الأحد
2025/09/28
آخر تحديث
الأحد 28 سبتمبر 2025

لايوجد أي تفكير في مأمورية ثالثة على الإطلاق

منذ 1 ساعة
لايوجد أي تفكير في مأمورية ثالثة على الإطلاق
طباعة

الرئيس غزواني لا يملك أي طموح ولا أي رغبة في التمديد له.

غزواني، لمن يعرفه، شخص متوازن يحب الهدوء ويكره الصخب والإكراه، وليس له طموح خارج القواعد. وسأعرض هنا حكاية توضح ذلك.
عندما واجه الأفارقة في الاتحاد الأفريقي مشكلة حسم الترشيح الإجماعي لرئاسته، طلب بعض الرؤساء الأفارقة من الرئيس غزواني أن يترشح لأنه سيحل لهم مشكلة كبيرة. فالترشيحات عادة تتم عبر المجموعات: مجموعة شمال أفريقيا (التي تنتمي إليها موريتانيا)، ومجموعة غرب أفريقيا وغيرها، ويجب أن تقدم المجموعة التي عليها الدور بمرشحها.
مجموعة شمال أفريقيا — التي يحين دورها في الترشح — كانت تشهد اعتراضًا متبادلًا بين المغرب والجزائر على ترشيح كل منهما الآخر، وكانت مصر قد ترأست الاتحاد في دورة قريبة، وليبيا دولة فاشلة أو بحكومتين ، وتونس لا ترغب في الترشح، ومع ذلك ظلت الرئاسة من نصيب شمال أفريقيا.
ومع اقتراب موعد الانتخابات ألحّ الرؤساء الأفارقة على غزواني لكنه رفض وقال إنه لن يترشح. وبعد إلحاح كبير علّق قبوله فقط إذا كان مرشحًا توافقيًا، وأنه لن يطلب دعم أيٍّ من دول منطقته للترشح ولن يقوم بحملة لنفسه. وبعد العديد من اللقاءات التي يطلبها الأفارقة منه — بعضها علني وبعضها سري وغير رسمي — قبل غزواني أن يفاتح الجزائر في مشكلة رئاسة الاتحاد وأوفد لهم وزير خارجيته ولد مرزوك. وكانت التوصية الرئيسية أن موريتانيا لا تريد الترشح لنفسها لكنها ترغب في حل المشكلة معهم. فجاء جواب الجزائر أنها يمكنها أن تتراجع عن ترشيحها وإذا رغبت موريتانيا فسوف تدعمها. وجاء جواب غزواني أن موريتانيا لا تريد الترشح لنفسها لكنها مستعدة لأن تكون جزءًا من الحل. فوافقت الجزائر، وكذلك مصر وبقية الدول، وجاء ترشيح موريتانيا نزولًا عند رغبة الأفارقة الذين رأوا في وزن موريتانيا ومقبوليتها وسياستها الهادئة وسيلة للخروج من مأزق رئاسة الاتحاد الأفريقي.
ونفس الشيء وقع له مع ولد عبد العزيز فإلى وقت قريب من تقاعده لم يكن غزواني يملك أي طموح رئاسي شخصي. وعندما سأله ولد عبد العزيز عشية تقاعده: «ماذا تنوي أن تفعل بعد التقاعد؟» فأجابه: «أنا مثل عامة الناس، سأعيش حياتي بصورة طبيعية ولن تكون لي علاقة بأي أمر سياسي.» لم يكن غزواني في الواقع يفكر في الترشح آنذاك، لكنه أصبح لاحقًا جزءًا من المخرج الذي أراده ولد عبد العزيز بعد فترة التربص التي مر بها، وكانت أمامه خيارات: البقاء في السلطة أو العودة إليها بطريقة أخرى. فعلاً، كان غزواني مخرجًا لعزيز، لأن غزواني يملك قبولًا وشعبية ذاتية وشرعية عسكرية، وكان عزيز يظن أنه ضعيف بما يكفي ليعود إلى السلطة متى شاء.
المهم من هذه الشواهد أن غزواني يفرض احترام القواعد، وبصفة أساسية لا يخدم طموحًا فرديًا ولا يخطط له ولا يرضى به بأي وسيلة خاصة إذا كانت بسوء استغلال السلطة ،أو تتعارض مع التجربة التراكمية للبلد والحلول الجوهرية لمشكلاته. فقد عانت الدولة طويلًا من تمديد المأموريات بعد أن احتكر رئيسان فقط أكثر من أربعين سنة من عمر دولة لم يصل عمرها حينها خمسين عامًا . ولن يغيّر غزواني هذا الخيار الذي فكر فيه الموريتانيون لأنفسهم، ولن يكسر قسمه ولن يسعى إلى ذلك. فهو في الواقع لا يملك أي طموح للتمديد ولا يخطط له، كما أنه لا يعمل بهذه الطريقة. وهكذا فإن البعض يبني هذا التخمين الذي لا مصدر له على تأويلات لسوء طوية أو لسوء فهم للحوار الذي أراده غزواني حوارًا سياسيًا لا وصاية عليه، في حين ينصرفون إلى التخمينات والتلفيقات ليخلقوا واقعا سياسي يشوش على الواقع الحقيقي كما صرّح به غزواني وكما هو واقعي، حيث يعتبر غزواني أنه يمنح فرصة للطيف الوطني لكي يجتمع ويحدد مستقبل البلد ويضع الإصلاحات الجوهرية والمتبقية على المسار السياسي حسب ما يتوصلون إليه ، وبالدرجة الأولى تنظيم الانتخابات. أعتقد أن البحث عن الأمور خارج هذا الإطار هو الوقوع خارج الهدف والدخول في ميدان التخمينات والانشغال بها.
كما أن غزواني لا يخطط لفرض أي خليفة سياسي له؛ سيكون له رأي بالطبع، لكن رأيًا يحترم الإرادة الشعبية والتيارات الكبرى في الدولة والمجتمع، ولن يخلق مأزقًا أو مشكلة سياسية للبلد.
وأعتقد أنه من الضروري أن تستفيد النخبة من الدروس والواقع وتتجه إلى استغلال الفرص السياسية من انفتاح وتهدئة — التي منحها غزواني ويصرّ عليها — من أجل خلق إطار توافقي يجنب موريتانيا الهزات وعدم الاستقرار السياسي.

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار