السبت
2025/12/20
آخر تحديث
السبت 20 دجمبر 2025

هكذا، إذن، يُقدَّم لنا ما يُسمّى بمهرجان التراث

منذ 10 ثانية
هكذا، إذن، يُقدَّم لنا ما يُسمّى بمهرجان التراث
طباعة

ما زلنا، بعد سبعين سنة وربما إلى تاريخ غير محدد، لا نذهب مباشرة إلى الهدف . ومع أنه وحده عمل الرئيس يجب أن يكون تامًا، واضح الهدف والجوهر؛ فهو عمل تحشد له الدولة، وتُحضِّر له كل مصالحها وأدواتها، التي يُفترض أن تعمل وفق أهداف الدولة وبرنامجه الانتخابي ومع ذلك يتم التدخل فيه خارج ذلك .

زيارة الرئيس لودان كان ينبغي أن تُوجَّه، بالدرجة الأولى، نحو دعم الحفاظ على الهوية والتراث، ودعم التنمية المحلية ودعم تثبيت السكان ودعن تحمّل العزلة ، وتثمين الخصوصية الثقافية والتاريخانية ، على نحو ينسجم مع العنوان المعلن: مهرجان التراث. لكن الواقع أننا، وبحق، ركّزنا على ما هو خارج الهدف؛ فبدل ترميم المعالم التاريخية، وبناء البنى التحتية للسياحة وللمهرجان ودعم مبادرات الفكر والثقافة والتاريخ، انصرف الاهتمام إلى مظاهر شكلية لا تمس جوهر الفكرة"مدائن التراث".

الفلكلور، والغناء، وسباق الإبل، والرماية ــ وحتى لو أُدرج سباق الحمير ــ ستظل كلها جزءًا من برنامج ثابت لا يتغير، يحضره الرئيس؛ لأن الذي يقف وراءه غالبًا ليس صاحب فكر أو مبادرة، ولا منافحًا عن الحق من أجل الدولة والشعب، بل نافذًا، أو متنعّمًا بالسلطة، أو متاجرا بالولاء ، أو مخبرًا، أو حديث النعمة، أو أي شيء آخر سوى مواطن عادي يحمل همًّا ورؤية.

لقد اتضح لنا اليوم أن الدولة ما تزال تعمل وفق آليتها التقليدية الثابتة، القائمة على مقتضيات ما يُسمّى بالدولة العميقة، وأن التغيير المنشود، الذي يتردد بين الفينة والأخرى في الخطابات، ليس له أهل في الحكومة ولا في الإدارة إلا من رحم ربك. كما أن القوة التي تمسك بدفّة الدولة وتوجّه برنامج الرئيس ينحصر همّها الأول في إبقاء الأمور على ما هي عليه حتى لو كان ذلك ضد توجهه، داخل قوالب جاهزة، ووفق قواعد تُكرّس دعم الوضع القائم بدل تغييره، وتخلق نطاقًا ثابتًا لتقاسم المنافع والجاه والسلطان داخل أي نظام.

وهكذا انتهى المهرجان بعد ليلة حافلة بالغناء الباذخ ، بينما بقيت من دون أي اهتمام الجهود الثقافة والتاريخية الواعية لدورها في البلد حاضرا ومستقبلا ،والمبادرة الرائدة ــ أو تلك التي تتلمس طريقها وتحتاج إلى دعم الرئيس ــ في غياب الدولة الوطنية ذات الإدارات الفاعلة والداعمة للأهداف الوطنية .

والأغرب من كل ذلك ما علق به أحدهم، وهو صاحب واحة نخيل تقليدية، على شاحنات تقف بجانب حفر في بطن الوادي، بقوله: إن المهرجان لا يخلّف وراءه لأهله إلا أوقية سقطت. فالحفر التي تم التعهد بها في المهرجان الماضي لسقاية النخيل، والتي لم يُنفّذ منها سوى الحفر الأولي، عادوا اليوم ليُحوّلوها إلى مشروع «شراب المدينة» ضمن تعهدات هذه النسخة، بينما بقيت الواحة، وهي ركيزة الحياة الاقتصادية في المدينة، من دون حفر.

وقال آخر إن برنامج التدشين سيتضمن مركز الشباب، وهو أصلًا من تعهدات النسخة الماضية، رغم أنه لم يكتمل بعد.
حتى الخيام التي يتم فيها العرض يتتي في ضوء صقفة نحدد كل سنة أصبحت ركنا ثابت في الصرف .

هكذا، إذن، يُقدَّم لنا ما يُسمّى بمهرجان التراث..

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار