الأحد
2025/10/12
آخر تحديث
الأحد 12 أكتوبر 2025

بعد تقرير محكمة الحسابات

منذ 45 دقيقة
بعد تقرير محكمة الحسابات
طباعة

أعتقد أن نشر تقرير محكمة الحسابات في وسائل الإعلام، قبل تبنّي خطة صارمة لمجابهة الفساد، ولو في الحالات الصارخة التي كُشف عنها أمام الرأي العام، يقود إلى انفصام كبير بين القول والفعل. فحتى عندما لا نملك القدرة الكاملة على استئصاله، يتوجب علينا على الأقل أن نتصرف بما يراعي مشاعر الشعب الفقير، والشباب المنكوب بالبطالة، والموظف ذي القوة الشرائية الضعيفة، والكفاءات المهمَّشة، الذين يرون جميعهم مظاهر الفساد وهي تعبث بميزان الحياة في البلد، بينما يظل أصحابه في مواقع النفوذ أو في محيط النظام، تُجدَّد لهم الثقة كلما سنحت الفرصة. أليس في ذلك ما يجعلنا نسير على حافة الهاوية؟

إن الوضع الراهن، وبفعل جملة من الأسباب، يتطلب تعزيز الثقة في صرامة الحكومة، خاصة في القضايا التي يكرر الرئيس الإصرار على معالجتها، مثل محاربة الفساد أو دعم الشباب وخلق فرص أوسع لهم. وستظل هذه الثقة معلقة بمدى التقدم في الملفات والسياسات الأكثر حضورًا في تعهدات الرئيس.

نحن اليوم أمام ظرف متشابك: حوار وطني مرفوع السقف لتسيير الخلافات التاريخية، يستند إلى تصورات وتطلعات بين مختلف الأطراف، قاعدته المشتركة الثقة في الرئيس، ويُفترض أن يؤسس لمستقبل البلد، من خلال تسوية ملفات الماضي والتحضير لمستقبل مشترك، استنادًا إلى التزام الرئيس بتنفيذ مخرجاته. كما أن المناخ العام الذي تسير فيه الدولة سيكون الضامن الأول للمتحاورين بجدّية التعهدات.

وفي المقابل، نشهد عودة الحراك الاجتماعي إلى الواجهة، الذي يتطلع أصحابه في الغالب إلى المعالجة بالصدمة، مدفوعين بتردّي الأحوال المعيشية، وتعدد مراكز الاستقطاب، وضعف التأطير، وهو يتجه نحو أهداف متباينة، مع ثقة متزايدة بقدرته على إحداث التغيير.

من هنا، يتعيّن استباق الأحداث بتغيير سلوك النظام في المقام الأول، وتبنّي سياسات جديدة تبعث برسائل واضحة للرأي العام، أبرزها اعتماد مبدأ العقوبة والمكافأة، وتقدير الكفاءات، ووقف تجديد الثقة في الفاشلين أو في أصحاب السوابق. كما يجب إنهاء الثقة المستمرة في الشخصيات التي يحتفظ الرأي العام بصورة غير ناصعة عنها، نتيجة سوء استغلالها للمسؤوليات في السياسة أو الإدارة، وقد قاد التزلف بعضها إلى حافة الكفر ،ناهيك عن الردة الأيديولوجية .

ومن الضروري أيضًا أن تُعطى القرارات العقابية معناها الحقيقي، من خلال وقف استقبال الرئيس المتكرر لشخصيات أُنهِيت مهامها في ظروف غامضة، أو بناءً على تقارير من هيئات رقابية،تحت غبار الفضائح .

كما ينبغي توضيح حدود وسقف سياسة محاربة الفساد على نحو قاطع ، لتكون الإجراءات والقرارات المتخذة غير قابلة للتأويل، وموجهة نحو هدف واحد واضح يمكن حشد التأييد والاصطفاف حوله، حتى لا نجد أنفسنا في وضعٍ لا يرد فيه علينا أحد بالتحية، أو في بيئة اجتماعية فقدت ثقتها في الإصلاح.
ويكون من الصعب فيه إدارة الأمور بصرامة .
إنه من المفيد جدا أن لايفقد الشعب الثقة في الإدارة ولا القوة العمومية .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار