قراءة في خطاب الوزير الأول المختار ولد أجاي أمام البرلمان(الحلقة الثانية)
الحلقة الثانية من قراءة في خطاب الوزير الأول المختار ولد أجاي أمام البرلمان
2-القراءة
يشكل هذا الخطاب بداية مغايرة .
البدايات نوعان بداية ثورية تقوم على مسح الطاولة وتغيير ميكانيزمات الحكم وتتطلب إعلانا عاما بذلك ولا يمكن أن يقوده إلا صاحب الشرعية نفسه . وبداية تحاول إدخال بعض الإصلاحات على هامش النظام العام خاصة الاتجاهات الكبرى قد لا تطال كل مناحي الدولة وقد تؤسّس بشكل جزئي لعملية تحول قد تكون شاملة في النهاية لكنها تبقى الأصعب في الحقيقة لأنها محاولة بناء على الركام وتتطلب شرعيتان متلازمتان ومتساوقتان وبنفس الوتيرة شرعية الرئيس الشرعية الأصلية وشرعية التنفيذ أي مقبوليته .
إن هذا الخطاب من نوع البدايات الثانية وهكذا سيواجه ما تواجهه أي عملية إصلاح غير مرغوب فيها بالنسبة للقوة النافذة في الدولة ومن دون تحضير عام من حيث عامل الوقت وحشد التأييد في ظروفها وشروطها إنها مثل العملية القسرية ولهذا سيكون الرهان بشأنها مضاعفا لأن الذي يقودها هو الرجل "الثاني "والذي يواجه معارضة مبدئية في اتجاهات مختلفة فقط لأنه هو ، مع أنه حظي برسالة تكليف وبثقة تامة من الرئيس كما أظهرت بنية الحكومة أنه مطلق اليد في قطاعات مهمة بالنسبة لحياة الناس وللاقتصاد والتي يسعى الرئيس أن يحدث من خلالها نقلة نوعية أو تحول حسب التزاماته الانتخابية في ظروف الناس المعيشية وفي آلية وفاعلية التسيير ينضاف إلى ذلك أن غزواني لا يتغير بسرعة وأن المختار ولد جاي نفسه أيضا من الذين يستخدمون صلاحيتهم ملء حدودها إنه وهذا تحصيل حاصل بارع في أين يضع قدمه وبالتالي لن يتأثر بالقوة الموازية وهكذا وبصفة عامة تعتبر هذه التوليفة قابلة للحياة والتأثير .
لقد كشف الخطاب عن قدرة الوزير الأول على سرعة التمعن في كل الملفات ونفض الغبار عنها إنه يتكلم من موقع المعرفة لكن أيضا من موقع القوة "….وستعمل الحكومة جاهدة على أن يكون الطابع العام لعملها متسما بالتضحية وبالجدية وبالفعالية في الإنجاز والعقلانية في الخيارات والشفافية والنزاهة في تعبئة واستخدام الموارد العامة للدولة والحرص الفائق على القرب من المواطنين ومساواتهم أمام العدالة وأمام الطلبية العامة وفي ولوجهم لفرص العمل في المرفق العمومي وإجمالا في الكرامة وفي الحقوق والواجبات". إنه يتحدث كما لو كان رئيسا فعليا لهذه الحكومة ومفعم بالإرادة رغم أنه وزير أول فقط ومرد ذلك أنه يعمل بمقتضى رسالة التكليف .لقد ظلت نبرته قوية وتصاعدية في الخطاب خاصة عندما وصل لمحاربة الفساد ولمسألة الصحة والتعليم والظروف المعيشية للمواطنين وكأنه أحس بأنه يتحدث عن أمور جوهرية تدخل في صلب تكليفه .كما كان الخطاب وليد ثمرة عمله في غضون شهر فقط حيث أسفرت عن مجهودات متعددة التصور التخطيط ووضع آلية التنفيذ ألم يكن ذلك رائعا حقا ، ما الذي يريد هؤلاء التخذيليون أليست هذه دعوة صريحة للإصلاح أوليست هذه مشاريع ميتة سيتم إنجازها في آجال قريبة ولمصلحة المواطن مباشرة أليست هذه دينامكية حكومية وإدارية قوية ، زيادة على ذلك ليس هذا كل شيء فحسب إنها فقط البداية "فمال هؤلاء لا يكادون يفقهون حديثا " .
إن هذا المسار سيحتاج لمشروعية سياسية كبيرة حتى تصبح سلطته فكرة حقيقة تحوز كل شروط الصلاحية أي من خلال صلتها الشديدة بشرعية الرئيس وبالبرنامج الانتخابي وهكذا يتعين على الرئيس أن لا يكتفي بخطاب التكليف وحده ورفع ظله فوق المسار بل يجب أن يدافع عن هذا التوجه بقوة وباستمرار فهذا الخطاب تجسيدا فعليا لبرنامجه وسيتضمن قرارات مؤلمة وقاسية بالنسبة للقوة الجاثمة على صدر الدولة وتمتص رحيقها تلزمها شرعية الرئيس نفسه .
لقد أخذت دولتنا في المشيب وهي في ريعان شبابها كل شيء غض لكنه استنزف على طريقة القهر فقد انتزعت خيراتها من بين أضلعها بلا مردودية ومن دون قلب. الناس التي قامت بذلك وظلت تقوم به هي التي تفتح النار على كل خطوة إصلاحية وتقسم في الإعلام صكوك الخيانة مستفيدة من ركوب موجات التخذيل والتحبيط والتخوين ومن الركوب على ظهر أي نظام جديد .
رغم ذلك يظل خطاب الوزير الأول إجراءات عملية وفورية لفرض رقابة على سوق المواد الغذائية وعلى الاتصالات وعلي بيع الأدوية وعلى استرجاع أموال الشعب المنهوبة وعلى فرض أصحاب الأشغال العامة على تسليم الأعمال في غضون فترة قصيرة وشق الطرق في المجال الزراعي وبناء خزان للنفط بسعة 100 الف متر مكعب مما يتيح فتح المناقصات على مصراعيه للموردين الدوليين الكبار إنه مساس بالمصالح العميقة والدخول في عش الدبور ،فهل سيمر ذلك بسلام ؟ إنه توجه موجع وسيضرب المصالح العليا لنخبة البلد المعششة في النظام كل نظام في مصدر ثرائها غير المشروع وفي آليتها لتقاسم خيرات البلد وليس فقط في الحال كما يخطط له الوزير الأول وتلك هي الطامة الكبرى بل جوهريا وأيضا في المستقبل ،فمن هو ولد إجّاي هذا حتى يكدر صفو مصادر ثرواتنا وبذخنا ، إنه يضع نمطا جديدا للصفقات يفرض حالة قصوى من الانضباط إنه سيحارب مجموعات أفرخت في الدولة عبر نظام يتيح فقط لنمط معين من الناس أن تظل في واجهة الأعمال والنفوذ والتأثير في الدولة ،فهل هذا من مصلحة الشعب وهل يتماشى مع مطامح ومطالب وطموحات الناس خاصة الشباب الذين يطالبون بتغيير الأحوال بالإصلاح بتحرير الفرص في البلد أمامهم وأمام أبناء الفقراء .إن الذين يعارضون هذا التوجه هم الذين يدعمون أن تبقى الدولة رهينة تحالف ضد مصلحة الشعب وهم من يقف في وجه توسيع قاعدة توزيع تكافؤ الفرص فليس المهم من هو ولد أجاي لمن لايريد أن يعرفه بموضوعية أو يبني موقفه على التجربة ، بل المهم هو الإعلان ، هو البرنامج هو الخطوات المعلن عنها والذي سيلتقي مع تفعيل الوظائف الحكومية وفرض عملية اندماج في هذه الدينامكية القائمة على التصور والتخطيط والتنفيذ والمتابعة ،لابد للأفراد في الدولة من أن يوائموا أنفسهم مع هذ المرحلة القائمة على العمل الدؤوب وفق الإعلانات إنه يتوجب علينا والحالة هذه دعم هذا الإعلان أو منحه حسن النية حتى يبلغ أجله ، أليس الصبح بقريب !
لقراءة الحلقة الأولى
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار