الأربعاء
2025/10/15
آخر تحديث
الأربعاء 15 أكتوبر 2025

موريتانيا وFiTI: شراكة بلا مضمون… وتكريم لا يلامس الواقع

20 يوليو 2025 الساعة 11 و22 دقيقة
موريتانيا وFiTI: شراكة بلا مضمون… وتكريم لا يلامس الواقع
طباعة

رغم توقيع موريتانيا على مبادرة الشفافية في مصايد الأسماك (FiTI) منذ سنوات، والتزاماتها المعلنة بتوفير المعلومات حول الثروة البحرية وتسييرها، فإن ما يُقدم على أنه نموذج للشفافية لا يعكس لا من حيث الممارسة ولا من حيث الأثر حقيقة ما يجري داخل القطاع، بل يكاد يكون مجرّد واجهة خطابية تُجمّل واقعًا ملتبسًا يعاني من عجز مؤسسي واضح.

فمن حيث الشكل، التزمت موريتانيا بتوفير أكثر من 70٪ من المعلومات المطلوبة ضمن المبادرة، وهو أمر لا يمكن إنكاره، لكن حين ننظر إلى جوهر المعلومات التي تُشكل عماد الشفافية والمساءلة، نجد أن العناصر الأهم لا تزال غائبة عن الساحة، وأبرزها:
• عدم تطبيق المادة 32 من مدونة الصيد البحري، التي تنص صراحة على ضرورة نشر قائمة المستفيدين من حقوق الامتياز. ورغم مرور سنوات، لا تزال هذه القائمة طي الكتمان، في تجاهل واضح لنص قانوني صريح.
• غياب الشفافية حول الحصص والتجاوزات، حيث لا توجد بيانات مفصلة تُظهر التزام السفن بحصصها، ولا تُنشر قوائم المخالفات والغرامات، ولا توجد إشارات رسمية إلى التراخيص المجمدة أو المسحوبة.
• تآكل مصداقية الخطط العلمية، إذ يتم استغلال بعض المصايد خصوصًا مصيدة الأخطبوط رغم انتهاء صلاحية خطة تسييرها، ودون تقييم علمي محدث للمخزون، في خرق صريح للمعايير التي تتبناها FiTI نفسها.
• التلاعب بالمبدأ المناطقـي، حيث يتم تمرير عمليات صيد تجريبي مقنعة، استمرت زهاء ثلاث سنوات، خارج الفلسفة التي أنشئت لأجلها خطط الاستصلاح.
• عدم توفر قاعدة بيانات دقيقة ومعلنة حول عدد الزوارق النشطة في الصيد التقليدي، في وقت يُفترض فيه أن تكون هذه المعلومة من بديهيات الشفافية في أي بلد يراهن على الاستدامة.
• تحوّل نظام الحصص إلى نظام الجهد، نتيجة لعدم فعالية آليات المراقبة والبحث العلمي، وضعف القدرة على تقييم المخزون وتطبيق الضوابط، ما جعل التحكم في الاستغلال يتم بشكل غير دقيق ولا مؤسس.

الشفافية ليست إصدار بيانات… بل العمل بها

الخلل الجوهري لا يكمن فقط في مدى توفر المعلومات، بل في غياب الإرادة المؤسسية لتوظيف هذه المعلومات في صناعة القرار، والعمل الفعلي بالتوصيات والتقارير الصادرة عن الجهات العلمية والمهنية المختصة. فالمشكلة لم تعد مشكلة بيانات، بل أصبحت مشكلة تطبيق؛ أي كيف ننتقل من التوثيق إلى التفعيل، ومن النشر إلى الأثر.

الشفافية لا تعني الاكتفاء بنشر تقارير تجميلية أو بيانات غير حساسة. بل تعني نشر المعلومة الجوهرية في وقتها المناسب، وتفعيل القوانين، وربط القرار بالمعلومة، والمعلومة بالمحاسبة. فحين تُغيب قائمة الامتيازات، ويُجهل حجم الاستنزاف الحقيقي، ولا يُفعل الردع القانوني، تصبح كل بيانات الشفافية مجرد واجهة فارغة.

وإذا كانت FiTI تؤكد أن 70٪ من المعلومات قد نُشرت، فإن السؤال الجوهري يبقى: ما قيمة الـ70٪ إذا كانت الـ30٪ الغائبة تتضمن كل ما هو جوهري وأساسي في مساءلة أداء القطاع؟

FiTI: مبادرة واعدة… لكن بلا أنياب

مما لا شك فيه أن FiTI تمثل مبادرة طموحة وواعدة على المستوى الدولي، لكنها ما تزال في طور التأسيس، وتسعى لاستقطاب أكبر عدد من الدول، دون أن تملك أدوات رقابية صارمة أو آليات لمساءلة الحكومات. إنها ليست هيئة تدقيق مستقلة، ولا تفرض عقوبات، بل تُراهن على الالتزام الطوعي، وهو أمر لا يكفي لضمان الشفافية الفعلية في بلدان تعاني من ضعف الحوكمة.

ولذلك فإن التكريم الممنوح لموريتانيا، رغم رمزيته، لا يعكس بالضرورة نموذجًا يُحتذى به، بل قد يُفهم باعتباره مكافأة على مشاركة شكلية أكثر من كونه اعترافًا بإصلاح عميق وفعلي. كما أن استثماره الأكبر جرى في الخطاب الدبلوماسي والسياسي، أكثر مما انعكس على آليات الإصلاح الداخلي.

الطريق إلى الشفافية الحقيقية

نحن لسنا ضد الشفافية، ولا ضد المبادرات الدولية، بل على العكس، كنا وما زلنا من الأوائل الذين دعوا إلى تطبيق المادة 32، ونشر قائمة الامتيازات، وكشف بيانات التراخيص والمخالفات، وتدقيق أعداد الزوارق والسفن، وإتاحة الأرقام الحقيقية حول الإنتاج والعائدات والتجاوزات.

لكن ما يحدث اليوم لا يرقى إلى ذلك. إنه محاولة لتقديم الحد الأدنى من الشفافية كإنجاز كبير، في وقت لا يزال القطاع محكومًا بالغموض، ومفتوحًا أمام اختلالات تؤثر على استدامته وعدالته ومردوديته الوطنية.

إن الشفافية الحقيقية تبدأ حين تتوافق النية مع الفعل، والقانون مع التطبيق، والمعلومة مع القرار. وما لم يحصل ذلك، فسيظل التكريم مجرّد حدث بروتوكولي لا يغيّر شيئًا من عمق الاختلال.
الاتحادية العامة للصيد FGP