دروس جانبية من منطقة الساحل

من بين العوامل الحاسمة في نجاح موريتانيا في التعامل مع الأزمات المزمنة في الساحل بالإضافة -وأكثر من- الإدارة الناجحة للجانب الأمني والدبلوماسي الوقائي والفكري، النجاح في ضبط المشهدين الاجتماعي والسياسي، باعتبارهما المفتاح للتهديدات والمخاطر..
يشكل العامل الاجتماعي في منطقة الساحل، المتمثل في التنوع العرقي الأثني الثقافي، جوهر الأزمات ومركز الصراعات الداخلية؛ لا سيما مع التهميش والإقصاء والفساد والفشل في أدارة التنوع وخلق هوية واندماج وطني جامع وشامل، وتمركز الثروة والنفوذ في أقطاب وجماعات وأقاليم محددة..
بيد أن العامل السياسي المتمثل في عدم الاتساق في صيغة توافقية ومستدامة للحكم وانتقال السلطة تحول دون التمرد والانقلابات، تعد ملمحا رئيسا لعدم الاستقرار السياسي في المنطقة، خاصة مع التراكمات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية وانغلاق المشهد والحياة السياسية والحزبية وأمننة الشأن العام ورفض الحوار والتشاور من المعارضات السياسية..
رغم ما تظهر التجربة الموريتانية كنموذج ناجح في إدارة التحديات الاجتماعية في منطقة الساحل، لا يخفى وجود ملامح إشكالات - وإن كانت ضئيلة - لا يمكن بحال تجاهل احتمالية تأثيرها على ما يمكن أن يسمى هنا " بالعقد الاجتماعي " الذي بموجبه تنقاد وتخضع وتتنازل الجماعات الضيقة ( قوميات، أعراق، إثنيات،قبائل، فئات..) للدولة الجامعة، ومن ثم، من الأمية بمكان، النظر مليا في إدارة التنوع الاجتماعي، وهو ما لا يستقيم نجاحه قطعيا مع التهميش سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، أو ثقافيا أو حتى جهويا/مناطقيا، ومع التوزيع المختل للثروة، وغياب العدالة الاجتماعية، والمساواة في الفرص المختلفة وشفافية وحيادية الحصول عليها..
برهنت موريتانيا خلال ما يربو على عقد ونصف، على أنها نموذج متماسك للاستقرار السياسي وثبات الشرعية السياسية في نطاقها الإقليمي ( الساحل الأفريقي خاصة )، ما يعكس تواضع الجماعة السياسية - الحاكمة على الأقل - على صيغة توافقية لانتقال السلطة والتماسك السياسي، ما جنبها موجة الانقلابات العسكرية التي عرفتها دول الساحل والتي لا شك أنها بطبيعة الحال عطلت تعاملها مع الملفات المختلفة التي تموج بها المنطقة، ومن ثم، من الأهمية بمكان، أن يشمل التوافق مختلف الطيف السياسي موالاة ومعارضة وكل الفاعلين والمؤسسات المؤثرة على المشهد السياسي، لوضع خارطة طريق ورؤى تحدد من ناحية قواعد شفافة وموضوعية للعبة السياسية في أفق ٢٠٢٩ وما بعدها، ومن ناحية ثانية تضمن الاستمرار والاستقرار السياسي في ضوء تحديات الساحل الأفريقي..
إن العين المحدّقة بأزمات الساحل وتجارب دول المنطقة، تبصر أن النجاح البادي للعيان في التعامل مع المخاطر والتهديدات الأمنية والإعلامية والفكرية التي تفرضها تلك المنطقة المتاخمة للحدود الموريتانية، لا بد أن تواكبها جهود موازية واستباقية لتجنب التصدع الاجتماعي والسياسي، الذي يعد بدوره مدخلا للأزمات الأمنية والإنسانية.
الباحث محمد الوالد