على هامش النسخة الأخيرة من مهرجان مدائن التراث

في الواقع هذه النسخة من مهرجان "مدائن التراث" التي حضرت إليها كما حضرت إلى نسخ سابقة لها لم تكن أسوأ من سابقاتها، بل هي أحسن بكل تأكيد من جوانب مختلفة، كطبيعة الضيوف الدوليين ووزنهم، وكم الباحثين المحاضرين وتنوعهم، وتنوع مجالاتهم، وكطباعة عدد من الأعمال الثقافية وجلبها إلى المهرجان وتوزيعها خلال فعالياته، وإن كانت الأقدار قد أرادت لبعض الاختلالات أن تظهر أو تضخم كي تكون مناسبة لفخامة رئيس الجمهورية وحكومته ومعالي وزير الثقافة الجاد والمجتهد في تطوير الثقافة، وتحسين المهرجان كي ينتبهوا إليها، ويعيدوا النظر فيها بما يخدمها، ويخدم البلد وإشعاعه الثقافي..
حقيقة ما تحدث عنه البعض من أخطاء بروتوكولية، ونقص في الاهتمام ببعض الضيوف، وتجاوز للمرونة والكياسة في التعامل مع الضيوف والمدعوين أثناء الدخول، يجب أن يجد الحلول المناسبة له في المهرجانات القادمة.. يجب أن يحظى كل ضيف ومدعو بأعلى درجات الاعتبار والاحترام، ويجب ألا يدعى إلى المهرجان من لا علاقة له به، فتوزيع بطاقات الدعوة بعدد يفوق عدد المقاعد المخصصة للحفل، ومنح هذه البطاقات لكل من هب ودب، يجعل الغوغاء تتدافع عند بوابات الدخول كالقطيع الجامح للدخول والاقتحام، قبل أن تمتلئ عليها المقاعد، فيختلط الأمر، ويفقد الضيوف وأرباب الفضائل وقارهم أو يضطروا إلى تحمل الرفس واللكم والتضارب، أو الانسحاب.. والسبب في كل هذا التطفل الذي كان هو الاستثناء فأصبح هو القاعدة.. فمن يتفرس في مستقبلي فخامة الرئيس في المطارات والمدن يستغرب من طريقة فرزهم، حيث لا معايير ولا منطق يجمعهم إلا الوساطة والمحسوبية، ومن يتفرس في حاضري المهرجانات الثقافية يجد كل صنف من الناس تجارا وموظفين وباعة وهم النفوذ الكاذب وعاطلين عن العمل حاضرين بكثرة إلا المثقفين، والمعنيين المباشرين بالتراث، وهذا أمر أعول على حصافة معالي وزير الثقافة في تغييره..
أما بالنسبة لهذا المهرجان، فلي عليه ملاحظات، أغلبها لا يختلف عن ملاحظاتي على سابقيه، تتلخص فيما يلي:
1. مع أن المهرجان تراثي وثقافي بامتياز، فقد رتب البروتوكول المسؤول عنه لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني زيارة تفقد لكل أجنحة المعرض إلا جناح المحاضرات والباحثين والمثقفين، وقد كنت أحب لفخامته -الذي هو بالمناسبة رئيس قارئ ومثقف- أن يكون قد مر عليهم، ووقف معهم، ولو للحظات إن لم يسعفه الوقت لمتابعة جانب من محاضراتهم.. مع تقديري لما لاحظته من حرص للوزير الحسين على حضور ومواكبة هذه المحاضرات..
2. تم خلال المهرجان تخصيص جائزة للفن التشكيلي، وجائزة للسينما، وجائزة للمسرح، وجائزة للموسيقى، وهذه ألوان ثقافية تستحق التشجيع قطعا، لكن كان من الحسن أن تكون هنالك أيضا أخذا في الاعتبار لطبيعة مدائن التراث جائزة للمكتبات، وجائزة للآثار، وجائزة للعلوم، وجائزة للآداب، وجائزة للتاريخ مثلا..
3. كما تم خلال المهرجان تكريم كل من المخرج التقي ولد عبد الحي، نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، والدكتور والباحث كان مامادو آبيا، وهذا جيد لكن كان من المناسب أيضا أن تتسع التكريمات لبعض العلماء والأئمة والأدباء ومحافظي المكتبات والمتاحف، والمؤرخين المعروفين، كي يعكس المهرجان أكثر الواقع الثقافي للبلد، حتى لا يكون أقرب إلى مهرجان فني وفلكلوري..
كان يمكن مثلا أن يكون هذا المهرجان مناسبة للاحتفاء بصدور ديوان العلامة الأديب الشاعر ابن مدينة شنقيط عبد العزيز بن حامني رحمه الله تعالى الذي كان أحد من عناهم المختار بن حامدن قبل أكثر من سبعين سنة في قصيدته المشهورة "قالت تغربت في الأقصين والغُربا"، ورد عليه بقصيدة لا تقل جمالا وردت في هذا الديوان.. والاحتفاء بكتاب ابن مدينة شنقيط الآخر الوزير الموسوعي سيدي أحمد بن الدي حفظه الله تعالى ومتع به "دروس في الجملة العربية" الذي هو مجال نادر الطروق، والذي صدر مؤخرا..
ويمكن أن يكون مثل هذا المهرجان فرصة لتمويل طباعة بعض ذخائر المؤلفات الشنقيطية التراثية، وكذلك فرصة لترميم المدينة القديمة، بل وشرائها من طرف الدولة وتحويلها إلى فضاءات تؤوي المكتبات والمتاحف وقاعات للبحث والمطالعة والنزهة السياحية.. ولعل كل هذا يقع إن شاء الله على يد معالي وزير الثقافة الذي لا شك أن هناك إجماعا على كفاءته واستعداده لترقية ثقافة وتراث هذا البلد وإعادة الاعتبار التام لهما...
من صفحة الإعلامي الحسين بن محنض