السبت
2025/12/13
آخر تحديث
السبت 13 دجمبر 2025

ملاحظات على مشروع مدونة الاخلاق المهنية المعد من طرف وزارة العدل

منذ 31 دقيقة
ملاحظات على مشروع مدونة الاخلاق المهنية المعد من طرف (…)
من صفحة المحامي محمد المامي مولاي أعلي
طباعة

اطلعت مؤخرا على مشروع مدونة للاخلاق المهنية للمحامي، قيل ان وزارة العدل اعدتها ونظمت حولها ورشة للمصادقة، وقد تبين لي من خلال الاطلاع على هذا المشروع انه ينطوي على خطر حقيقي وجسيم على استقلالية مهنة المحاماة، وعلى المكاسب والضمانات التي كرسها قانونها المنظم الصادر سنة 2020.
ولذلك ارتأيت ان اقدم حوله الملاحظات التالية على سبيل الايجاز:
1- يسلب هذا المشروع المعد من طرف وزارة العدل صلاحيات مجلس الهيئة الوطنية للمحامين المختص حصرا باعداد منظومة اخلاقيات المهنة، كما يسلب صلاحيات الجمعية العمومية للمحامين المختصة بالمصادقة عليها، وذلك خلافا لاحكام المادة 84 من قانون المحاماة، التي تنص على انه:
"يقرر مجلس الهيئة ترتيبات النظام الداخلي للهيئة الوطنية للمحامين وفق احكام هذا القانون، ويضمنه منظومة لاخلاقيات المهنة، ويقدمه للجمعية العمومية في دورتها العادية او في دورة طارئة من اجل المصادقة عليه".
2- لا توجد اي حاجة تنظيمية او قانونية لاعداد نص جديد لمنظومة اخلاقيات مهنة المحاماة، في ظل وجود منظومة اخلاقيات المهنة المصادق عليها من طرف الجمعية العمومية للمحامين بتاريخ 12 مايو 2022، خاصة وان هذا المشروع لم يات بجديد يذكر، باستثناء بعض المقتضيات المخالفة للقانون او الماسة بمكاسب الهيئة والمحامين، اما باقي مواده فقد جاءت مكررة تقريبا لنفس المضامين الواردة في منظومة اخلاقيات المهنة النافذة.
ومن ذلك ان المواد: 6، 7، 8، 9، 10، 12، 13، 15، 16، 18، 19، 20، 21، 22، 24، 28، 29، 30، 31، 36، 37، 38، 34، 35، 39، 47، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 49، 50، 51، 5 من مشروع المدونة، تقابلها حسب الترتيب تقريبا المواد التالية من منظومة اخلاقيات المهنة النافذة: 6، 7، 8، 9، 1، 3، 29، 51، 2، 54، 5، 33، 34، 28، 41، 53، 28، 8، 9، 11، 34، 38، 12، 13، 14، 15، 2، 27، 30، 38، 39، 32، 55، 76، 77، 24، 47.
3- خالفت المادة 2 من مشروع المدونة احكام المادة 21 من قانون المحاماة المتعلقة بالمحامين المقبولين امام محاكم الاستئناف، كما سلبت الصلاحيات المقررة بالمادة 32 من نفس القانون، وخاصة ما يتعلق بالتمثيل امام المجلس الدستوري ولجنة تسوية النزاعات لدى سلطة تنظيم الصفقات العمومية، والمؤازرة امام الضبطية القضائية، والتمثيل امام مفتشيات الشغل.
كما الزمت المادتان 5 و6 المحامي بعبارات فضفاضة وغير منضبطة، من قبيل ممارسة المحاماة بادب والابتعاد عن المساومة، وهي عبارات قابلة للتاويل المفرط والمساس بحرية الدفاع.
4- الزمت المادتان 8 و9 المحامي بالامتناع المطلق عن نقل اي معلومات او وثائق او اوراق تتعلق بقضية قيد التحقيق الابتدائي او الاعدادي، وهو ما يشكل انتهاكا صريحا لاحكام المادة 11 من قانون الاجراءات الجنائية، التي استثنت صراحة الحالات التي يؤدي فيها التمسك بسرية التحقيق الى المساس بحقوق الدفاع.
5- سلبت المادة 14 من مشروع المدونة بعض الصلاحيات المقررة للمحامي بموجب المادة 31 من قانون المحاماة، حين منعت عليه التوقيع على اي ابراء ذمة او كفالة او التزام متعلق بخصم اوراق تجارية، او تمثيل احد في دين مدني او تجاري، رغم ان هذه الاعمال تدخل في صميم مهام المحامي المقررة قانونا.
6- انتهكت المادة 18 من مشروع المدونة احكام المادة 7 من التنظيم القضائي المكرسة لحرية الدفاع، حين الزمت المحامي بان يعالج المواضيع بشكل مباشر، وان يمتنع عن تضليل المحكمة او المساس بهيبة القضاة، وان يتجنب تقديم الطلبات او المرافعات التي من شانها تعطيل سير العدالة.
ومعلوم ان هذه العبارات الفضفاضة وغير محددة المعنى تمثل مساسا جوهريا بحرية الدفاع، اذ يمكن اعتبار اي نقد للعمل القضائي مساسا بهيبة القضاة، واي دفاع لم تستجب له المحكمة تضليلا للعدالة، وكل الطعون والدفوع القانونية تعطيلا لسير العدالة.
7- حظرت المادة 19 على المحامي مناقشة القاضي في اي قضية منظورة امامه الا في حالات الضرورة القصوى، وهو ما يؤدي عمليا الى تعطيل الدور الجوهري للمحامي في الدفاع والمناقشة القانونية، ويمس بحقوق الدفاع مساسا مباشرا.
8- نصت المادة 29 من مشروع المدونة على استحقاق المحامي لالاتعاب وفق ما تم انجازه فقط في حالة سحب الموكل للقضية منه، وهو ما يخالف صراحة احكام المادة 44 من قانون المحاماة، التي تنص على ان المحامي يستحق الاتعاب المتفق عليها بمجرد تعهده، حتى ولو تم عزله قبل الفصل في الخصومة، او انتهى النزاع بصلح او تنازل او بحكم او قرار قضائي، ما لم يكن هو من بادر بالتخلي عن القضية.
9- قيدت المادة 49 من مشروع المدونة حق المواطن في التقاضي قيدا غير دستوري، من خلال فرض ابلاغ النقيب والحصول على تفويض خاص في الدعاوى المرفوعة ضد القضاة والموظفين العموميين ومساعدي القضاء، وذلك خلافا لاحكام المادة 55 من قانون المحاماة، التي نصت على ان شرط الاذن يقتصر على الحالات التي يكون فيها النزاع بين محاميين او بين محام وقاض.
وقد جاءت المادة 32 من النظام الداخلي النافذ لتفسر هذا الحكم بوضوح، مؤكدة ان هذا القيد لا يشمل تعهد المحامي لشخص ما في قضية ضد محام او قاض، باعتبار ذلك حقا دستوريا لا يجوز تقييده، وانما ينصرف فقط الى الدعاوى التي يرفعها المحامي باسمه الشخصي، وذلك تمكينا للنقيب من محاولة الصلح حفاظا على العلاقات المهنية بين الزملاء.
10- اسندت المادة 52 من مشروع المدونة مهمة تنفيذ هذا النص الى وزارة العدل والهيئة الوطنية للمحامين، التي سميت فيه بالنقابة، وهو ما يشكل مساسا خطيرا باستقلالية المهنة، ويخالف ما كرسه قانون المحاماة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، بعد نضال طويل خاضته اجيال من المحامين من اجل تكريس استقلال مهنتهم عن السلطة التنفيذية.

من صفحة المحامي محمد المامي مولاي أعلي