الأربعاء
2025/10/1
آخر تحديث
الأربعاء 1 أكتوبر 2025

متى سنتخلص من القاتل الاقتصادي في بلادنا؟ .. قراءة في تجربة موريتانيا مع البنك الدولي وديون “التنمية”

منذ 17 دقيقة
متى سنتخلص من القاتل الاقتصادي في بلادنا؟ .. قراءة في (…)
طباعة

في عالم تتصارع فيه القوى الاقتصادية تحت شعارات التنمية والدعم، تقف دول العالم الثالث – ومنها موريتانيا – ضحيةً لما يمكن وصفه بـ”القتل الاقتصادي المنظم”، تمارسه مؤسسات مالية دولية بقيادة البنك الدولي، تحت غطاء الإصلاح والدعم الهيكلي.

“اعترافات قاتل اقتصادي”… القصة من الداخل

يقول جون بيركنز، صاحب كتاب “اعترافات قاتل اقتصادي”، الذي تُرجم إلى 39 لغة:

إنه كان جزءًا من مجموعة تُعرف بـ”قتلة الاقتصاد”، وهم خبراء محترفون يتقاضون أجورًا مرتفعة مقابل خداع الدول وتضليلها، بهدف ابتزاز تريليونات الدولارات منها.

هؤلاء “القتلة” يوجهون أموال البنك الدولي، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وغيرها من المؤسسات الدولية، نحو خزائن نخبة ضيقة من كبريات الشركات والعائلات الثرية المتحكمة في ثروات العالم. وتتمثل أدواتهم في تقارير مالية مزيفة، وانتخابات مزورة، ورشاوى، وابتزاز، وجرائم قتل أحيانًا… وكلها أساليب قذرة تهدف إلى السيطرة الاقتصادية والسياسية.

ومن ضمن آليات هذه الهيمنة، المؤامرات التي تُقنع البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية بقبول ديون ضخمة، لتُصبح في نهاية المطاف خاضعة للسيطرة الأجنبية بعد أن تُثقل كاهلها بالديون.

موريتانيا والبنك الدولي: 40 عامًا من “الدعم” دون تقدم

منذ نحو أربعة عقود، تخوض موريتانيا تجربة طويلة مع البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية الأخرى، تحت شعار “دعم التعافي الاقتصادي”. لكن الواقع يُظهر نتيجة مختلفة تمامًا: اقتصاد هش، دولة مثقلة بالديون، وفقر يزداد رغم كثافة البرامج والمشاريع التي تُعلن سنويًا.

ففي كل عام، تُقدَّم لموريتانيا “وصفات” جديدة لإصلاح الاقتصاد، لكنها في الواقع وصفات تزيد من تهميش الدولة، وتضعف قدرتها على الاستثمار في القطاعات الحيوية كالصحة، والتعليم، والعدالة، والصناعة، والزراعة، والثروة الحيوانية.

البنك الدولي لا يموّل هذه القطاعات، بل يوجه الأموال إلى مشاريع غامضة تحت عناوين فضفاضة مثل “التقوية”، و”التصدي”، و”المرونة”، دون أثر ملموس في حياة المواطن، بينما تواصل الديون تراكمها.

تقارير متفائلة… تغطية على الفشل؟

رغم تدهور الأوضاع بالنسبة لايمكن أن تكون عليه من دون البنك الدولي ، يصدر البنك الدولي تقارير متفائلة عن الوضع الاقتصادي في موريتانيا. يُجمّل الأرقام، ويتغاضى عن الفساد، ويُصدر توقعات إيجابية لا تعكس الواقع. وفي خلفية هذه “الإيجابية”، يجري ابتزاز الدولة للقبول بشروط جديدة، ثم تُمنح قروض إضافية، وتبدأ دورة جديدة من “الإصلاحات” التي تُفاقم الأزمة بدلًا من حلها.
وخلال نقاشاتي الشخصية مع بعثة من البنك وصندوق النقد تزور موريتانيا 2018 في مقره في نواكشوط وكان الفساد في أوجه طلبت من البنك الدولي الاعتراف بأن ديونهم تدعم الفساد والإثراء غير المشروع وزيادة الأعباء على مستقبل البلد والأجيال القادمة وأن النظام القائم يعشعش في جو من الفساد وقد وصلت ديون موريتانيا في الطاقة وحدها ربع الدين الذي بلغ 5 مليارات دولار أي 104% من الدخل السنوي العام للبلد وقد اعترفوا ببعض الأخطاء التي شملت صفقة المطار وقالوا أنهم دونوا ذلك في تقريرهم لكن في الواقع أنهم يقمون بعملهم فقط الذي هو تدمير اقتصاد البلد .

النتيجة: اقتصاد تابع، وشعب يزداد فقرًا

النتيجة المؤلمة أن موريتانيا، وهي دولة تستورد أكثر من 99٪ من حاجياتها، لا تزال عاجزة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي، ولا عن تحسين القوة الشرائية لمواطنيها، في ظل الضغط المستمر على قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية رغم امتلاكها لاحتياطات كبيرة وغير مسبوقة من الذهب ومن العملة الصعبة وإدارة مسؤولة ووطنية للبنك المركزي ، وتراجع دور الدولة كمحرك للتنمية.

يُطلب من الحكومة تقليص الإنفاق، رغم أن البلد يحتاج إلى استثمارات هائلة في البنية التحتية والخدمات الأساسية. وتُقيَّد المبادرات المحلية، خاصة في الصناعة والزراعة، بينما تُدفع الأموال لمشاريع بلا جدوى حقيقية.

إلى متى؟

أمام هذا الواقع، يُطرح سؤال جوهري:
متى تتوقف موريتانيا عن الانخداع بوصفات القتلة الاقتصاديين؟ ومتى تستعيد قرارها السيادي في التخطيط لمستقبلها الاقتصادي بعيدًا عن شروط الخارج؟

التحرر من التبعية لا يبدأ برفض القروض فقط، بل بإعادة تعريف الأولويات الوطنية، والاعتماد على الذات، وتوجيه الموارد نحو مشاريع إنتاجية فعلية، تُحقق الأمن الغذائي، وتُحسن التعليم، وتبني اقتصادًا حقيقيًا لا وهميًا.
إن احدى أكبر النجاحات التي يمكن أن تخلد إسم غزواني في تاريخ البلد أن يخلصنا من القاتل الاقتصادي ويؤسس لنهضة وطنية قائمة على شراكة مع دول محور الصين روسيا التي يتيح التكنلوجيا والتمويلات من دون شروط اقتصادية ولا فكرية .

الإعلاميّ والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار