الأحد
2025/12/14
آخر تحديث
الأحد 14 دجمبر 2025

الدكتور محمدو ولد أحظانا يرد على المقال: "الأمير المجاهد الشهيد: سيد أحمد ولد أحمد عيدة – معلومات تاريخية حصرية عن رجل عظيم"

منذ 3 ساعة
الدكتور محمدو ولد أحظانا يرد على المقال:
الدكتور محمدو أحظانا الرئيس السابق لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين رئيس منتدى الحاصلين على جائزة شنقيط
طباعة

في الأسبوع الماضي نشرتُ مقالًا مطوّلًا عن أمير آدرار، سيد أحمد ولد أحمد عيدة، تحت عنوان: «الأمير المجاهد الشهيد: سيد أحمد ولد أحمد عيدة – معلومات تاريخية حصرية عن رجل عظيم». وقد تلقيتُ ردود فعل قيّمة من قرّاء كرام من داخل الوطن وخارجه، عكست اهتمامًا واسعًا بالمادة التاريخية المطروحة.
وكان من بين هذه الردود تعليق الدكتور محمدو احظانا، الذي استوقفني لما تضمّنه من ملاحظات علمية دقيقة ورؤية موضوعية جديرة بالتوقف عندها.
حيث يقول:
بحث مستفيض قيم أخي الباحث لمرابط ولد لخديم. بذلت جهدا بحثيا استقصائيا أتيت فيه بمعلومات دقيقة غير متداولة، وغير مدونة، وكانت شهادة الأميرة بنت سيد أحمد إضافة نوعية للمتداول من أخبار هذا الأمير المجاهد.
شكرا لك على هذا الجهد البحث العلمي الشامل. أود فقط أن أضيف ملاحظات موجزة لسيل المعلومات القيمة التي أتيت بها، وسأحاول أن أجيب على استشكالاتك الثلاثة التي شاركتها مع القارئ:
أولا: الأمير سيد أحمد كان من المبدعين في لغنَ.
ثانيا: كان متعلما مثقفا بثقافة عصره كما كان متميزا برجاحة عقل وشجاعة قل نظيرها، كما كانت مقاومته للفرنسيين مبدئية ولذلك كان إذا هادنهم لأسباب قاهرة عاد وقاومهم من جديد حتى استشهد. وقد حاول الفرنسيون أن يستميلوه بإغراءات كثيرة لكنهم لم يستطيعوا.
ثالثا: كان ممدّحا وقد مدح من جميع جهات البلد:
أولاد هدار في القبلة. ادريدلي ولد آوليل في الحوض؛ بوكو ولد محمد خوي في إينشيري؛ سدوم ولد آبه في آدرار.
يقول فيه ابوكو ولد محمد خوي عند عودته الثانية من اندر: لاج سيد أحمد لادرار*لمبارك شور حارك* ويل ماجاه ألا البار* منو هو لمبارك.
وقال في رثائه بعد استشهاده: كلبي لمّتن تلاهُ* كلت عربِ يشفِ لگلوب*والتال من لعرب راهُ* مردوم افوديان الخروب.
يقول الرواة إن دودو سك (ولد ابن المقداد) تأثر بنباهته وربطهما نوع من الصداقة الأدبية، ولما علم بما يدبر له الفرنسيون في المرة الثالثة أرسل إليه رسالة: طلعة من لبتيت: گول السيد أحمد كان ابعاد* عنو في البعد ألا ينزاد* او گولولُ يرْعَ من تفگاد* الوكر الفيه الكفر اجديد* او گولولُ عن العربْ زاد* إذا ارتفعت لم تعيد.
أما بالنسبة التي طرحتها فأرى من خلال القرائن ما يأتي:
أولا: كان للإمارات المغفرية عموما علاقات محددة بالشمال، وكان أمير آدرار بالذات، نوع من الحساسية تجاه الشمال، خاصة أن الفرنسيين بدأؤوا يتغلغلون في المغرب. وبدأت هيمنتهم تتزايد، فكان ثمة رؤية تجعله حذرا من هذه العلاقة، أما عدم مشاركته في انييملان فيعود إلى حساسية تنافسية بينه هو ومولاي إدريس مبعوث المملكة على أرض إمارته واستمالة أتباعه. لذا لم يقبل وهو الأمير أن يكون تابعا في تلك المعركة، فالنفور من المخزن كان خاصية في بعض أمراء المغافرة وإن تحسنت في بغض الفترات.
ثانيا: كانت مقاومة أهل الشيخ ماء العينين التي ألهمت ودعمت مقاومة موريتانيا لوحدة الوعي والمجال، والعلاقات الروحية، مؤثرة على سيد أحمد كثيرا، وفي هذه السنة بالذات 1910 كان اكتساح الشيخ محمد الهيبة ولد الشيخ ماء العينين لجنوب المغرب بعد وفاة والده، سببا لانشغال المقاومة في الشمال، لمقاومتها للفرنسيين، فكانت منطقة جذب عن آدرار، لذا اتجه الأمير شرقا بفعل صداقات وأسباب موضوعية تتعلق ببئة لاتزال مستعدة للمقاومة. وهي أكثر إمكانيات وكثافة بشرية وأقرب إلى الاستحكامات الفرنسية.
ثالثا: علاقة سيد أحمد ولد أحمد عيده بالرگيبات وصلت إلى درجة التحالف الوثيق قبيل دخول الاستعمار، نتيجة لظروف نزاعات بينية في حيز الإمارة التي كانت تشمل تيرس عموما وأجزاء من لحمادة.
ولم تقتصر علاقة الأمير بالرگيبات على محمد ولد الخليل الذي كان متصفا بالدهاء والمهارة في التخطيط الحربي والسياسي، وإنما ارتبط سيد أحمد بصداقة وتفاهم مع المجاهد اعلي ولد ميارة، الذي طلب من الأمير سيد أحمد أن يهاحر إليه لتأمين نفسه وتنسيق المقاومة، وكان متجها إليه في هجرته الأخيرة لتنسيق المقاومة، والرگيبات ينتظرونه بأحيائهم ليستقبلوه وهو يعلم ذلك.
لذلك فاتجاهه إليهم يدخل في إطار خطة عامة لتطوير عمليات الكر والفر. أما الشمال الغربي فلم يتجه إليه لأن مقاومة أهل الشيخ ماء العينين قد انتهت حينها، بعد تفاهم الفرنسيين والإسبان، بسيطرة الإسبان على الصحراء وسيطرة الفرنسيين على المغرب وموريتانيا بعد الجزائر. فكانت صحراء تيرس ومجاباتها وقوة تسليح الرگيبات بعد معركة لبيرات، هي الملجأ الوحيد والمؤمن لديمومة المقاومة.
تحياتي لك أخي الباحث لمرابط ولد لخديم.
الدكتور محمدو أحظانا الرئيس السابق لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين رئيس منتدى الحاصلين على جائزة شنقيط.
الأمير المجاهد الشهيد: سيد أحمد ولد أحمد عيدة. معلومات تاريخية حصرية عن رجل عظيم.
تحتلّ إمارة آدرار موقعًا محوريًا في التاريخ السياسي والعسكري والاجتماعي لموريتانيا، غير أنّ التوثيق المتعلق بها ظلّ محدودًا، وظلّ – في معظمه – خاضعًا للسردية الاستعمارية الفرنسية التي ركّزت على الجوانب العسكرية والإدارية، وأهملت عناصر محورية في التجربة المحلية، مثل البنية الاجتماعية، وشبكات التعليم التقليدي، والطرق الصوفية، وحركات المقاومة الشعبية ومسارات القوافل، والتراث العلمي والمخطوطات.
ولذا اعتمدتُ – كما في بحوثي السابقة – منهجًا يقوم على المثابرة، والقراءة النقدية للمصادر المتاحة، على قلّتها وتشتتها.
غير أنّ تطوّر الأدوات المنهجية والبحثية، إلى جانب المسافة الزمنية التي تسمح برؤية أوضح، يفتحان اليوم أفقًا أرحب لإعادة قراءة هذا الحدث قراءةً أعمق، تُنصِف السياق المحلي وتستكشف ما تجاهلته الوثائق الاستعمارية من زوايا اجتماعية وثقافية وسياسية شكّلت جزءًا أصيلًا من المشهد التاريخي آنذاك. كما لاتزال الإضافة إليها مفتوحة لغياب سردية مقابلة للسردية الاستعمارية الأكثر شيوعا.
مولد ونشأة الأمير سيد أحمد؛
في مجتمع لا يهتم كثيرًا بالتوثيق المكتوب ويعتمد غالبًا على الرواية الشفوية، يصعب تحديد الوقائع والأحداث بدقة، ويظلّ الاستعمار في كثير من الأحيان مصدرًا للتواريخ. ومع ذلك، تكاد المصادر تتفق على حادثة سقوط الدار على والد الأمير: أحمد بن سيد أحمد عيدة سنة 1317هـ / 1899م، وهي واقعة مشهورة شكّلت نقطة مفصلية في تأريخ حياة الأمير الطفل.
وبالاستناد إلى هذه الحادثة، كان عمر الأمير حينها تسع سنوات، مما يحدد ميلاده في 1306هـ / 1889م.
تربّى الأمير الشاب في كنف الشيخ ماء العينين بعد انتقاله إليه للتعلم، ونهل من أدبيات الجهاد و تشبع بروح المقاومة.
تولي الإمارة
في سنة 1904م قدمت جماعة من أولاد غيلان إلى الشيخ ماء العينين تطلب منه الإذن للأمير الفتى سيد أحمد للذهاب معهم، و بنصيحة الشيخ المجاهد الشيخ ماء العينين، تم تنصيب الطفل سيد أحمد أميرًا على آدرار، وهو يومئذن في الخامسة عشر من عمره. لقد تميزت هذه الفترة بالفوضى واضطراب الأوضاع داخل الإمارة وفي محيطها ولكن الأمير الشاب استطاع بذكائه الفطري أن يعقد تحالفات قوية داخل أطراف إمارته، وأن يعيد شيئًا من الانسجام الداخلي، فارتفع شأنه وأحبه أهل آدرار جميعا.
أمير الجهاد… صولات وجولات
دشن الأمير سيد أحمد مساره الجهادي بالهجوم على قلعة تجكجة وحصارها المحكم (18 يونيو 1905م)
عندما وصل خبر مقتل كبلاني عل.ى يد إلى الأمير سيد أحمد، بادر بتنظيم هجوم على قلعة تجكجة، شارك فيه قادة بارزون من آدرار: الشرفة اولاد غيلان اديشلي وأولاد بسبع.
كان هذا الهجوم أول ضربة موجعة تتلقاها فرنسا بعد مقتل كبلاني.
1906 — “غزي لركاب” وبيعة السلطان
بدعوة من السلطان مولاي عبد العزيز، استدعى الشيخ ماء العينين أعيان البيظان، وكان سيد أحمد على رأس ممثلي آدرار.
ابتعث السلطان المغربي مولاي إدريس إلى آدرار لتنسيق المقاومة. مكث مبعوث السلطان شهرين ضيفًا عند الأمير بين أطار ومنطقة الزرقة.
لكن الأمير سيد أحمد اكتشف أن مولاي إدريس يسعى سرًا لاستصدار بيعة بعض قبائل آدرار للسلطان المغربي، فرفض ذلك رفضًا قاطعًا، وألزمه بالخروج إمّا:
للعودة، أو لقتال النصارى.
ذهب مولاي إدريس إلى تكانت وعسكر في “العين الخظرة”، بينما قاطعته قبائل أحيي بن عثمان، ولم يشارك الأمير سيد أحمد في معركة النيملان، مما يدل على استقلالية قراره.
وقد وثّقت هذه الوقائع في تقرير للحكومة الفرنسية عن الوضعية العامة لموريتانيا سنة 1906 وهو ما يعزز قيمة هذا الحدث من الناحية التاريخية وقد كانت مشاركة الأمير في الكفاح ضد المستعمر مشهورة في عدة مواقع
كان اولها الهجوم على تجكجة عقب مقتل كبلاني.
ثم الهجوم على حامية اكجوجت بيغرف التي قتل قائدها النقيب ربو ومعركة ازويكة ضد افريرجاه ثم اماطيل وحمدون ومعركة مقطير ثم معركة اكصير الطرشان التي قتل فيها الملازم فيولي . ثم معركة اغسرمت بانشري التي قتل فيها النقيب بابلون صيف 1909 .
بعد الخسائر التي ألحقتها هجمات الأمير بالمحتل، شنّت فرنسا حملات مضادة سنة 1909–1910 مستهدفة المناطق الشمالية لآدرار، وهي المناطق التي كانت مركز انطلاق هجمات الأمير، مما ضيّق الخناق على المقاومة ودفع الأمير نحو الحوض لافتتاح مرحلة جديدة.
مرحلة الحوض… “حرب العصابات الخاطفة” (1910 فصاعدًا)
اعتمد الأمير على أسلوب الغارات السريعة التي تستهدف حاميات العدو وطرق تموينه في مالي وتكانت وشرق موريتانيا.
وبسقوط آدرار سنة 1910، انتقلت جماعة الأمير إلى الحوض. كلّف الأمير رجلًين من اهل ادرار كانوا قد استوطنوا الحوض سابقا هما احمد ولد هيبة العمني و أحمد فال ولد أبيطات باستدعاء جميع مهاجري آدرار خاصة المقاومين
الذين كانوا قد سبقوه إلى الحوض انطلاقا من ظهر ادرار بقيادة محمد محمود ولد أحجور والشريف محمد محمود الملقب النني ولد زيدان الشقيق الاصغر للمجاهد يب ولد زيدان ولد مولاي الزين وابن اخ الشهيد سيد ولد مولاي الزين.
وقد كان هؤلاء قد خاضوا معركة اجوالي تيربان قرب أوجفت ضد مفرزة فرنسية سنة 1909 قبل اختيارهم التوجه شرقًا إلى الحوض والذي كان بناء على اقتراح و معرفة مسبقة من الشريف النني بالحوض حيث تربى في صغرة مع خاله الامير محمد محمود ولد امحيميد.
عند التحاق الامير سيد أحمد بالجماعة التي سبقته للحوض اسس جيشًا كبيرًا توسعت عملياته لتشمل:
الحوضين وأزواد بمالي ( انيور و الأرنب، و“قبة رأس الماء” وتمبكتو وغاو)
وانضم إليه الزعيم البربوشي خليفة ولد سيد أمحمد ولد أمهمد الذي همّشته فرنسا واختارت مكانه ابن عم له كزعيم لقبيلته البرابيش.
ومع التقاء المجموعتين اللتان لازالتا تمثلان البقية من جبهة مقاومة اهل ادرار تم الاتفاق على تقسيم الأدوار والمحاور إلى جبهتين
فرقة تنشط في الحوض الغربي ولعصابة بقيادة محمد محمود ولد أحجور. وفرقة تنشط في الحوض الشرقي وازواد بقيادة الامير سيد أحمد ولد أحمد عيدة.
معركة اجحافية (12 مايو 1911 ) — “يوم جمالة كيفة”
دارت في جبال أفله بولاية لعصابة، وقادها محمد محمود ولد سيد لكحل ولد أحجور والشريف النني ولد زيدان.
أُبيدت فيها كتيبة جمالة كيفة بالكامل.
شارك فيها أكثر من 20 رجلًا من أهل آدرار، أغلبهم من: أهل أحجور و أهل التناكي
ومنهم:
عالي ولد أوحيدة – محمد ولد الخيطار – محمد الأمين ولد اعليّة – محمد ولد أبكّه – المختار ولد أبيّاه … وغيرهم.
وفي الوقت نفسه، كان الأمير سيد أحمد يغير على كتيبة جمالة تمبكتو ، وغنموا قافلة ملح تضم 1000 جمل كانت متوجهة لتموين المستعمر في مالي.
وقد تخللت هذه الفترة معارك ومناوشات وغارات استهدفت القوات الفرنسية بجميع عموما السودان الغربي او مالي حاليا.
تضييق الخناق الفرنسي
بعد الهزائم الكبيرة التي تلقّتها فرنسا في الحوض وأزواد، صدرت الأوامر من باريس بضرورة القضاء على المقاومة القادمة من ادرار في تلك المناطق، فتوجه العقيد موري إلى ولاته، وبدأت فرنسا بالاعتماد على تحالفات محلية لمحاصرة المقاومين.
اضطرت قوات الأمير للتحرك نحو ولاتة بعد اشتداد الضغط دون أن تتوقف هجماتهم على تموين المستعمر.
وصول الأمير إلى ولاتة وحادثة الفنان
عند وصول الأمير سيدي أحمد ولد أحمد عيده وجماعته إلى مدينة ولاتة، استقبلهم السكان أحسن استقبال، وأغدقوا عليهم الأموال والمواشي دعماً لمقاومتهم. وفي إحدى المناسبات، حضر فنان ليشكر الأمير، فما كان من الأمير إلا أن أعطاه جملاً نفيساً يعدّ من أفضل جمال الحوض كله.
استغرب أحد الحاضرين هذا الكرم المبالغ فيه – في نظره – وسأل الأمير:
"لِمَ تُعطيه أفضل الهجن، وأمامك ما قدّمه السكان من الهدايا؟"
فأجابه الأمير بجواب يجسد ورعه وعدله:
"هذه الأموال التي يقدمها الناس قد لا تكون عن طيب خاطر، وقد يظنون أننا من أولئك الذين يأخذون أموال الناس بغير رضاهم. أمّا الجمل، فقد أهداه لي ابن عمي، أحمد ولد هيبة وهو ما أملك بحقّ، فأحببت أن أعطيه للفنان."
معركة ولاتة (مفلك لحمار)
وقعت معركة ولاتة ،
المعروفة محلياً بـ " يوم مفلك لحمار"، عندما تقدمت كتيبة فرنسية قادمة من مالي بقيادة العقيد موري. ولم تكن القوة متوازنة، ما دفع المقاومين للانسحاب نحو تشيت.
لكن تشيت كانت نفسها كميناً محكماً، حيث اجتمعت فيها قوات المستعمر بقيادة العقيد باتي وهي عبار ة عن جميع القوات الفرنسية القادمة من:
تكانت، لعصابة، اترارزة، لبراكنة،
هذا إضافة لتلك القوات الكبيرة القادمة من مالي، سابقاً...
معركة تيشيت – 21 يناير 1912
عندما بلغ المقاومون مدينة تشيت، أدرك الأمير سيدي أحمد أنهم في مرمى العدو، وكان بإمكانهم إصابة جزء كبير منه، لكنه آثر الانسحاب حفاظاً على تشيت وأهلها، وهو قرار بطولي لكنه جعله مكشوفاً لقوات المستعمر.
الشهداء والجرحى
استشهد في تلك الوقائع عدد من أبرز المقاومين، منهم:
أحمد ولد ابراهيم ولد مكيه سيدي محمد ولد فيدار إبراهيم ولد اخنافر السيد ولد الغيلاني محمد ولد أعمر من أولاد غيلان ومن أهل التناكي: محمد الأمين ولد سيد ولد اباه ومن أولاد ساسي: اعمر ولد سيد ولد اعمر
ومن أولاد بلحية: الحنفي ولد أحمد مسكة
وجُرح الأمير سيدي أحمد في قدمه.
وبعد أن تركه رفاقه مضطرين، أخذه الكوميات للتنكيل به، لكن أحدهم – واسمه سيد أحمد ولد كنكوا – تعرف عليه، فأبلغ القائد بأن الجريح هو الأمير نفسه.
فأمر الضابط بحمله ومعالجة جرحه، ثم تم نقله إلى سان لويس (اندر) على متن عربات تجرها الخيول عرفت انذاك بالجرارات(*).
وبعد المعركة، انقسمت جماعة الأمير الى فرقتين:
فرقة اتجهت جنوبا والتحقوا بجماعة ولد احجور، وكان معظمهم من أولاد غيلان:
اعلي ولد أجود – بوبة ولد السلاوي – سيد ولد أمد – محمد ولد بكزان – سيد ولد حاميدة وأخوه سيد أحمد ولد حاميدة إضافة إلى محمد محمود ولد بيدله وهو من لعويسيات.
فيما اتجهت عناصر أخرى شمالاً لتلتحق بجبهة اركيبات.
أما جماعة ولد احجور فاستمرت في نشاطها في الحوض و أزواد حتى توقيع الصلح مع الفرنسيين بوساطة من عثمان ولد سيد ولد عثمان في النعمة سنة 1916، ذلك الاتفاق الذي رفضه قائد المجموعة محمد محمود ولد احجور والذي قرر الذهاب مهاجرا في سبيل الله إلى الديار المقدسة بعد أن اقسم في مقولته الشهيرة بأن لايكاتب النصارى حتى تقولها له بندقيته بلسان فصيح لكن الشهادة كانت قد كتبت له إذ استشهد بعد أن شارك مع الجزائريين في إحدى المعارك ضد المستعمر في صحراء الجزائر وهو في طريقه الى الحج.
وقد تم بمقتضى اتفاق هذه المجموعة مع الفرنسيين ان يتم اقتطاع أرض كبيرة لهم في شمال تكانت، فيما عرف لاحقاً بـ كتاب أهل آدرار بتكانت او(كتاب عثمان الذي اختارته المجموعة زعيما لها).
سرقة مكتبة تشيت
قام المستعمر بعد دخوله تشيت بالاستيلاء على مكتبتها ومسجدها الجامع، وسرقوا 50 كيساً كبيراً من المخطوطات، وهي حمولة 20 بعيراً، وأرسلوها إلى سان لويس.
ويظل السؤال قائماً اليوم:
هل ستطالب الدولة الموريتانية باسترجاع هذا الإرث العلمي الفريد؟
عودة الأمير إلى الإمارة
بعد أَسْرِ الأمير، نُقِل أولًا إلى تجكجة، ثم إلى المجرية، قبل أن يُرحَّل لاحقًا إلى مدينة سينلوي.
وفي سنة 1913 أُطلق سراحه إثر مفاوضات معقدة قادها الرقيبات مع الحاكم الفرنسي في سينلوي، بوساطة من باب ولد الشيخ سيدي الذي كانت تربطه في السابق صلاة روحية قوية مع ارقيبات خاصة مع زعيمهم محمد ولد الخليل والذي سبق له عدم المشاركة في معارك السيطرة على ادرار ضد الفرنسيين 1908 وذلك بناء على رغبة من باب ولد الشيخ سيدي. وقد اورد تلك التفاصيل بول مارتي في كتابه "قبائل موريتانيا العليا "
وخلال لقاءهم مع الحاكم الفرنسي بسنلوي اشترط الرقيبات – قبل أي صلح مع المستعمر – إطلاق سراح الأمير وإعادته إلى إمارة آدرار، وهو ما تم لهم بالفعل.
غير أن الأمير، عند إطلاق سراحه، وضع شرطًا اضافيا نصَّ فيه على تمكين بلاد البيظان من حكم أنفسهم بشرع الله. فاستجاب الفرنسيون عبر مذكرة رسمية صادرة عن حاكم سينلوي، تقضي بإنشاء محاكم إسلامية في عموم البلاد، بل وتعميمها حتى على مناطق أخرى في الضفة كشمال مالي. وتم تعيين قضاة في عدة مناطق، منهم:
ولد حبت في شنقيط، وولد برو في آطار، وآخرون في تجكجة وبوتلميت. كما مُنح الأمير صلاحيات واسعة، ورُصدت له ميزانية تصل إلى عشرة أطنان من التمر، مع منحه حق اكتتاب رجال الأمن.
الأمير الأديب:
كان شاعرا باللهجة الحسانية جميل الشعر جيد السبك وعندما جرح في المعركة وتم نقله إلى مستشفى سان لوي ” اندر ” لَبِّطانْ ” كان يأكل وحده وهو الأمير الذي لم يتعود أن يأكل وحده فقال:
مـارتْ عنْـدِ :: عنِّي مگْبـوظْ
نوْكَـلْ وَحْـدِ :: كيفْ أَمَگروظْ
وعند عبوره رفقة الترجمان الأديب محمدن ولد ابن المقداد قنطرة ” صالة ” أهل محمد لحبيب من ” اندر لبيظ” متجهين إلى ” آگْمَيْنِي ” يرى الأمير واحة نخل في أحد روافد النهر فيظنها واديا فتشوقه وتذكره أودية آدرار و الأهل فينشئ :
اتشايير انخل هذا الواد ..
فيقول له ولد ابن المقداد: سيد أحمد "هذِ دخله ماهُ واد"
فيقول الأمير بديهة :
اتشايير انخل هذا الواد = وللَّ زاد الدخلَه لعادْ
ماهُ واد إزيدْ التفكاد= يسوَ گد إلِّ خالگ فيه
ء ا و هذِ لرياح الِّ تتراد = زاد اعليه من إلِّ ايغليه=
غيراصّ فم ابلد معهود =ماهُ ذ لبلد عالم بيه=
إيلَ ما كرّه فيه ايعود = ماهُ لاهِ بعد إغليه.
وفي طريق عودة سيد أحمد إلى آدرار يقول الأمير عندما مر على موقع (ايدماتن)
حامد لله الّي أبعاد = أندر أو زين أديارُ
وأفرق لمحار أوعاد زادْ = يورَ مَنْبَ بحجار.
تدبير الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيده و محمد ولد الخليل لتزويد المقاومة بالسلاح
في سنة 1918 اتهم الفرنسيون الأمير سيد أحمد بإقامة صلات سرية مع المقاومة في الشمال، بعد هجوم الرقيبات على مواقعهم في مناطق متعددة. وكان الفرنسيون – وفق اتفاق الصلح – يزوّدون الأمير سيد أحمد وشيخ الرقيبات محمد ولد الخليل بالأسلحة، على أن يُبرِم الرقيبات الصلح بعد عودة الأمير. غير أنهما كانا يجمعان تلك الأسلحة ويوصلانها إلى المقاومة في الشمال.
وقد اكتشف الفرنسيون ذلك في معركة حفرة وادان حين وجدوا عددًا من أسلحتهم بيد الشهداء من الرقيبات، ففهموا أن ما يجري ليس إلا خطة محكمة نسج خيوطها الأمير وولد الخليل لخداع المستعمر وتزويد المقاومة.
ورداً على ذلك، استُدعي الأمير مرة أخرى إلى اندر، حيث فرض عليه المستعمر إقامة جبرية استمرت سنتين كاملتين.
اغتيال محمد ولد الخليل… سقوط رفيق الجهاد
في شهر سبتمبر سنة 1925 أدرك الفرنسيون أن محمد ولد الخليل خدعهم مدة طويلة، وأنه لا ينوي الصلح مطلقًا. فدبّروا له مكيدة محكمة، إذ قدموا إليه دراعة مسمَّمة. وما إن لبسها حتى فعل فيه للسم فعله فتورّم جسمه، و نُقل على عجل إلى مستشفى اندر، لكنه استشهد في الطريق قرب بنشاب.
ويروي شاهد عيان أن أحد الضباط الفرنسيين الذين دبروا العملية ألقى نظرة على ساعته وقال ببرود:
«محمد ولد الخليل يموت الآن، لأننا نعلم أن مفعول السم بدأ، ولن يتجاوز 48 ساعة حيا.»
وبذلك فقد الأمير رفيق دربه وذراعه القوي في مواجهة المستعمر.
عودة الأمير الثانية (1920 – 1932): فصل الختام في مسيرة المجد والمقاومة
بعد إطلاق سراح الأمير سيدي أحمد ولد أحمد عيده سنة 1913 وعودته إلى آدرار سنة 1920، وجد أن الأوضاع قد تغيّرت جذرياً؛ فالصلاحيات التي كان يتمتع بها سابقاً قد انتُزعت منه، وظهرت شخصيات جديدة استمالها الفرنسيون، فلم يجد بداً من الهجرة استئناف المقاومة دفاعاً عن الكرامة والعهد.
ومع مطلع 1932 ابتعد الأمير بحِلّته نحو سهول مقطير متجهاً شمالاً إلى تجمع للمقاومة فيما عُرف لاحقاً بـ الهجرة. فقررت الإدارة الاستعمارية إرغامه على العودة، وأرسلت في 7 مارس 1932 فرقة يقودها الملازم أول موسات. وحين وصل إلى الحلة أبلغ الأمير بأن حاكم دائرة آدرار ي طلب حضوره «فوراً لأمر مهم».
لكن الأمير فهم الرسالة وقلب الطاولة…
ففي تلك الليلة نجح في استمالة الرقيب أول الشيخ الكوري ولد المشظوفي إلى صفوفه، وتمكّن من التخلص من الضابط الفرنسي كما خطّط
عملية قتل الملازم موسات.
في 14 مارس 1932 وضع الأمير وخاصته خطة دقيقة لقتل الضابط. فجلس محمد بن أخطور العمني قرب الملازم ينظف سلاحه، وفي لحظة محسوبة صاح حمدي بن الأگرع مخاطباً الأمير:
«أيها الأمير، أرسل أحداً يحضر لنا كبشاً نذبحه».
فأجابه الأمير: «لقد آن الأوان».
كانت هذه هي كلمة السر فأطلق ابن أخطور النار على الملازم موسات وأصابه، وانقض عليه الأمير فأنهى حياته. من ثم تابعت الحلة ارتحالها شمالاً نحو المجهول… نحو القدر.
النذير: «ارحل قبل أن يدركوك»
يروي أن السالك ولد افريط وهو أحد رجالات الرقيبات بينما كان يسوق بعض إبله تصادف مع وجود حلة الأمير في المكان الذي وقعت في المعركة فقام بنحر جملاً من إبله إكرام للامير ومن معه وحين أخبره الأمير بما جرى مع الضباط الفرنسيين، قال للأمير محذراً:
«لا أرى أنهم سيتركونك… عليك بالرحيل حالاً».
استعد الأمير للرحيل، لكن والدته عيشة بنت أعلي بن أحمد (اللَّبيّة) كانت تغطّ في نوم عميق، فتراجع احتراماً لها، وكأن القدر كان يمسك بزمام اللحظات الأخيرة من حياته.
معركة القَلب الأخضر – البطولة والشهادة والمجد
في فجر 19 مارس 1932 كان الفرنسيون قد جهزوا القوات طابورا بقيادة النقيب لكوك، ولحقت بالأمير صباحارعند القَلب الأخضر قرب وديان الخروب. وهناك وقعت معركة غير متكافئة استعمل فيها الفرنسيون أسلحة رشاشة لم تكن متاحة للمقاومة، لكن الأمير قاتل ببسالة حتى استشهد مقبلاً غير مدبر ، هو ومجموعة من رفاقه وهم:
سيدي أحمد بن الشيخ ولد عثمان؛ حمدي ولد لكرع؛ محمد البشير ولد اعل فال، بوبالي بن أحمد لعبيد، محمد بن الزيعر، فره بن أحمد لعبيد (أعبيد أهل عثمان)، الشيخ بن أحبيب لبحيحي أولاد غيلان.
أما الجرحى فكانوا:
محمد أحمد ولد أخطور، المختار ولد لقرع، الشيخ الكوري ولد المشظوفي، وأخوه محمد سالم (أولاد عمني).
موقف أمٍّ تساوي جيشاً
ارتكب الضابط لكوك فعلاً شنيعاً لم يُعرف في موريتانيا من قبل؛ إذ أمر بقطع رأس الأمير وحمله إلى والدته. فلما عرض عليها الرأس قال لها الضابط:
«هل تعرفين هذا؟»
فأجابته بثبات يليق بأمّ الشهيد:
«نعم… أعرفه بكل فخر.
هو الشهم الذي أباد جنودكم، وأذاقكم طعم الهزائم في الحوض و تجكجة وإينشيري وآدرار.
واليوم قتلتموه وهو شهيد مقبل غير مدبر…
لم يفرّ قطّ في معركة بالشهادة ، وها هو قد فاز بما طلبه من أول يوم، و الحمد لله على ذلك».
تغيّر وجه الضابط وقال مدهوشاً:
«ما أصلب عود هذه المرأة… إنها لم تُهزم ولم تذعن حتى ورأس ابنها بين يديها».
استعادة الرأس والقصاص من الجلّاد
كان الجندي السينيغالي صمب يرقص برأس الأمير ويقوم بطقوسه الشريرة حوله. فرأى رجال من أهل آدرار ضمن المفرزة الفرنسية المشهد البشع، فصبروا حتى جنّ الليل، وانقضوا على صمب وقتلوه قتلوه واستعادوا رأس الأمير وانطلقوا به شمالا، ودفنوه في موضع مجهول من تيرس، ليحفظوا كرامة الأمير ويثأروا من من مثل به.
أما لكوك، فشعر بأن من حوله لم يعودوا مأمونين، فأمر بالانسحاب فوراً نحو أطار دون توقف.
استخلاص.
من تيرس إلى دمشق: غرور القوة يفضحه التاريخ
وقف الجنرال الفرنسي گورو في دمشق فوق قبر صلاح الدين الأيوبي وداسه بحذائه قائلاً:
«هانحن عدنا يا صلاح».
وبنفس الروح المتكبرة المتوحشة قطع رأس الأمير في آدرار.
لكن التاريخ ردّ على كورو و لكوك بما ردّت والدة الأمير على لكوك، السيدة البطلة عيشة بنت اعلي ولد أحمد اللبية…
لتبقى الوقائع شاهدة على أن:
صلاح الدين مرغ أنوف الصليبيين، ومقاومة سوريا مرغت أنف الجنرال گورو، كما مرغ الأمير سيدي أحمد ولد أحمد عيده مرغ أنوف الفرنسيين في موريتانيا ومرغته المقاومة من بعده.
كلاهما واجه إمبراطوريات طاغية، وقاتل حتى الرمق الأخير.
رحم الله الأمير المجاهد، والأديب، والفارس سيدي أحمد ولد أحمد عيده.
ورحم كل المقاومين الذين سطّروا بدمائهم صفحات الشرف، وتركوا لنا تاريخاً لا يُقدّر بثمن.
خاتمة (للنشر والتوثيق)
يمثّل الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيدة أحد أبرز قادة المقاومة في موريتانيا مطلع القرن العشرين، وقد تميّز باستقلالية قراره السياسي، ورفضه الحازم لأيّ شكل من أشكال التبعية أو التدخّل، إضافة إلى قدرته على توحيد القبائل وقيادة حرب عصابات فعالة ومتقدّمة ضد الوجود الفرنسي في آدرار وتكانت والحوض وأزواد.
لقدقدّمت هذه المعلومات الحصرية برواية متكاملة تُسهم في سدّ فجوة التوثيق حول سيرة ومسيرة الأمير المحاهد، الشهيد سيد أحمد ولد أحمد عيده، لنعيد الاعتبار لدور المحوري في تشكيل الوعي الوطني المقاوم، بوصفه رمزًا من رموز الصمود والدفاع عن الكرامة والسيادة.
وقبل أن أختم سيرة هذا البطل الشهيد فخر هذه البلاد أود أن أشارك من قرأ هذه السطور لعلي اتلمس الجواب على ثلاثة أسئلة استوقفتني في سيرة حياة هذا الأمير:
اولها: طبيعة التنظيم المستقل الذي كان يحكم هذه البلاد والذي جعل الأمير سيد أحمد يرفض المشاركة مع ابن عم السلطان في معركة النيملان.!!
وثانيهما: لماذا توجه الأمير سيد أحمد إلى الشرق عندما اشتد عليه الضغط سنة 1910 ولم يتوجه شمالا وهو الأقرب والأكثر إمكانيات انذاك.؟!
وثالثهما: ماطبيعة العلاقة التي كانت تربط الأمير بالرقيبات والتي جعلته يواصل السير إليهم؟! بدل التوجه إلى الشمال الغربي حيث كانت النجاة أقرب، وحيث إسبانيا و العمق المغربي!!
المصادر :
 مقابلة مفصلة مع لالة بنت الأمير سيد احمد ولد احمد عيدة، وهي شاهدة عيان دقيقة الرواية.
 منشورات الدكتور سيدي أحمد ولد الأمير (باحث موريتاني بمركز الجزيرة للدراسات بالدوحة),
 موقع صحراء نيوز (بالتصرف).
 (*).عربات تجرها الخيل كان يستعملها المستعمر تسمى الجرارات.