هل موريتانيا مستعدة للحرب مع السينغال في حالة نجاح سونغو؟

بمناسبة إعلان ترشحه أمام الجمهور، أعلن سونوفو أنه في حالة نجاحه سيعيد حفر الأحواض النابضة السنغالية في منطقة كرمسار التي- حسب قوله -ظل مشروعها الوطني المعطل بضغط السلطات الموريتانية منذ زمن سنغور إلى اليوم والذي يعتبر -على حد تعبيره- نقصا من سيادة دولته، وأنه بالمقابل لن يتقاسم مترا مكعبا واحدا من الغاز إذا كان من نصيب موريتانيا .فهل بعد أن أصبح وزيرا أول ، وما يقتضيه ذلك من فهم للعلاقات والمصالح الدولية، وبعدما تأكد أن الرئيس الحالي سيقدمه خلفا له في الرئاسيات المقبلة، مازال يملك نفس التصور ونفس الموقف !
– شيء من الجغرافيا
تملك موريتانيا موقعا مميزا بالنسبة للسينغال، فهي تستفيد من النهر السينغالي بنسبة 26% مقابل 10% للسينغال ، ويقع أكثر من 60% من احتياطي بئر آحميم في أرضها ، الأمر الذي يمكن تأكيده بالضبط بعد مدة من الإنتاج ، ويمكن أن يكون ذلك مرجع حديث سونوغو أنه لن يطالب بتقاسم متر مكعب واحد من الغاز الذي يعود لموريتانيا .
كما تستفيد موريتانيا بنسب أكبر من الصيد الأمر الذي جعلها تدعم الأمن الغذائي السينغالي ب 50ألف طن سنويا من صيد الأسماك بشروط وأسعار ميسرة جدا لمصلحة الصياد السينغالي بثمن 11 دولار بدل 110 دولار للطن.
– شيء من التاريخ
يعد أندر لبيظ أرضا موريتانية تاريخيًا سواء تعلق الأمر بربطها باندر لخظر من خلال "صالة "جسر محمد لحبيب، وسواء لكونها امتداد طبيعي للأرض الموريتانية حيث يعد النهر هو الحدود الطبيعية بين موريتانيا والسينغال، بينما يرتبط أندر لبيظ بموريتانيا ضمن نفس الامتداد الطبيعي على اليابسة دون أي حاجز مائي حيث يمكن دخوله من نواكشوط عبر شاطئ البحر ،كما كان عاصمة ومقراً لحاكم موريتانيا الفرنسي .
كما أن انيور في مالي كانت جزء من الاتفاق الذي أبرمه حاكم كيهيدي الفرنسي العقيد آرشنار سنة 1894 مع بكار ولد اسويد أحمد حول حقوق التجارة مع الفرنسيين من كيهيدي إلى أنيور ، وفي نفس السياق ظل جزء مهم من شمال مالي في اتجاه تنبكتو يخضع لمجموعة قبائل موريتانية بعد حرب الطوارق مع العرب هناك حيث استنجد حمادي ولد الشيخ سيدي المختار بالقبائل الموريتانية ومدته كل قبيلة بعناصر منها. ويقال أن هذا هو سبب وجود أغلب القبائل هناك .
ومن الصحراء الغربية إلى تيرس الزمور كان منتجعا لقبائل وإمارات موريتانية وذلك عبر الشعر العربي والحساني، وأكبر دليل على ذلك إطلِّع التي استظهر بها الوفد الموريتاني في الأمم المتحدة للأمير محمد ولد أمحمد شين: التي گافها "نجع لعنايَ والتشطاط …سوْحلِت مبروم الليّ ….كال ساحل عكلِتْ لمباط…أكال نلْ المداحيّ"
"گلب مجيك أگلب الغين ….
ويقول محمد الطلبة اليعقوبي
أويـنتجعن مـع الـعشي مـراتعا
بين "الأطيط" فأجبل "انتاجاط"
يقول لبّيخيري ولد اجّه الشنابكي البافوري راعي البخاري ولد الفلالي الباركي:
ألا ليت شعري هل أبيتنَ ليلة :: بوشل الكدى فالمنحرين فمادس
وهل لي إلى جلوى مصيف ومربع :: وهل لي إلى سكانها من معرس
وتوجد بها أيضا مجموعة من أضرحة الأولياء والأعيان الذين طبعوا تاريخ المنطقة مثل الشيخ الولي الصالح محمد المامي مدفون بأيك
و عند «جلوى» يرقد العلامة النحرير مولود ولد أشفغ أعمر اليدامي اليعقوبي.
وعند "دومس" قرب مدينة آوسرد، حيث يرقد العلامة محمد بن محمد سالم المجلسي.
وضريح عالم تيرس وشاعرها امحمد بن الطلبة اليعقوبي عند «كدية أنتاجاط» ، وضريحي العالمين البخاري بن محمد بن سيدي عبد الله، وأحمد بن أماه بن عبدم ، وعند «أرش أعمر» نجد محمد بن عبد الله بن الشيخ المختار الدميسي السباعي، ومن «أهل بارك الله» الأمين بن بارك الله أول دفين، وأحمد بن عبد الله بن بارك الله، وسيد المختار وعلي ابني الفلالي، وأحمد بابا البخاري بن الفلالي، وعبد الله العتيق بن بارك الله بن أحمد خرشي، والزمراگي بن العتيق، وعبد العزيز بن الشيخ محمد المامي.
في الجانب الغربي للتاجاط تقوم كدية مادس ولدى نحرها عند «جلوى» نجد ضريح باب أحمد بن الأمين بن الشيخ سيدي المختار الكنتي، وجلوى إمامها البخاري بن الفيلالي وبها أحمد دولة بدر المجلس، اليعقوبي اليدامي.
ويلي ذلك قبر العلامة مولود بن أشفغ أعمر اليدامي اليعقوبي أعلم علماء المنتبذ القصي العالم الشهير الشهيد الجليل.كما كان واد الذهب و مدينة الداخلة جزء من الحوزة الموريتانية حيث ظل يتردد عبر أثير المحطة الإذاعية في الداخلة المربوطة بالإذاعة المركزية في نواكشوط خاصة عند النشرة صوت المذيع: "هنا إذاعة الجمهورية الإسلامية الموريتانية من نواكشوط والداخلة" .لم يتمكن المختار ولد داداه رحمه الله من استعادة أراضي الجنوب، وذلك مرتبط برهان الدولة المركزية الذي نشأ مع الاستقلال بعد مطالبة المغرب بموريتانيا كجزء منها ، وعندما انتهى من ذلك الرهان لم يستطع المطالبة بالأراضي في دول الجوار وإن كان حافظ على بعض الأراضي الشمالية، لكن الجيش تنازل عنها بعد الانقلاب وحافظ كنجاح مخزي على الحياد الإيجابي الذي هو في الواقع سلبي من جوهر القضية .
– عود على بدء
الوزير الأول السينغالي، المرشح للرئاسيات المقبلة، لا يدري من أين يبدأ في حلمه النهضوي للسينغال، لكن البحث عن الحرب ليس هو الخيار الموضوعي للنهضة. صحيح أن السينغال بحاجة لكمية كبيرة من المياه من أجل ري 300 ألف هكتار مقابل 100 ألف هكتار هي ما تم استصلاحه في موريتانيا و30 ألف هكتار في مالي مقابل 53% من نصيبها من مجرى مياه النهر الطبيعية في أرضها ،لكن هذه الوضعية لا تتيح للسينغال فرصة الاستيلاء على مياه النهر بتوجهيه إلى داخل أراضيها بسبب قلة نصيبها منها .
مياه النهر ومجاريه كلها تخضع في تسييرها لاتفاقية دولية بين دول النهر الأربع: دولة المنشأ ودول عبور النهر.
إن العودة لمشروع الأحواض الناضبة الذي أسس لمشكل جوهري سنة 2000كاد يقود لحرب بين البلدين (فترة معاوية وعبد الله واد )لولا تدخل الحكمة والتعقل، لا يقتضيه حسن الجوار ولا الشراكة ولا الاتفاقيات والقوانين السارية المنشئة والمنظمة لمنظمة نهر السينغال منذ 1970 والتي عهد لموريتانيا بإيداعها لدى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي كاتفاقية دولية . إنه مشروع في الواقع من تمويل اسرائيل حينها يقضي بتوجيه60% من مجرى مياه نهر السينغال عن الأراضي الموريتانية عبر مشروعين يتعلقان بحفر قانتين من گيير إلى لينگر ومن ماتام إلى لينگر نحو مارك مامارسار. وهذا يعني قتل الزراعة في موريتانيا .
فهل يمكن أن يكون هذا سيادة السينغال أو استرداد لحقوقها أو العمل بمنطق حسن الجوار ؟!.ومهما يكن الجواب، فإن موريتانيا، حتى ولو كلفها ذلك دخول حرب، لا يمكنها أن تقبل بهذا المشروع تحت أي ظرف .إنها تملك جميع المبررات في ذلك .ويبقى السؤال المطروح: هل يعي سونغو ما يقول بجدية ؟ أو يريد خلق ورقة ضغط على موريتانيا أمام ظهور حقيقة احتياطي حقل الغاز في آحميم والنصيب الحقيقي لكل بلد على حدة مما يترتب عليه اتفاقية تقاسم جديدة للإنتاج؟ وعلى كل حال، لا تعد مثل هذه التصريحات، من شخصيات رفيعة المستوى ويستمع لها بجدية عدد واسع من المواطنين، تصريحات ودية اتجاه دولة جارة وصديقة ولديها علاقات متعددة ومصالح متشابكة مع جارتها، فهو يحيل إلى عدم الوفاق وإلى الاحتقان وشحن عواطف الشعوب ودق اسفين الحرب وغيرها من الأمور التي يجب أن يكون تم تجاوزها بين موريتانيا والسينغال .الأمر الذي يتعين على سونوغو الرجوع عنه أو على الأقل الاقلاع عنه في المهرجانات والإعلام وكل وسائل الشحن الجماهيري .
فموريتانيا والسينغال جارتان وعلاقة مجتمعيهما متأصلة ومتآخية ، والدفع بهما للحرب ليس عملا وطنيا ولا إنسانيا ولا سياسيا، ولن تكون نتائجه في مصلحة النهوض، ولن يتيح فرصة للضغط على موريتانيا من أجل تخليها عن حصتها الجديدة من الغاز لو اتضح أنها تملك الحصة الكبيرة منه ،الأمر الذي سيحمل للسينغال خسارة كبيرة في توقعاتها وطموحها الزائف على الغاز الذي بنت عليه مقاربة اقتصادية واجتماعية وحشدت لها التصورات حيث ستصطدم بالواقع ،كما لن يدفع ذلك موريتانيا للتخلي عن نصيبها من مياه نهر السينغال وهي بحاجة إليها في توجهاتها الجديدة ليس فقط لتحقيق الاكتفاء الذاتي بل التصدير للخارج .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار