الأربعاء
2025/09/24
آخر تحديث
الأربعاء 24 سبتمبر 2025

غزة بين الدين الحق والدين المختطف

منذ 1 ساعة
غزة بين الدين الحق والدين المختطف
ختام الفرا
طباعة

غزة ليست مجرد أرض أو مدينة؛ إنها شهادة حيّة على صمود إنساني وتاريخٍ مثقل بالمعاناة. غير أن ما يحدث اليوم أشبه بطوفانٍ تشكّل من تراكمات داخلية وخارجية معًا؛ طوفان أغرق المدينة وأصاب أهلها بالجوع والمرض والتهجير. فالمأساة ليست فقط في القصف والحصار، بل أيضًا في عقودٍ من السياسات والإدارات التي فتحت الباب أمام الفوضى، وأتاحت لـ«العربدة» السياسية والإدارية أن تستغل معاناة الناس بدلًا من أن تقودهم نحو الخلاص.

النتيجة واضحة أمام الجميع: مؤسسات صحية تنهار، مستشفيات مهددة بالإغلاق، نقص حاد في الوقود والدواء والغذاء، حتى أن منظمات دولية حذرت من مجاعة فعلية في بعض محافظات القطاع. وهذا الواقع لا يبرئ أحدًا؛ فالقائد الذي يضع سلطته فوق حياة الناس شريك في الكارثة، حتى وإن اختلفت درجات مسؤوليته عن الاحتلال المباشر.

الخطر الأكبر يظهر حين يتحول الدين أو النضال أو القوة إلى غطاءٍ للتشدد أو للمحسوبية. فالسفينة لا تشقها الأمواج فقط، بل قد تنخرها الشقوق من الداخل. الفرق بين دينٍ ينهض بالمجتمع ويعلي مصلحة الناس، ودينٍ «مختطف» يُستغل لتبرير الاستبداد والمقامرة بمصير المدنيين، هو الفرق بين النجاة والغرق. وغزة اليوم تدفع ثمن تعثر داخلي قبل أن تدفع ثمن العدوان الخارجي.

الأولوية الآن ليست المزايدات ولا الاتهامات، بل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. المطلوب قرار وطني حاسم يضع حياة الناس فوق أي حسابات حزبية أو سلطوية. أولويات الإنقاذ واضحة: فتح ممرات إنسانية آمنة، إعادة تشغيل المستشفيات، توفير الغذاء والوقود، وحماية المدنيين من الاستغلال السياسي لمعاناتهم.

التربية الوطنية لا تحتاج إلى تنظيم خارجي

الوطنية ليست شعارًا يُستورد من الخارج، ولا تربية تمنح بوصاية تنظيمات أو أحزاب. التربية الوطنية تولد من رحم الانتماء للأرض والتاريخ، ومن إخلاص الإنسان لوطنه دون انتظار إذن أو شهادة من أحد. إن شعب غزة لم يحتج يومًا إلى تنظيم خارجي ليعلمه حب الوطن أو التضحية من أجله؛ فقد جسّد ذلك في نضاله وصموده وتضحياته عبر أجيال.

أما الدرس الأهم، فهو أن القيادة الحقيقية تُقاس بقدرتها على حماية الناس وإيجاد حلول عملية، لا بتفننها في «العربدة» ولا بالتصفيق لجماعة أو حزب. إنقاذ غزة يبدأ بإعادة ترتيب الأولويات، وإلا فسيبقى الطوفان سواء أكان حربًا خارجية أو فسادًا داخليًا يبتلع الجميع.

غزة اليوم تجسد معضلة كبرى: المقاومة حق مشروع لشعب محتل، شرفٌ أقرّته كل الشرائع، لكن التنظيمات التي احتكرت هذا الحق جعلته غطاءً لمصالحها الداخلية. وهكذا وجد الشعب نفسه بين عدو خارجي يقصف ويهدم، وتنظيم داخلي يقمع ويستغل.

الدين الحق يقف إلى جانب صمود الناس دفاعًا عن الأرض والكرامة. أما الدين المختطف فيستغل صمودهم للبقاء على الكرسي، فيحجب صوت الشعب ويُسكت الحقيقة. فالمسلم عند هذه التنظيمات ليس من يتبع القرآن والسنة، بل من يتبع المرشد والقيادة. وهذا فكر منحرف وخطير، لأنه يجعل الإسلام أسيرًا لجماعة، بينما الإسلام في أصله دين عالمي نزل ليحرر البشر لا ليستعبدهم.

اليوم ندفع جميعًا ثمن هذا الفكر: انقسامات وصراعات وتحريض داخلي، وتقديم مصالح التنظيم على مصلحة الأمة. يرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، لكنهم في الواقع جعلوا الإسلام وسيلة للتمكين السياسي. أما الإسلام الحق، فهو دين الرحمة والعدل والسلام.

إلى من يصفقون للتنظيمات: التصفيق ليس نصرةً للإسلام، بل تواطؤ مع اختطافه. الإسلام أعظم من أن يُختزل في حزب أو جماعة، وأكبر من أن يُحتكر في شعار. التربية الوطنية لا تحتاج إلى تنظيم خارجي، بل إلى وعي داخلي يُعيد الاعتبار للإنسان وكرامته.

المسلم الحق يُعرف بصدق إيمانه وعدله ورحمته: من يقيم الصلاة ويؤدي الأمانة، من يصدق في قوله ويعدل في حكمه، من لا يظلم ولا يخون ولا يتاجر بالدين.

إن أخطر ما يفعله التنظيم هو أنه صادر تعريف المسلم وكأنه وصي على العقيدة. لكن الحقيقة تبقى كما هي: المسلم من قال "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وعاشها عدلًا ورحمةً وسلوكًا، لا من انتمى إلى تنظيم بشري.

ختام الفرا