السبت
2025/11/15
آخر تحديث
السبت 15 نوفمبر 2025

هل يريد غزواني تعديلات دستورية؟ ولماذا؟

منذ 1 ساعة
هل يريد غزواني تعديلات دستورية؟ ولماذا؟
طباعة

في ظل القضايا التي أثارها الرئيس غزواني بوضوح في خطاباته خلال جولته في الحوض الشرقي، يعود النقاش بقوة حول الحوار الوطني، وموقع الدستور في المعادلة، ودور الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في المرحلة المقبلة. وقد تداخلت الأصوات والآراء والمواقف على نحو يجعل العودة إلى الأسس التي قام عليها النظام الدستوري، وفهم الخلفيات التي تؤطر الجدل اليوم، أمرًا ضروريًا.

يُعدّ الدستور الموريتاني وثيقة مرجعية جامعة أودع فيها الشعب قيمه المشتركة وقواعد تماسكه وطموحاته. وقد وُضع هذا الدستور في سياق موجة ديمقراطية عالمية فرضت علينا خلال التسعينيات، ومع أننا لم نكن مهيّئين لها بشكل كافٍ، فقد سعت الدولة آنذاك إلى التوفيق بينها وبين البنية الاجتماعية التقليدية، مع التمسك بالثوابت الأربعة: الدين، واللغة، والحوزة الترابية، والنظام السياسي.

غير أن التركيبة القبلية للمجتمع فرضت واقعًا انتخابيًا جعل غرفة النواب—التي تقوم بالقراءة الأولى للقوانين—تستقبل في الغالب مرشحين من عمق اجتماعي تقليدي قد لا يكون الأكثر تأهيلاً تشريعيًا. ولردم هذه الفجوة، ظهرت فكرة إنشاء مجلس الشيوخ بهدف توفير قراءة ثانية أكثر عقلانية وخبرة للقوانين، وإحداث توازن يضمن جودة التشريع، خصوصًا أن عضويته كانت تُمنح لشخصيات وطنية ذات تجربة، وكما أن رئيسه مؤهلاً بحكم القانون ليكون رئيس دولة في فترات الفراغ الدستورية عند الحاجة.

لكن إلغاء مجلس الشيوخ في عهد الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز لم يكن خطوة في اتجاه ترسيخ الديمقراطية، بقدر ما جاء بدوافع ذاتية. وقد كشفت التجربة لاحقًا أن النظام السياسي، في غياب الغرفة الثانية، أصبح أكثر هشاشة، وأن البرلمان الحالي لا يمكنه الاضطلاع بالدور التشريعي وفق التصور الأوّل ولهذا أصبح منطق التفكير في إعادة بناء البرلمان من غرفتين أمر ضروري .

وفي نفس السياق يجب الحديث عن مسألة المأموريات ، لكن بالعودة إلى التاريخ القريب تبيّن أن قرار قفلها سنة 2005 لم يكن اعتباطيًا ، بل كان شرطًا ضمن حزمة إصلاحات تبنتها القوى السياسية الوطنية آنذاك لدعم مسار المرحلة الانتقالية حيث أن عمر الدولة إذّاك 45 سنة ، هيمنَ خلالها رئيسان فقط—المختار ولد داداه ومعاوية ولد الطايع—على 40 سنة من الحكم. وقد كان الإجماع الوطني وقتها يدعوا ، لتكريس مبدأ التداول عبر قفل دستوري مُسند إلى يمين علني يرقى إلى مستوى “البيعة الوطنية”. ولا تزال الدوافع التي أملت هذا القفل قائمة، والإجماع حوله ثابتًا، ولا شيء يشير إلى استعداد الموريتانيين للتراجع عن هذا المكسب.

وعلى هذا الأساس، لا يبدو أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يفكّر في المساس بهذا المبدأ، بل تشير مواقفه وخطواته—خصوصًا بعد خطاب النعمة—إلى توجه نحو إصلاحات جوهرية في مجالات محاربة الفساد، وتعزيز دولة القانون، وتقليص نفوذ القبلية والشرائحية. لقد بدا غزواني خلال العامين الأخيرين أكثر وضوحًا وحزمًا، وأظهر استعدادًا للخروج من عباءة الصبر واللين المعتادة.

وهكذا أيضا يكون الحوار الذي يدعو إليه اليوم بعد أن أظهر قبضته الصارمة وإرادته القوية وقدرته في تنفيذ أي مخرجات ،ضمن مسار إصلاحي عام ، لكنه هذه المرة توجه مباشرة إلى الشعب وإلى النخبة الوطنية في إطار عملية وطنية أوسع ، لا تستهدف فتح المأموريات ولا إعادة هندسة السلطة، بل يسعى إلى سدّ الثغرات التي كشفتها التجربة، وإعادة بناء ما يمكن ترميمه من مؤسسات الدولة، في ظل نظام يبحث عن تجاوز إرث ثقيل وإعادة تعريف علاقته بالمجتمع والديمقراطية، في إطار إصلاح شامل ومراجعة واسعة.

ويبقى السؤال: هل ستكون النخبة الوطنية إيجابية ومتفائلة وقادرة على الدفع بالأمور نحو الإصلاح؟ أم أنها ستظل تنتظر أن يُقدَّم لها كل شيء جاهزًا على طبق من فضة.

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار