السبت
2025/11/8
آخر تحديث
السبت 8 نوفمبر 2025

الوحدة الوطنية.. حتى لا يغيب العظماء في دهاليز النسيان

منذ 38 دقيقة
الوحدة الوطنية.. حتى لا يغيب العظماء في دهاليز النسيان
موسى ولد الشيخ سعد بوه ولد الشيخ أحمد أبي المعالي
طباعة

في كل أمة تأتي لحظات فاصلة تعيد إليها توازنها الداخلي، وتظهر فيها معدنها الأصيل، ومقدار وفائها لتاريخها وشعبها.
ولعل ما أعلنته الدولة الموريتانية مؤخرا من تسوية ملف أحداث عام 1989 الأليمة بين موريتانيا والسنغال، يمثل إحدى تلك اللحظات الجميلة التي تعلو فيها إرادة طي تلك الذكرى المريرة.

لقد كان ذلك الملف صفحة دامية في سجل الذاكرة الوطنية، خلف جراحا غائرة في الوجدان الجمعي للشعبين الشقيقين. وإذ تمتد يد الدولة اليوم لتضمد تلك الجراح، فإنها لا تداوي الألم فحسب، بل تعيد ترميم المعنى العميق للبنوة الوطنية، ومد جسر الأخوة بين الشعبين الموريتاني والسنغالي.

غير أن الوفاء لا يكتمل إلا إذا شمل من نذروا حياتهم لخدمة هذا البلد وأهله، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تعزيز التواصل الإنساني والروحي بين شعبي ضفة النهر، ومن بينهم الشيخ الجليل المربي الشيخ سعدبوه بن الشيخ أحمد أبي المعالي، ذلك العالم الرباني الذي جسد بسيرته معنى العالم المصلح، والداعية الحليم، الذي كانت حياته جسرا من المحبة بين الشعبين.

لقد عاش الشيخ سعدبوه في السنغال خادما للجالية الموريتانية، مساندا لها في شؤون دينها ودنياها، وناشرا روح التآخي والوئام في محيطه الاجتماعي. لم يعرف التفرقة، ولم يعرف الانغلاق، بل جعل من علمه زادا للوحدة، ومن حضوره منارة للتعايش.
وحين دهمت تلك الأحداث المؤلمة نهر الأخوة، كان من الواقفين على ضفته يطفئ الفتنة بالكلمة والخلق، حتى باغتته يد الغدر، فكان في سجل الشهداء الذين طهروا التاريخ بدمائهم، وكتبوا بأرواحهم صفحة جديدة من الإخلاص والوفاء.
كان استشهاده رحمه الله هو و30 من مريديه ومحبيه في ذلك اليوم الأغبر المؤلم، رزءا كبيرا، وخسارة فادحة تأبى النسيان والاندثار.
لا يريد هذا الشيخ اليوم من الدولة مالا ولا تعويضا، ولكن أظن أن من إتمام جميلها أن تعيد الاعتبار لهذا العالم الجليل، وأن تخلد ذكراه ولو بلفتة رمزية تحفظ اسمه في ذاكرة الوطن، ليبقى علما على طريق الأخوة بين الشعوب التي أفنى عمره في سبيلها.
لقد أحسنت الدولة صنعا حين فتحت باب المصالحة، وسيكون من تمام هذا الصنيع أن تكرم من كانوا شعلة مضيئة في زمن الفتنة، ورمزا للأخوة التي لا تموت.
ومن هنا فإن تكريم الشيخ سعدبوه بن الشيخ أحمد أبي المعالي، وتخليد ذكراه العطرة ليس مجرد واجب معنوي، بل هو إتمام لمسار العدالة الرمزية الذي بدأته الدولة، فالعدالة تظل ناقصة ما لم تمتد لتشمل رموز الخير والتضحية والوفاء.
أخوكم موسى ولد الشيخ سعد بوه ولد الشيخ أحمد أبي المعالي