الجمعة
2025/10/17
آخر تحديث
الجمعة 17 أكتوبر 2025

حين تُدار الوزارات من الخارج… وتُختطف التنمية من الداخل

منذ 58 دقيقة
حين تُدار الوزارات من الخارج… وتُختطف التنمية من الداخل
طباعة

في وزاراتنا اليوم، لم تعد الإشكالية في ضعف الموارد أو غياب الرؤية، بل في تشابك الولاءات وتعدد مراكز القرار داخل المؤسسة الواحدة.
خذ مثلًا وزارة الصيد والبنى التحتية البحرية والمينائية، حيث يجلس على مكاتبها ستة مدراء كلٌّ منهم وزير سابق، ما زال يحمل في داخله لقب (معالي الوزير)حتى وإن لم يعد في المنصب.
كل واحد يرى نفسه صاحب تجربة، وصاحب الفضل، وصاحب القرار. أما الوزير الجديد الشاب الطموح فليس أمامه إلا أن يتحرك في حقل ألغام إداري، تحكمه الأنا قبل القوانين، والمصالح قبل الصالح العام.

كيف لوزيرٍ يريد الإصلاح أن ينجح، ومفاتيح وزارته في أيدي غيره؟
كيف يمكن بناء سياسات تنموية واقتصادية حين تكون الأوامر تأتي من خارج الجدران، والتعيينات تُفرض بقرارات سياسية لا مهنية؟

إنها المعضلة الكبرى في الإدارة الحكومية حين تتحول المؤسسات إلى منصّات لتصفية الحسابات السياسية، لا إلى أدوات لإنجاز المشاريع.
تُطلب من الوزير أهداف تنموية واقتصادية واجتماعية، بينما تُكبَّل يداه بتدخلات تجعل تحقيقها مستحيلًا عمليًا.
يطالبونه بالإنجاز، لكنهم لا يمنحونه حرية القرار،
يحاسبونه على النتائج، لكنهم لا يتركون له أدوات التنفيذ.

هنا يتجلى الفشل البنيوي في منظومة الحكم: حين تكون السياسة هي الأداة، والولاء هو المعيار، والصوت الانتخابي أغلى من الشهادة والخبرة والكفاءة.
وحين تضيع البوصلة بين التنمية والسياسة، تتراجع المشاريع، وتغيب الكفاءة، وتُصاب الإدارة بالشلل.

إننا أمام أزمة وعي قبل أن تكون أزمة إدارة؛
أمام دولة تطلب من وزرائها أن ينجزوا المستحيل، بينما تسلبهم القدرة على الفعل.
إن التنمية لا تُدار بالهاتف ولا تُفرض من الخارج، بل تُبنى من الداخل، بعقولٍ حرةٍ، وإرادةٍ حقيقيةٍ، ومؤسساتٍ تضع الكفاءة فوق الانتماء.

فمتى ندرك أن التنمية لا تحتاج إلى أصواتٍ تصفق، بل إلى عقولٍ تُفكر وتُنجز.
الاتحادية العامة للصيد FGP