الثلاثاء
2025/04/22
آخر تحديث
الثلاثاء 22 أبريل 2025

سلسلة يكتبها محمد محمود ولد بكار: ملفات حرجة على طاولة غزواني.. ورقات على جانب الحوار!(الحلقة الأخيرة حول الحوار)

8 أبريل 2025 الساعة 18 و57 دقيقة
سلسلة يكتبها محمد محمود ولد بكار: ملفات حرجة على طاولة (…)
طباعة

لا يمكنني إغفال المسوغات والمحصلة التي جاءت في بيان الوزير أحمد ولد سيدي بابه خاصة القول إنه من الأفضل إبعاد الرئيس عن مغبة الحوار ليحافظ على مرجعيته العامة لجميع المتحاورين. إنه يدعم ذلك باقتراح حصيف وهو إشراف الوزير الأول على الحوار، فالوزير الأول ليس مطبوعا بأي لون سياسي، وذلك يساهم في نزع فتيل أزمات الصراعات الأيديولوجية الجانبية الدائبة بين التيارات السياسية التقليدية في البلد التي تكون عادة جزءا من العراقيل ويمكنها أن تجري بالحوار مجرى آخر وتُركبه مراكب التخذيل والتحبيط والتخوين خاصة أن الحوار الفاشل الماضي والانتخابات السالفة كانت تسير من قبل نفس المدرسة السياسية التي ستسير الحوار الآن .كما أن الوزير الأول- وهذا ما لا يفهمه الكثيرون- يقاسم الرئيس من الفهم والرؤية ما لا يقاسمه غيره، وهذا سبب تكليفه بصلاحيات واسعة كوزيرا أول في مأمورية الوداع. ثم أنه يحظى بانفتاح واسع على المعارضة خاصة تلك الشاردة منها إضافة إلى قدرته على التفاوض والإقناع. إنه، مرة أخرى، اقتراح حصيف .
أما من حيث الجوهر ، فإن حالة البلد أصبحت على شكل آخر اليوم،فهي مختلفة تماما عما كانت عليه في العقود الماضية، وسيكون ذلك مرئيا خلال العقد القادم . وعلى المتحاورين أن يأخذوا ذلك بعين الاعتبار وكخلفية للحوار، فقد تغير الوضع الدولي، وتغيرت معه وضعية موريتانيا بحكم الجغرافيا السياسية وصارت الضغوط والرهانات عالية تمنا يتطلب تخفيف التيارات الساعية إلى التمايز في المجتمع وتهذيب الخطاب وإخضاعه حرفيا للقانون وتقوية الجبهة الداخلية على اسس وطنية متينة ودعم مصداقية المؤسسات الديمقراطية ، واستحداث آليات وأنماط منسجمة مع الحكامة وحسن التسيير بالنسبة لسياسة وتوجه الدولة :مواردها وفاعلية مؤسساتها . إن هذه ليست مسؤولية الأجهزة العمومية وحدها، بل أيضا مسؤولية النخبة والأطر السياسية الديمقراطية في البلد .
ثم إن نظام 1978 توقف عن انتاج النماذج، وفشل كنظام وطني للبناء والتغيير في حسم الرهانات الكبرى لدرجة أن كل رئيس جديد يجب ان يبدأ من الصفر تقريبا ، وبالتالي صار من الشرعيات البالية، فلن تملك المؤسسة العسكرية دورا في السياسة من اليوم، لكنها، كما هو ظاهر من الحال، تُهيؤ لأن تكون الحامي والضامن لسير المؤسسات وأمان المواطنين وأمن الدولة. إنها- فيما يبدو- هي عقيدة غزواني. ومع أنه رجل يزهو ويزدهر في طي من الكتمان، فإن عدم التمديد للنظام العسكري يوهم بذلك لكنه يقدم كل الدعم لها في مسار الجاهزية .إن هذا التحول لايمكن أن يدار إلا في كنف شخصية لها شرعية عسكرية كبيرة وإرادة وطنية واستشرافية . آه كانّه بذلك يمنحنا فرصة للتحول تحت إدارته! لكن أين البديل ؟ وهذه من مسوولية المدنيين. إذن نحن مجتمعون هنا من أجل تجهيز البديل . أي من أجل صياغة نظام جديد لجمهورية جديدة. هذا هو لب الحوار لكن بشروط اجبارية أساسها وعي الطبقة الساسية نفسها بهذه المسؤولية. ثم تحمل مسوولية أخرى دائمة في الدفاع عن هذه النتائج طول الزمن . إن الأمر لا يقاس بما ستجنيه الأحزاب أو الأشخاص، بل بما سيحصل عليه الوطن من تنازلات ترسخ الديمقراطية والحكم المدني وتؤسس لتجربة تراكمية وتقاليد ديمقراطية خاصة بالبلد في كنف رئيس يسعى لذلك على طريقته لا على طريقتنا، يجب أن نفهم ذلك . إن الرئيس اليوم يملك شرعية جميع التعديلات والتغييرات المطلوبة، في القانون وفي المؤسسات لا يوجد ما يغالبه ذلك .إنها فرصة للسياسيين والوطن . إن نجاح الحوار سيجعل الوطن يأخذ انعطافة قوية ستترك على جنبات الطريق الكثير من الممارسات والأساليب "الخشبية" والأروقة المظلمة والأصوات النشاز التي تملؤها ، لكن أيضا يتوجب علينا الاعتماد في هذا الحوار على لغة الفكر والاستفادة من المفكرين والدارسين والاقتصاديين والقانونيين. يجب أن لا ننسى أننا سنؤسس لجمهورية جديدة ، ثم أن القوة الحية والتي تملك المستقبل يجب أن يفسح لها الدور الكبير هذه المرة . إننا خلال الانتخابات الماضية لاحظنا أكثر من 8 شباب تقدموا بنية الترشح للرئاسيات، كما أن الإحصائيات تعطيهم الأولوية فهم أكثر من 70% على خريطة البلد عدديا وانتخابيا، ثم إن أدوات التغيير بأيديهم سواء على مستوى الإعلام او الخبرة. ولهذا، وفي ضوء التأطير الجيد، يكونون إضافة إيجابية للحوار ومن ثم للبناء .
إننا عند هذا الفهم سنؤسس لقواعد مختلفة بسيرها ورهاناتها وشكلها وطريقة ممارسة السياسة فيها. إننا مجبرون على تطوير الفعل السياسي لأن العملية السياسية بقواعدها السابقة وشخوصها وفكرها لم تعد قادرة على انتاج مخرجات مناسبة لوضع اليوم من حيث الوعي والوطنية والإدراك الساسي.
وبالتالي، وبمقتضى ذلك، يجب أن يكون هدف الحوار هو تغيير قواعد اللعبة وتغيير أهدافها وفتح الباب أمام دم جديد ظلت تطرده القواعد البالية. إن أي حوار لا يعمل على ذلك سوف يسقط وسوف يجعل الدولة تسقط معه . إن علينا أولا أن نحصن مشروعية العملية الانتخابية في النهاية وشرعية الخطابات السياسية التي تستخدم في الحملة وفي غير الحملة . نحن بحاجة لأن نرفع معايير الزعامة السياسية بالنسبة للنمط والمفردات والأبعاد الأخرى الاخلاقية والمعرفية والوطنية، وأن نرفع الأداء السياسيي نفسه عن الضحالة . يجب أن يحصل التحصيل العلمي على ميزته وقيمته في السياسة في البلد . لابد من شهادة أكاديمية في ملف الترشيحات للرئاسة وشهادة جامعية أو ما يعدلها من الخبرة في ملف ترشيح النواب والعمد ولرئاسة الاحزاب. نحن في المقابل نصنع الرؤساء والمشرعين ومنتجي التصورات، والبلد بحاجة لمن سلاحهم العلم والوطنية .
إننا نؤسس نظاما ومخرجات لن تسمح غدا بالخروج عنها وبتقييمها بالمزاج وقياسها بالمنافع والمصالح الشخصية والارتهان للعبثية، فلن يتسنى لبيرام مثلا، الذي لم يزر الحوضين ولا يقف وراءه أي مصدر للقوة الانتخابية، بأن يقول انه فاز في الانتخابات ويرهن البلد للفوضى، وأن الانتخابات مزورة، وكأنها لعبة مزاج ، وليس لعبة قواعد وليس للمجتمع السياسي فيها كلمة ولافعل. لقد كان على معرفة تامة أن معركته مع النظام وليست مع الطبقة السياسية والمجتمع لكننا اليوم بعد حوار وطني على قواعد سليمة ويناقش قضايا الوطن لن يكون في مقدور أحد الوقوف غدا ضد مخرجات العملية السياسية والانتخابية ومخرجاتها سواء شارك في ذلك أو لم يشارك، إنه بذلك ضد الانسجام الوطني .
إن الطريق الأمثل في الاعتقاد السائد وحسب الرهانات والتحديات التي تواجه البلد والنتائج المتوخاة من هذا الحوار هو أن ينقسم على أربع محاور محاور وجمعية عامة :
المحور الأول : حول الجغرافيا السياسية: يتناول الأمن ودور المؤسسات العسكرية في الديمقراطية والرهانات والتحديات: الهجرة، المخدرات، الجريمة العابرة للحدود، الإرهاب، وغيرها التي تواجه البلد وتكون جماهيره مكاتب الدراسات والبحث وأطر عليا من الجيش والمؤسسة الامنية والمجتمع المدني .
محور الثاني حول الاقتصاد: يتناول الطاقة والقطاعات الحيوية الاقتصادية والاقتصاد نفسه بجانبيه: المال والأعمال ويحضره أهل الاختصاص.
والمحور الثالث حول السياسية والمحتمع والاعلام : ويتناول الوضعية السياسية وتحدياتها والنمط السائد من اسلوب ومفردات الخطاب السياسي والعملية الانتخابية وآلياتها وغيرها ودور وعدد الأحزاب والمفاهيم السياسية ومحددات الفعل السياسي ،والقضايا الاجتماعية والإعلام المفتوح خاصة وسائط الاتصال الاجتماعي وغيرها .
المحور القانوني: ويدرس طريقة إصلاح البنية القانونية للبلد: القضاء والتشريع والمفردات السياسية القانونية وغير القانونية وسبل تفعيل الإصلاحات المتراكمة ...
كل محاور يقدم حصيلته لتناقش داخل الهيئة العامة التي هي كل المؤتمرين بما في ذلك أصحاب المحاور نفسها ، ويتم التوقيع على وثيقة مرجعية للجمهورية الإسلامية الموريتانية مصحوبة بآلية التنفيذ سياسيا وقانونيا وإداريا .
ثم يتم عرض ذلك على الشعب في جولات ونقاشات وبرامج إعلامية وورشات حزبية وندوات سياسية وفكرية حتى يكون الكل على اطلاع على ما انجر عن الحوار الوطني وقادر على تحديد الخطأ من الصواب في السياسية والقانون السياسي .
نحن بحاجة أولا لأن يسعى الحوار لوضع جملة التزامات سياسية تدافع عنها الطبقة السياسية في المستقبل وتفرض الخروج عنها .
إنه تثبيت لجميع الشروط والأدوات التي من أجل مصداقية العملية السياسية في ضوء التزام الفاعلين بالنتائج وبجميع المخرجات الناجمة عنها ، وليس وثيقة سياسية تدافع الدولة عن الجوانب القانونية منها بينما تبقى الجوانب السياسية لايدافع عنها أحد .
إنها عملية متكاملة من أجل الوطن .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار