من نتائج الانتخابات (الحلقة الثالثة)
وأثناء إنشاء الدستور كان الشعب الموريتاني 700 ألف شخص إلى أقل من مليون وكان الزنوج يناهزون 10%ومع ذلك اقترح لهم المختار منصب نائب الرئيس لكنهم رفضوا لأنهم يعرفون أن المختار سيعين فيه صمبولي. المجتمع الزنجي مغلق على تراتبية جامدة إلى اليوم وحده الصحفي العتيد محمد فال سيدي ميله هو من كتب عن ذلك أنظر المقال .
عقب الخلاف بين المختار وسليمان ولد الشيخ سيديا كان المختار يريد تعيين يوسف كويتا على البرلمان لكن البرلمانيين حينها وضعوه في وضع الأقلية حيث رفع الجلسة ليحسم المختار الموقف من خلال التعديلات الدستورية أو التنظيمية لمؤتمر كيهيدي1964.بعد الاستقلال واجهت الدولة الحديثة ظاهرة "إِتْمَوْلِيَّ" نسبة إلى دولة مالي حيث انضمت قبائل الحوضين إلى مالي خوفا من أن يمنعها الانتماء لموريتانيا من الظعن في أرض مالي وغلق الحدود أمامها وقد كلف المختار ولد داداه حينها محمد ولد مولود ولد داداه الذي عينه واليا على المنطقة لهذه المهمة وأسفرت النقاشات عن إنشاء مقاطعات مثل جگني وآمرج ومركز عدل بگر الإداري وغيرها من الشروط ترضية لتلك القبائل ،لم تهتم القبائل بالبعد العرقي للمسألة فهذه دولة المنشأ وهي دولة عربية وهذه دولة الهجرة وهي دولة زنجية ومع ذلك اختاروا الأخيرة كوطن لهم.
يشيد المختار ولد داداه في مذكراته وفي مراحل تعلمه باستاذ سينغالي بوبكر فال من سينلوي كان له التأثير الكبير في شخصيته من بين معلميه الفرنسيين وطيلة مساره الدراسي .ومعلمه من مدينة ماتم السينغالية يدعي إسى كان ،هذا التثاقف وهذا المزج وهذا التاريخ أثر في الظاهرة السياسية الموريتانية التي كانت تمثل جهدا وفهما مشتركا لأبناء البلد لمسالة الأهداف والمبادئ دون الوقوف عند العرق . جميع التنظيمات والمبادرات السياسية التي ظهرت كانت مزيجا متجانسا ومتفاهما من المواطنين دون النظر للأصل لقد كان أول عمل سياسي منظم وله خلفية محددة هو معارضة النائب أحمد ولدحرمة ، الذي جسده حزب الاتحاد التقدمي الموريتاني بالرئاسة الشرفية للجنرال ديغول ويضم سيدي المختار ولد يحي انجاي رئيسا ، آمادو صمبه انديوم ويوسف كويتى وصال اكليدور والمختار ولد داداه ومحمد ولد مولود واحمد ولد عيده ومحمد عبد الله ولد الحسن .كما ضمت رابطة الشباب الموريتاني الدكتور بوبكر ألفا با، سومارى گي سيلي ،كوني على بري ،محمد ولد الشيخ ،يعقوب ولد أبو مدين أحمد بابه وأحمد بزيد أبناء أحمد مسكه والحقيقة أن الدولة الموريتانية تأسست بمزاج وطني مشترك
في 20مايو 1957 في خطاب ترشيحه لرئاسة الحكومة وجه المرحوم المختار ولد داداه نداء يلخص حجم التحديات حيث قال " لنبني جميعا الوطن الموريتاني "وفق تحديد الأولويات فماهي أولوياته لقد كان من الصعب يقول أن يحدد أولويات في وقت ينبغي أن يشكل فيه كل شيء اولوية ومع ذلك كانت الوحدة الوطنية هي الأولوية وهكذا حافظ المختار على نسبة تفضيلية للزنوج تبلغ 25% وعن وعي في كل مناصب الدولة
لقد ضمت أول حكومة للمختار يوسف كويتا ، جاكانا سيلي ، وان بيران وزير خارجية وعبد العزيز صال مديرا للديوان ومامادو صمبولي با
الوطنيون لايريدون تقييم بلدهم من خلال قوالب جاهزة أنشأتها شعوب وأمم أخرى وفق واقعها ومقتضيات الوعي والتطور لشعوبها وعلاقة ذلك بالثقافة والتاريخ ودون النظر إلى ماسبقبها من تجارب ومع ذلك تكون موريتانيا قياسا بواقعها الاجتماعي والاقتصادي والإداري قد قطعت أشواطًا قياسية في التحضير لمحو جميع القيود والآثار المادية والنفسية والثقافية للعبودية والعنصرية ،لكن القرارت والقوانين تعاني من قصر العمر عندنا بسبب ضعف الممارسة لأن الحاجة له مرتبطة بالاستغلال السياسي ليس من طرف السلطة لكن من طرف النخبة نفسها التي طالبت به ودافعت عنه.
الحركات والمطالب التي أساسها تفكير وطني كانت إصلاحية واندماجية وكان رجالاتها قادة وطنيين لم تسعى للعنف ولا للوصول للسلطة بطرق الانقلاب الذي حاولته جميع الحركات القومية التي لها ارتباط فكري خارج الحدود. لقد ظل هؤلاء القادة سلميين في نشاطاتهم وطموحاتهم وكان أقصى مراتب العنف هو الاحتجاجات من خلال نقابات العمال أو بعض الجمهور السياسي ولم تتخذ تلك التحركات طابعا عنيفا إلا عندما تحالفت مع حركات بمحركات أجنبية فبعد قرار وزارة التعليم، عن طريق التعميم رقم 002، الصادر شهر ابريل 1979، القاضي بزيادة ضارب اللغة العربية واستحداث مادة التربية المدنية والدينية باللغة العربية، غضب التلاميذ الزنوج ونظموا، في شهر مايو من نفس السنة، إضرابات عنيفة تخللتها أعمال شغب لم يمت فيها غير تلميذ من البيظان اسمه يسلم ولد خالد (من مواليد تجكجه) كان يحضّر للباكالوريا العلمية بتفوق. لقد تعرض الفقيد للرجم بالحجارة داخل سيارة فقتل بدم بارد. ولم يتقدم ذووه بأي شكوى، ولم تقم الشرطة بأي تحقيق بشأنه، ولم يقم الطب بأي تشريح لجثمانه، ولم ينظم البيظان أي مظاهرة احتجاجية على قتله، بل اعتبروا أنه قضاء وقدر، وأن الصبر والتجاوز لابد منهما خدمة للسلم الأهلي بين مكونات الأمة
خلال حكم محمد خونه ولد هيدالة كان مدير الأمن ووزير الداخلية ورئيس الأركان كلهم زنوج "آشى وجوب ويال "إضافة لمواقع أخرى مهمة في الدولة وكان زنجي واحد بتربة نقيب هو من ساعد في الانقلاب على المختار ولد داداه إضافة لمفوض شرطة ومع ذلك كانوا متمكنين ولم يتم تحميلهم مسؤولية تعذيب الناصريين وقتلهم رغم مواقعهم الأمنية والإدارية الكبيرة وعندما طرح أحدهم السؤال على محمد خونة ولد هيدالة كيف يختار كل هذه المناصب الحساسة من نفس المجموعة رد قائلا أليسوا مواطنين أليسوا عسكريين إذن أين المشكلة .كما كان المختار ولد داداه يمنحهم 25% من كل الوظائف وإلى اليوم أمضى 13 وزير مالية زنجي 30 سنة على وزارة المالية من أصل 43 وزيرا وخلال 60 سنة . .
نضالات الحركة الديمقراطية الوطنية MND كان جميع المكونات جنبا الى جنب وكان حضور المطالب والقضايا الزنجية والانسجام فيها هو السمة البارزة لهذا التيار .
وكانت حركة MDI وهو تيار ثاقب وسط الساحة السياسية أعلن تنديده باحداث 1989 و1991 وحمل الحكومة وحدها المسؤولية كان من أهم مطالبه القضايا الزنجية والغريب أن تأسيسها تم من دون الزنوج الذين ظلوا يمثلون فيها أقل من نسبة 10%.
وخلال حكم معاوية تم تكوين البرلمان من غرفتين وكانت رئاسة مجلس الشيوخ التي يتولى رئسيها رئاسة الجمهورية تلقائيا في حالة توقف الرئيس عن آداء وظائفه من نصيب الزنوج بحيث أصبح تقليدا وقد وصل لذات السبب أول زنجي رئاسة البلد 2009.وبعد الإطاحة بمعاوية سهلت سلطات المرحلة الانتقالية ترشيح بعض القادة الزنوج الذي لا يتوفرون على شروط الترشح .
حاول معاوية من خلال التعويض ومن خلال البرلمان محو آثار الجرح الاجتماعي العميق لأحداث 1991 وانسجم في ذلك الاتجاه الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله ومحمد ولد عبد العزيز بأن أقاما صلاة الجنازة على موتى تلك الأحداث وتم دفع الديات .
خلال مسار التهدئة الموغل في تجاوز الماضي بكل تفاصيله استقبل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني زعماء حركة "افلام" التي حملت السلاح ضد البلد وقتلت المواطنين على أساس اللون وزرعت الشغب في مواطنين الضفة بسبب الأعمال الارهابية العسكرية الانتقائية وقد أدمجها في الجسم السياسي دون أن يعترض أحد وكان البيظان مستعدين لردم الماضي كل الماضي .
تاريخيا كانت المدن القديمة مزيج من لحراطين والبيظان كمجتمع واحد جنبا إلى جنب دون تمييز وكان الشرفاء في تشيت وولاتة والنعمة سودا ومزيجا خلاسيا رائعا لا تستطيع أن تفصل بينهم أبدًا بسبب الاتحاد في الشكل بل كان بياض البشرة هو النشاز .وكانت تركيبة الجيش التروزي تضم فيلقا يسمى "الخالفة الكحلة"وكانت معروفة بالشجاعة .كما كان الأمراء والشيوخ الدينيين وشيوخ القبائل يتزوجون الحرطانيات اللاتي كان أبناؤهن يختصون بميزات منها القوة والفاعلية. لقد أرسل أحمد يوره ابنه امحمد إلى مجموعة من الصالحين للتبرك بهم، وكان من بينهم بلال الولي الذي كانت له معه قصة شهيرة . وكان همدي شيخ حاضرة أطار حيث إمارة وقبائل قوية وبحضرة الأمير وقد بلغت به الرياسة إلى أن أصبح مضرب المثل "تظحك ما بوك الدهاه" أي تضحك ولست ابنا للدهاه أي همدي . وكان من أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخنا الحديث ذوو خؤولة وبشرة سوداء مثل الشيخ حماه الله وعبد الرحمن ولد بكار ، والشيخ سعدبوه وغيرهم كثر .
لم يكن هناك أي اعتراض ولا انزعاج من أي دور للحراطين في قيادة البلد أيضا فقد كان ابريك ولد امبارك الشخص الثاني من حيث الوظيفية والحضور في فترة حكم هيدالة ويتولى تأمين نواكشوط، وكان حينها برتبة نقيب فقط . فالولوج لقمرة القيادة ظل مفتوحا في البلد دون أي اعتراض من أحد .منذ فترة معاوية إلى سيدي ولد الشيخ عبد الله كان الوزير الأول وكان رؤساء ثلاث هيئات دستورية من أصل 5 حراطين.
كما كان الجميع منسجما على تعيين الوزير الأول الحالي قبل تعيينه .
وعندما أعلن مسعود ولد بلخير أن قضية العبودية انتهت على المستوى القانوني بعدما تم تجريمها حرفيا في الدستور الموريتاني وبوب لها في القانون الجزائي الموريتاني تخلى عنه أغلب الرفقاء وشعبيته من متطرفي الحراطين، ومع ذلك حافظ على زعامة المعارضة ضد الانقلاب على سيدي ولد الشيخ عبد الله ودفعت به نخبة البيظان للترشح للرئاسيات ضد العسكر وكانت نتيجته في انتخابات 2009 هي ثاني نتيجة 19% تقريبا وكان طاقمه كله في الحملة من المجتمع التقليدي فكانت طائرته الرئاسية لمدة الحملة التي منحها له رجل الأعمال محمد ولد انويگظ تقل 3من أصل 4 أشخاص بينهم مسعود نفسه من أبناء الأسرة التقليدية النشطة في التاريخ الاجتماعي والسياسي والتاريخي للبلد وكانت كل طواقمه من جميع الأسر التقليدية في البلد قاطبة …وكانت حملته النشطة بتمويل محلي ومن رجال الأعمال من نفس المجتمع .
وخلال انتخابات 2019 دعمت السلطات ترشيح بيرام الداه إعبيد ووفرت له الشروط التي يمكنه من خلالها الترشح وقد دعمه ماديا رجال أعمال على نحو لم يكن ليفت على السلطات وقد حرك ديناميكية قوية ولم تتم مضايقته بل وجد تعاطفا مع بعض المرشحين المنافسين له فقد استقل هو وسيدي محمد نفس الطائرة في جولتهما الدعائية إلى النعمة ،ولم يتم الاعتراض على النتيجة التي تحصل عليها رغم تحكم ولد عبد العزيز في النتائج .
والخلاصة أن التاريخ الموريتاني منذ دخول الاسلام مرورا بالمرابطين وحركة ناصر الدين
في غرب افريقيا التي كانت حركة دعوية دينية تصحيحية اكتسحت الضفة ووضعت نمطا راقيا لحقوق الانسان وحرمت العبودية وصولا إلى تأسيس الدولة لم تكن عنصرية .
لكنه مجتمع ترسخت فيه قيم البداوة دون أن تكون له علاقة بالعنصرية المتعارف عليها دوليا ، وما يمثل مظاهر عنصرية هي فقط نقص لقيم المدنية واحترام القانون والتعامل معه على أنه شيء يسكن معنا لا يمكننا الرحيل عنه ينظم حياتنا ويدفعنا للمساواة واحترام بعضنا ،ومع ذلك لم تطرح يوما مشكلة التعايش للأهالي في ممارسة حياتهم اليومية في الأسواق والطرقات ولا في الحقول ولا في المدارس المسالة في الغالب مرتبطة بذهنية المثقف ودوره التنويري .
وهذه هي الخلاصة التي يجب أن ننتهي إليها وهي التي بدأ منها المرحوم المختار ولد داداه في خطابه 20 مايو 1957 ولم يتم إحراز أي تقدم فيها بفعل ضعف البنية المدنية للدولة.
يتواصل
المحلل السياسي والإعلامي محمد محمود ولد بكار