الخميس
2025/09/25
آخر تحديث
الخميس 25 سبتمبر 2025

أوقفوا الخطر: نحو خطاب وطني جامع بدل الشرائحية

منذ 3 ساعة
أوقفوا الخطر: نحو خطاب وطني جامع بدل الشرائحية
طباعة

 كيف نتساوى

لا بد في البداية من الاعتراف بالمرجعية التاريخية ودورها الجوهري في حجم هذه الفروق. الدولة تأسَّست عام 1960م، أما التاريخ فيمتد إلى عام 1034م. التاريخ هو الذي رسَم جغرافية البلد وخلَق تراكمات في الأثرة؛ ولذلك فإن الوضع الاجتماعي يُعدّ أحد أهمّ أهداف السلم المجتمعي. أي فرض للتوازنات بالقسر يعرض قواعد البلد الأساسية للانهيار.

لذا يجب الحفاظ على الأهداف الاستراتيجية للبلد. فروسيا، مثلاً، دخلت الحرب عندما تمّ المساس بأهدافها الحيوية—ومعظم الحروب تنشأ لحماية مصالح أساسية مماثلة. الوضع الداخلي هو إحدى أهم ركائز استقرار أي دولة، وبدونه لا تقوم دولة: السكينة، الأمن الاجتماعي، والسلم الأهلي أهداف استراتيجية لكل سلطة، وهذه مهمة السلطة ومهمة القانون.

عندما توجد دولة، تظهر مصالح متعارضة بين سكانها وتبرز فروق اجتماعية. في بلدٍ تأسس مجتمعياً قبل ميلاد الدولة بألف سنة، تكونت فوارق ضخمة: هناك من يملك كل شيء، وهناك من لا يملك شيئًا، وهناك من يملك التاريخ والأرض والسلطة والمكانة، وهناك من يملك بعضًا من ذلك، وهناك من يملك العلم والأرض، وهناك من لا يملك شيئًا. هذه التراتبية المجتمعية القديمة نشأت وفق قواعد انعدام الدولة، وهنا يكمن الفرق.

لكن عندما تُؤسَّس الدولة، يجب بناء قواعد جديدة على أساس وجودها. هذا لا يعني سلب حقّ الآخرين في ما لهم قِدمًا بُقدر ما يعني إنشاء وتنظيم قواعد تقلّص حجم وامتداد الامتيازات. بوجود الدولة تُسحب كثير من الامتيازات التي تجعل التمايز مستمرًا، وتُضيق الفجوات، وتُخلق قواسم وقيمًا مشتركة ووضعًا عامًا يوفّر تكافؤ الفرص.

هل يمكن تحقيق ذلك خارج إطار القانون؟ مثلاً بالدعوة لمحاكمة عنصر معين أو بإثارة الناس بالتهديد الدائم كما يفعل البعض، أو بالكلام السوقي القبيح الذي يُطلق من غير مرجعية؟ لا توجد سلطة خارج القانون، ولا توجد مفردات خطاب سياسي أو حقوقي موجهة للعموم إلا وخاضعة للقانون—إن لم يكن هناك وازع أخلاقي أو ضمير. خروج البعض عن القانون باسم الانتصار لأنفسهم أو لمجموعة معينة يدفع الآخرين إلى الفوضى عندما يصبح التجاوز عن القانون خيارًا دفاعيًا عن الكرامة أو للحفاظ على الوضعية، وحينها يغيب أي مرجع نحتكم إليه سوى القوة أو الفوضى.

منطق الدولة والقانون يفرض على السلطة تنفيذ وإنفاذ القانون، وجعل كل فاعل يتصرّف ضمن حدود تحفظ حريته وتصون أعراض الآخرين وحياتهم. الوضع مقلق بسبب رفع صوت دعاة الشرائحية؛ فخطاب التمييز ينمو بوتيرة متصاعدة ويحظى أصحابه أحيانًا بحماية من القانون، وهذا تمييز خطير وتحصين للخطر الذي يتصاعد بين ظهرانينا. أوقفوا هذا الخطر

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار