الفعلي لنهضة موريتانيا .
يتواصل

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار