إعلان امبيكت لحواش الوطني.. محمد ولد الشيخ الغزواني يضع أسس الدولة الوطنية
لم يكن خطاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أمام سكان امبيكت لحواش مجرّد إظهارٍ لموقف رسمي أمام الداخل أو الخارج كما تقتضيه طبيعة أي إعلان،بل كان إعلان إرساء قاعدة سياسية جديدة، وبداية مرحلة مغايرة.
كان حديثًا حاسماً ، خرج فيه الرئيس – على غير عادته – عن لغته الهادئة، ليُعبّر بوضوح عن طبيعته ونيّته السياسية، وعن رغبةٍ مقصودة في تأكيد مبادئ جديدة في التعاطي مع مفهوم الدولة الوطنية، والدعوة إلى التزام جماعي بقيم محددة تؤطّر الوعي العام وتوجّه سلوك الدولة والمجتمع.
لقد جاء الخطاب في صيغة قرار استراتيجي أكثر منه مجرّد نداء أو موقف من ظاهرة بعينها، وكان بلغة مختلفة تُعبّر عن قناعة راسخة وحقيقة داخلية.
– حقيقة غزواني… أو غزواني ما وراء الهدوء
لقد قاوم غزواني، بصمتٍ وقوةٍ، كل المبادرات الرامية إلى إعادة النظام إلى جوهره العسكري أو القبلي أو “الفسادي”، وغالبًا ما خاض تلك المواجهة منفردًا.
وفي الوقت ذاته واجه شعبويةً مخبولة لا تصدر عن وعيٍ ولا فعلٍ، وشعبيةً لا يصدر عنها فعل ولا ردّ فعل، في مناخٍ ديمقراطي يتيح مجالًا واسعًا للفوضى الإعلامية، حيث يفرض بعض الغوغاء أنفسهم عبر إعلامٍ متحرّرٍ من كل قيدٍ أو مسؤولية.
إن أيّ رئيسٍ في مثل هذا السياق لا يستطيع أن ينفّذ جميع قناعاته بسهولة، ولا أن يفرض ذاتيّته الخاصة، خاصةً إذا كان يؤمن بقدرات الآخر وبمبدأ عدم تجزئة المسؤولية. ولن يحظى بدعمٍ صبور ثابتٍ مهما كانت نواياه صادقة، حتى وإن أولى عنايةً كبيرةً بضعفاء الشعب، وسعى إلى تحسين أوضاع الفئات الهشّة عبر إنفاقٍ واسعٍ على البرامج الاجتماعية.
لكن الشعب، شأنه شأن النخبة، لا يصدر عنه إلا الشعبوية، كما لا تصدر عن المعارضة إلا اليقينية المسبقة بفشل كل شيء، لتلتقي مع المأجورين وقاصري النظر في ترسيخ هذه الفكرة في العقول، لتصبح قناعةً عامة بأن دعم أي مبادرة جادة ليس إلا ضربا من النفاق وأن لا جدوى من الفعل السياسي الرشيد، وأن كل قرارٍ للنظام عديم الفائدة، وأن الرئيس في النهاية فاشل أو غير حاسم.
غير أن ذلك غير صحيح حتى وإن جبنت في وجه هذه "السادية" النخبة الوطنية .
– البحث عن الحل
الدول – جميعها – تمرّ خلال مراحل نموّها بأزماتٍ حادّةٍ يُرجعها كل طرفٍ إلى سببٍ مختلف.
أما في حالتنا، فقد ربط غزواني الأزمة بالعامل الاجتماعي، الذي قسّم المجتمع في ولاءات مختلفة ضد وحدة وقوة كيان الدولة (الإطار القبلي والجهوي والشرائحي والقومي ) وهكذا كان ينظر للحل من خلال تبنّى سياساتٍ اجتماعيةً واسعة وسلوك التهدئة العامة ، وخلق إطار عام للتفاهم والتشاور وتبتي خيار الصبر وأخفى حقيقته الصارمة، لكنه اليوم يعلن تخوّفه، ويصرّح به علنًا في خطابه في امبيكت لحواش، كأنه يضع نقطة نهاية للمسار الماضي ليبدأ سطرًا جديدًا وكأنه يقول هذا هو الحل !
ومع ذلك، وعلى نحوٍ غير معقول، ظلّت الطبقة السياسية ومحركو عقول الشباب غارقين في نومٍ عميق، متغافلين عن دلالات هذا التحوّل .
– نحو حمائية اجتماعية وطنية
لم يفهم أيّ من أولئك أن غزواني يعبر في خطابه عن الحاجة الملحّة إلى تطبيق حمائية اجتماعية حقيقية، تحصّن المجتمع من الانقسام ومن التأثر بدعوات ومخططات الآخر التي تسري عبر خطاب الشرائحية والتطرف وقد عبر عن ذلك بلغةٍ تنمّ عن إصرارٍ ويقينٍ بأهمية هذا التوجّه الاستراتيجي، مفادها أننا أمام حتمية السقوط إذا واصلنا السير على هذا النهج.
وقد أكد بحزمٍ لقاء ذلك بقوله:
“لن يكون هناك أي تساهل بعد اليوم مع أي استخدام للقبيلة أو الجهة أو الشريحة في ممارساتٍ منافية لمبادئ الدولة الوطنية.”
وأضاف:
“يُحظر على الموظفين وأعوان الدولة – باعتبارهم رموزًا لها – تنظيم أو حضور أي فعاليات ذات طابع قبلي أو جهوي أو أنشطة متنافية مع ترسيخ مفهوم الدولة.
كما أن النزاعات القائمة على أساس قبلي، سواء تعلّقت بآبار المياه أو الحواجز الرملية أو غيرها من الممارسات المضرة بحاضر ومستقبل الوطن، لم تعد مقبولة نهائيًا، ولن يتم التساهل مع أي دعاية ذات طابع شرائحي أو عنصري.”
وأكد في الوقت ذاته:
“حرية التعبير مكفولة للجميع، لكنّ الطموح لتقدّم بلدنا وازدهاره لن يتحقق إلا ببناء دولة المواطنة التي تقضي على الفوارق والتمييز، فلا مكان في الدولة الوطنية للتراتبية القبلية أو الفئوية أو الشرائحية.”
إلا أنه لم يشأ أن يغلق القوس قبل أن يبدأ بنفسه، معلنًا تخليه عن نمط التسامح المفرط والصبر على المواطنين لكي يتغيروا برفقٍ وتدرّج، مبيّنًا أن التدرّج والصبر كانا منهجه في إدارة الشأن العام، لكنه حين تُتجاوز الحدود، لن يكون التسامح ممكنًا.
– خلاصة القول
إنها في الأخير أيضًا دعوة للشباب وأداة الفعل في المجتمع، وللقوى الساعية للتغيير أن تمدّ يدها للرئيس من أجل صياغة رموز جديدة لثقافة المواطنة والإصلاح، تنبع من التغيير والإصلاح والوطنية والمواطنة والعدل والمساواة ومحاربة الفساد، وتجري في إدارة الدولة والمجتمع مجرى الدم في الجسم.
وفي الأخير ليست هذه إلا خطوة وطنية تأسيسية لاعلاقة لها بالمعارضة أو الموالاة ولا بتجميل النظام ولا الدعاية للرئيس .
إنه اتجاه تصحيحي لمسار كان الجميع يتحسس منه ويطالب بوقفه لقد أوقفه الرئيس غزواني بصفة واضحة وقاطعة وصريحة وعلنية ، فماذا ننتظر !
على الجميع أن ينخرط في دعوته للتعبئة الشعبية لهذا الهدف من خلال إعلان انبيكت لحواش التاريخي .
– نعم لمنع الموظفين من المشاركة في الاجتماعات القبلية .
– نعم لوقف الدعوات التحريضية من خلال خطابات الكراهية والشرائحية
– نعم لدعم الرئيس وقد نفذ صبره مع جميع محاولة التهدئة والتسامح بعد أن اصبح أمن واستقرار البلد على المحك .
فهل من مجيبٍ لهذا النداء الوطني؟
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار



