إذا ظل وطننا يسير على هذا المنوال فستسقط دولتنا سريعا
لا يوجد أي شيء يمكن أن تضع عليه يدك أو تشير إليه بإصبعك يسمى الدولة. إنها مجموعة من القواعد والقوانين التنظيمية والضبطية والإجراءات والمتابعة والاستشعار تتم في ضوء المصلحة العامة والحفاظ على السكينة والأمن العام والأمان الشخصي. كل ذلك يتم عبر توظيف مجموعة من المؤسسات والأشخاص والعقول والعلوم والأفكار والتاريخ والقيم والأرض والسلطة والشعب، يطلق عليها الدولة. وهذا هو المفهوم القانوني والوظيفي للدولة، ويعد جانب اليقظة أو التخطيط للمستقبل هو أعلى مراتب قوة الدولة. إن الحديث عن قوة الدولة ليس واردا في وضعيتنا ونحن لم نؤسس دولة بعدُ قادرة على الاضطلاع بهذه المسؤوليات. ذلّك الإستنتاج سيظل لبعض الوقت دون أن نقدر على دحضه. كل الأمور الشكلية تفيد بأننا دولة، لكننا في الواقع في دولة منزوعة الجوهر، منزوعة العمق، وتسير دون ضوء أو في الظلام .الأمور التي تجعل الدولة تسيير في الضوء هي وضوح الرؤية من خلال تحديد المنطلقات والأهداف واستلهامها بالمرجعيات والتاريخ فهمًا للدور وتقديرا للمسؤولية. إن أي زعيم سياسي اليوم، وفي كل يوم، يريد أن يأخذ قرارا تاريخيا في بلده، فإنه يتجه إلى الأمة تاريخها ودورها. ومن هنا ينساق المجتمع -كل المجتمع- في ذلك القرار الذي يُتَصور أنه جزء منه، من عظمته وفخره واعتزازه، حتى الأمة التي ليس لها تاريخ تخلق قيما مشتركة كمرجعيّة للعزة والكرامة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ،واسرائيل. نحن في موريتانيا لا يوجد زعيم سياسي يفهم ذلك ويعمل به حتى غزواني -علينا انفهم أنه من صلب المجتمع -
لم يعتمد على مثل ذلك في حملته الانتخابية. إنها جُمل منفصلة عن الالتزامات السياسية. إنه انسجام في النهج سائد فرضته الدولة الحديثة من طمس تاريخنا الذي تفرّق بين دول الجوار، وتم تسجيل ثقافاتنا في الأمم المتحدة باسم دول أخرى. فنحن نسير من دون تمثل لماضينا العظيم .القليلون من بيننا من يعرفون أسباب وجودنا تاريخيا وثقافيا وفكريا، ويعرفون أهمية ذلك بالنسبة لاستمرار وجودنا، وكيف، ولأي ضرورة يجب الحفاظ على ذلك. لا توجد خطوط توافق :مقاومتنا ليست مقاومة وطنية، وأبطالنا ليسوا أبطالا، وتاريخنا ليس تاريخاً مشرفا، وتجلياتنا المضيئة في العالم الإسلامي أثناء انحاططه ليست لنا جميعا ليس ولد اتلاميد ولا ولد مايابه ولا سيدي عبد الله ولا الشيخ ماء العينين ولا بكار ولا ولد مولاي الزين ولا……ليسوا أبناء الوطن ،مثلما عبدالقادر الجزائري رمز وابن الدولة والشعب و عمر المختار الليبي وعبد الكريم الخطابي المغربي أدهم خنجر اللبناني وعبد العزيز المصري وغيرهم . الكل يبحث عن إثبات نفسه القبلية أو الأسرية وبأي ثمن . لا يوجد أي شيء إسمه "الكل"، كل ذلك محل طعن وجدل. الكثيرون من داخلنا ينظرون إلينا وكأننا دولة لا أب لها، دولة "فرية "، دولة انبجست من لا شيء، بمن في ذلك من يريد رئاستنا في المستقبل، لأن كل الأمور التي تتعلق بتاريخنا لا تجري في عقولنا ولا في دمائنا بسبب عدم فهم وتعلم ذلك وليست موضوع جذب سياسي ياله من طريق مسدود يوجب علينا قياس المأزق .إنه ابرز أسباب السقوط، بل هو السبب الأول لسقوط الدولة الوطنية .
إن السبب الثاني، أن لا تكون الدولة فاعلة من تلقاء نفسها من تفعيل واحترام القوانين ومراقبة وتسير المصالح المتعارضة بعدالة، وخلق روح وخلفية للقوانين حتى تكون قرارات الدولة تتطلب اسنادا من خارجها، وغالبا ما يكون بتوجيه الغوغاء .الفاعلية القصوى اليوم للبلد تسير من خلال الفضاء الالكتروني المملوء بكل السوء والنوازع وعدم التقييد بالقيم والأخلاق وحتى بالقوانين. إن رئيس الجمهورية وجميع الحكومة وكل القواد العسكريين، يراقبون عن كثب ويهتمون بأعلى ما عندهم من اهتمام بهذا الفضاء ويعرضون عن مراكز الفكر وعن العقلاء والمفكرين وكان ما يتوجب عليهم فعله هو السكوت والرضا بالتهميش ،بينما تمتلئ أجنداتهم بالصنف الأول، وهكذا نجد أن الدولة دائما فاعلة وكأن لم تكن فاعلة أي وقت أمام إثارة اي موضوع على جدار صفحات المدوننين، حتى وإن كان على نحو خاطئ ومضلل ويجب معاقبة صاحبه أشد العقاب ، كما أن لهم أعتبارا خاصا لأولئك المغمورين أو المرتشين أو السطحيين الذين خلقت منهم التفاهة أصحاب رأي وصانعي محتوى إعلامي وسياسي، وإن كان من دون أي احترام للقواعد والقانون والمهنية، ومن دون أي محتوى أصلا …أيُّ دولة يمكن أن يوجّه هذا النمط دورها وقانونها وفاعليتها وتريد بعد ذلك أن تظل دولة!!! .
إن الدول في العالم تسير عبر نظام يعمل وحده عبر صلاحيات وانتظام، ويأخذ فاعليته من المتابعة والاستشعار والقانون، فبالنسبة للاقتصاد فظهور حركات غير اعتيادية للمال أو لرؤوس الأموال أو لمظاهر البذخ وغيرها، هناك هيئات حكومية مختصة في ذلك وتتابعه بدقة وتقوم بعملها دون الحاجة للغوغاء، فالأمر مرتبط بالأمن القومي. وهكذا لايمكن للحركات أو التصرفات التي قد تضر بالاقتصاد أو المجتمع أن تترك حتى تتم إثارتها وعلى نحو خاطىء ومضلل واستهدافي من هذا الفضاء.
القواعد العامة التي تُسيِّر الدولة هي أن تكون أجهزة الدولة على علم ودارية، كل فيما يعنيه، بكل ما يدور بداخلها ولها تنسيق حول ذلك، السياسات العامة لايمكن أن توضع في غياب المعلومات العامة ، وفي ضوء نهج عقلاني مجرد من الذاتية والعاطفة والميولات الشخصية أنها الدولة .أما بالنسبة للمجتمع، فلابد أن تكون هناك ثقافة الدولة أو التوجه الثقافي الذي تخدمه الدولة وتدعمه وتفرضه من خلال المناهج والمدارس والسلوك العام، وأن تكون المفردات الخطابية في السياسية والإعلام والثقافة تحترم ذلك وتلتزم به. وبما أننا إلى الآن مستعمرة فرنسية من الدرجة الثالثة "اللغة والتوجهات "، ففرنسا هي النموذج العالمي لذلك المنهج الفرنسي هو الذي يدرس في الكاريبي في جزر المارتينك .إننا اليوم نكاد نكون أمام دولة "ارهينة"، بلغة أهل الحيوان، لا تقوم لتحافظ على حياتها إلا عندما تجد من يضع يده تحتها من عامة الناس! فهل هذا مقبول !
فهل يجب أن يكون القضاء فاعلا فقط عندما يوجد قذف أو عندما يصبح السلم مهددا !
وهل حقا سلطات السيادة النقدية اليقظة غافلة عن تهديد الاقتصاد والعملة حتى تتم إثارة ذلك في الإنترنت ! .
أما السقوط الثالث، فهو من اتساع منطقة التهديد الكبير والمباشر و التأجيج الذي ينطلق من هذا الفضاء خاصة البث المباشر والذي يمر، بكل اخطائه وتهديده، دون عقاب.
إننا اليوم نسمح لآلاف الإذاعات الجديدة التي ليست لها مساطر ولا قواعد ولا نظام، المسماة البث المباشر أوالمنصات، بتفكيك مجتمعنا وبزيادة الضغط والرهانات على الدولة. لقد وقعت دول افريقيا في حروب أهلية بسبب إذاعات الترددية FM كما تم تجريد روساء من مناصبهم بسبب الدعاية الكاذبة كما فعلت آمريكا بنويريگا، وتم تحطيم دول بسبب نفس الدعاية مثل العراق وليبيا والسودان واليمن وسوريا. وكل ذلك أتاح للأجانب التدخل في هذه الدول لإرساء النظام الديمقراطي لعزل ديكتاتور وغيرها رغم أن الدعاية كانت كاذبة (مغالطات وتضليل وبث الرعب والشائعات)، وكل ذلك يحدث وببساطة عندما تكون هناك مصالح كبيرة للأجنبي، ويجد من الغوغاء والمرتزقة من يدعمه في الوطن، إضافة إلى التأجيج الداخلي في مجتمع تكثر فيه النعارات والقبلية والمصالح، كيف لايمكن تنظيم ذلك الشطط وتفعيل قوانين الجريمة السبرانية فحتى يتمزق المجتمع .
إننا اليوم نتساءل عن نتيجة هذه الزوبعة التي دخلت كل بيت خلال اسبوع من التأجيج والتجمهر القبلي وسيطرة الإفك على عقول الناس، وعن عاقبتها ؟هل سننتظر إثارة قنبلة أخرى بعد فترة قصيرة لتنهض الدولة وهمتها وبياناتها المهزوزة التي تأتي دائما في موقع الرد! وماذا بعد !
هل ننتظر أن يأتي الأجنبي ليفرض التعاطي مع هذه الافتراضات والادعاءات ارساء لارادة الشعب؟
وهل ننتظره أيضا لكي يرسي دعائم قانون القذف واحترام الخصوصية وتدمير المجتمع؟
إننا ننظر في تعامل الدولة مع هذه الأحداث صونا لسيادتها وكرامة المجتمع لأجل المستقبل. وهنا ستقرر الدولة أين ستضع قوتها ودورها وتقديرها للأمور بالنسبة للدولة التي لا تريد أن تسقط .
فهل يحق لنا بعد ذلك أن نرتاب في استمرار دولتنا !!!!!!
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار