هل مازالت فكرة المنطقة الحرة قائمة!!؟؟

بين منطقتي جذب كبيرتين المغرب(الداخلة ) والسينغال (داكار )يقع انواذيبو كمدينة صغيرة في شكل أرخبيل أو شبه جزيرة تكاد نفسها تخرج من بين أضلعها بسبب ضغط المحيط الأطلسي الذي لن ينفك والحدود الشمالية التي تسعى المغربية لابتلاعها بنهم ،وفي جزء المدينة الجنوبي تضع امبراطورية اسنيم سلطانها. إنها مدينة منكوبة جغرافيا ويقع مناخها بين منطقتين: صحراوية جافة وساحلية متوسطة البرودة ، ورغم وفرة الصيد الذي يصل مخزون البلد منه 1,3 مليون طن سنويا بسبب تيار كاناريا الذي يحمل مادة لبلاكتون التي يتغذى علبها السمك . والميناء الوحيد لتصدير خامات الحديد الموريتاني 12 مليون طن من ميناء منذ الستينيات فإن المدينة(العاصمة الاقتصادية للبلد ) تفتقر لجميع وسائل الراحة العصرية وجميع وسائل الحياة التكنولوجية، بينما يأخذ كلا من المغرب والسينغال بأسباب التطور وبحماس يدفعهما للانفتاح الواسع على العالم إلى تثمين موقعيهما الجغرافي وينتجان بشكل مستمر مناخا لجلب الاستثمارات إنهما يعملان على تطوير بلديهما من خلال تبديل النظرة الاقتصادية وهكذا يجد انواذيبو نفسه وهو يعلن عن منطقة اقتصادية حرة في وضع صوري بالنسبة لمنطقة حرة ليست منافسة بل تجلب بعض المستثمرين رغم الامتيازات الأخرى . صحيح أن الدول عندما تعلن مشاريع كبيرة فإنها تنفذها وهكذا سينتهى مشروع الداخلة الجديدة بمينائها وبناها التحتية التي ستجعلها قطبا اقتصاديا قويا وجناح المغرب الثاني للاقلاع كما طورت السينغال بنيتها الاقتصادية تأهبا لمداخيل الغاز وخلق قطب اقتصادي في منطقة غرب أفريقيا وشريك رئيسي للمغرب ومنطقة تنافس لعديد من القوى لقد تم حشد جميع متطلبات تلك المشاريع بجدية منقطعة النظير .
بينما منذ اليوم الذي تم فيه الإعلان عن انواذيبو منطقة حرة لم يتم وضع أي أساسات بما في ذلك الفكرة الأساسية لإنشاء منطقة بما في ذلك الدولة التي تخلق الاطار النظري لهذه الفكرة ولم تندمج في المشروع كفكرة للتطوير الاقتصادي لقد ظن الجميع أنه يكفي إعداد حماية وضمانات قانونية للمستثمرين ومنحهم إعفاءات ضريبية لكي يتم جلب المستثمرين،والحقيقة أنه لم يتم تقديم خطة واقعية ولا أي تصور يقود لانطلاقة المشروع كمن يتسابق خارج حقل السباق . وهكذا انتهى المطاف بالمنطقة الحرة إلى أن أصبحت مصلحة لجمع بعض الضرائب على رقم أعمال الشركات التي تستنزف الصيد وسلب أرض المواطنين وإعادة توزيعها بشكل يلحق أعطى للمنطقة صورة سيئة بين المواطنين والملاك الأصليين للأراضي التي تم سلبها في خطط لتنظيم وتجميل المدينة لم يرى منها شيء على أرض الواقع .لقد ظلت المنطقة الحرة من بين أربع سلط في مدينة نواذيبو غير متفاهمة ولا متصالحة ولايعترف بعضها بصلاحيات البعض .
إن أي مستثمر يدخل إلى المدينة من بوابة المطار ستراوده فكرة العودة مباشرة من حيث جاء لأنه لن يرى مثل هذا المطار في أي منطقة من العالم وعندما يعلم أنه لن يتمكن من مغادرة المدينة إلى من خلال رحلتين إسبوعيا في اتجاه انواكشوط أو واحدة اتجاه إسبانيا وأنه لا يوجد مستشفى متخصص في المدينة ولا فندق خمس نجوم ولا شاطئ بحري ولا أي مكان للترفيه قبل أن يتجول في المدينة ويعرف أن الخدمات البنكية والإنترنت والكهرباء غير انسيابية وأنها لاتوجد مطاعم عالمية وسيتعرض في كل 500 متر لتفتيش شرطة متعجرفة وغير مدنية وغير مهنية خاصة إن كانت من مجموعة أمن الطرق سابقا التي تلقت تكوينا استعجاليا لا يتضمن أي تأهيل فكري وغير ذلك ….
كان على الدولة قبل أي شيء أن تضع إطار تنظيميا للمدينة بما في ذلك الإدارات ونوعية التعامل مع الأجانب وسلوك رجال الأمن وغيرها ثم تجري بعض الإصلاحات الجوهرية في المدينة في المطار وفي سيارات النقل ونمط العمران والشوارع الرئيسية والإنارة خاصة أن نواذيبو يساوي مقاطعة واحدة من مقاطعات نواكشوط ثم تمضي قدما في مشروع المنطقة الحرة من خلال حشد التمويلات للمشاريع الأساسية الأربعة مطار فنادق مستشفيات وتطوير بنية المدينة الإدارية والوظيفية .
إن ذلك يتطلب قبل كل شيء تعيين إطار يمتلك الإيمان بفكرة المنطقة الحرة ويملك الإرادة والاندماج في روح العهدة الجديدة وعلى دراية بطبيعة وقوة المنافسة والقدرة على كسب الرهانات ووضوح الرؤية حول فكرة المشروع نفسها .
إن الدولة وحدها ليست قادرة على حشد الأموال اللازمة لمشروع عملاق مثل المنطقة الحرة لكنها يمكن أن تخلق إطارا واسعا حكوميا وحرا للشراكة يستهدف محفظات الاستثمارات في العالم والدول العربية ورجال الأعمال العرب الذين تقدموا لاستثمارات ضخمة في مجال السياحة في البلد .
إن غياب المنطقة الحرة في التفكير والديناميكية الجديدين للحكومة ينقصه المبرر خاصة عندما تكتمل المشاريع المنافسة في الجوار. وخاصة أن إعلان الحكومة يتضمن عملية تنظيمية جديدة للدولة يمكن أن تكون المنطقة الحرة قطب رحى فيها .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار