من مذكرت محمد ولد محمد الحسن: "النجم لا يُدفن أبدا في الرمال"
واعتذاري عن "شموليّتي- إدماجيّتي"
أدخلتُ إلى النقاش السياسي في سنة 2007 مفهو م الشمولية
(Inclusivité),
مانحا إياه حمولة نضالية جديدة .
وهذا المعنى الذي أحدد إطاره الفكري في السياق الموريتاني ، ما لبث أن انتشر تدريجيا على الصعيد الدولي ، ابتداء من سنوات 2007/ 2010
لم يكن مفهوم هذا البناء تمرينا نظريا مجرّدا ، بل انطلق من ملاحظة ميدانية واقعية ، مفادها الإقصاء المتكرر للكفاءات التقنية عن دوائر القرار ، متى لم تكن خاضعة للحزب الحاكم (تذكروا يومها ، "الجمهوري حزب PRDS) .
وهكذا جرى التفكير في الشمولية ، بوصفها جوابا سياسيا على هذا التهميش المنهجي للمعارف التقنية .
ومن ناحية الدلالة ،
ارتكز هذا التوجه على مقابلةٍ عكسية مع مصطلح "الحصري" ، كما يُستعمل في المجال الاقتصادي ، مثل : "ممثل حصري" أو "مزوّد حصري"، وذلك من أجل بلورة نموذج سياسي يُثمّن الانفتاح على الكفاءات بدل الانتماء الحزبي .
وقد خلّف هذا المفهوم آثارا ملحوظة ؛ إذ استوقف المؤسسات اللغوية - ولا سيما الأكاديمية الفرنسية - وطرح إشكالات خاصة أمام المترجمين إلى العربية ؛ كما ساهم في إعادة تشكيل الطبقة السياسية والعسكرية إبّان رئاسة سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله .
ولا يزال استعماله إلى اليوم ، في عهد محمد ولد الشيخ الغزواني ، يتّسع أحيانا ليحتضن منطقا يتعارض مع روح الإدماج نفسها ، عبر تمييع معيار الكفاءة ، لصالح إدماج شكليّ .
وأمام غياب أي اعتراف مؤسسي بهذه الأبوة الفكرية ، فإنني أتحمّل مع ذلك اختراع المفهوم كما أتحمّل ما لحق به من تشويهات -بما لها وما عليها - وأتحمّل مسؤوليتي الأخلاقية عنها .
سيغفر الله لي ، إذ كانت نيّتي صادقة ، حين صغتُ - في أبريل 2007 - نظرية " الديمقراطية الشمولية او الادماجية " ؛ ثم حين وصفت ب " اتفاق شامل " اتفاقَ دكار الذي رسمت هندسته المفاهيمية خلال ليلة ( بيضاء ) ، في 15 مايو 2009 ، على بُعد 20 كيلومترا من نواكشوط .
ويجدر التنبيه أخيرا إلى أن الملكية الفكرية لأفكاري السياسية ، ونية المؤلف ، نادرا ما يُعترف بهما في السياق الموريتاني . وهو وضع يختلف عن فضاءات فكرية أخرى ، تُنسب فيها المفاهيم بصورة منهجية إلى أصحابها، أو إلى مؤسسات السلطة . وعلى سبيل المقارنة ، فإن مصطلح العولمة (Globalization) بات اليوم مقترناً -على نطاق واسع- بالمؤسسات المالية الدولية الكبرى . ومع ذلك ، فإن استعماله التحليلي الحديث ، قد جرى تأصيله ونشره على يد ثيودور ليفيت في مقاله التأسيسي "عولمة الأسواق" ( سنة 1983) . في حين أسهم فاعلون مؤسسيون من قبيل : جوزيف ستيغليتز ، الرئيس الأسبق للبنك الدولي ، والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2001 ، أساسا في النقد التحليلي لهذا المفهوم وفي تعميمه ، من دون أن يكونوا مبتكريه .
وتُبرز هذه القطيعة بين الإنتاج المفاهيمي ، والتداول المؤسسي ، والاعتراف الرمزي ، آليات غير متكافئة لشرعنة الأفكار في الفضاء السياسي العالمي .
محمد ولد محمد الحسن ، المؤسس لمعهد مددراس 2Ires في 30 دجمبر 2025
▪︎ مراجع (للاستئناس)
محمد ولد محمد الحسن " الديمقراطية الإدماجية والحكم الرشيد " أبريل 2007.
▪︎. Levitt,T. (1983).
The Globalization of Markets. Harvard Business Review.
Stiglitz, J. E. (2002).
▪︎ Globalization and Its Discontents. W.W. Norton & Company.
▪︎
Bourdieu, P. (1982). Ce que parler veut dire. Fayard.
▪︎ Koselleck, R. (1990). Le futur passé.
" Contribution à la sémantique des temps historiques " . Éditions de l’EHESS
▪︎ اتفاقات دكار حول الأزمة الموريتانية سنة 2009 ، (وثائق دبلوماسية ) .



