القرآن العظيم.. وأسراره.. وكيف نزل على سبعة أحرف؟!

صحيح شيخنا وأستاذنا الفاضل (فقد كانت اللغة العربية من قبل عصر القرآن أمشاجا من اللهجات المختلفة المتباعدة، وكل قبيلة تختلف في النطق عن الأخرى بوجوه من الاختلافات كثيرة، حتى باعد ذالك بين ألسنة العرب وأوشك أن يحول اللغة الواحدة إلى لغات عدة متجافية لا يتفاهم أهلها ولا يتقارب أصلها. وكان كلما امتد الزمن، ازدادت هذه اللهجات نكرة وبعدا عن بعضها وحسبك أن تعلم أن:
المعينية، والسبئية، والقتبانية، واللحيانية، والثمودية، والصفوية، والحضرمية، كلها كانت أسماء للهجات عربية مختلفة، ولم يكن اختلاف الواحدة منها عن الأخرى محصورا في طريقة النطق بالكلمة، من ترقيق أو تفخيم أو إمالة أو نحو ذالك, بل ازداد التخالف واشتد إلى أن انتهى إلى الاختلاف في تركيب الكلمة ذاتها وفي الحروف المركبة منها، وفي الإبدال والإعلال والبناء والإعراب.
فقضاعة مثلا كانت تقلب الباء جيما إذا كانت باء مشددة أو جاءت بعد العين، وكانت العرب تسمي ذالك: عجعجة قضاعة، ومن ذالك قول شاعرهم:
خالـي عويـف وأبـو علبـــجّ
المطعمــان اللحـم بالعشـــجِّ
وبالغــداة قطــع البرنـــجِّ
يؤكـل باللحـم و الصيصـــجّ
وحمير كانت تنطق ب “أم” بدلا من “أل” المعرفة في صدر الكلمة، وكانت العرب تسمي ذالك طمطمانية حمير.
ومن ذالك قول أحدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله:أمن أمبر امصيام في أمسفر؟ يريد أن يقول: هل من البر الصيام في السفر؟
وهذيل كانت تقلب الحاء في كثير من الكلمات عينا، فكانوا يقولون أعلَّ الله العلال بدلا من أحل الله الحلال…
وهكذا دواليك
فلما نزل القرآن، وتسامعت به العرب، وائتلفت عليه قلوبهم، أخذت هذه اللهجات بالتقارب(41) وبدأ مظاهر ما بينها من خلاف تضمحل وتذوب، حتى تلاقت تلك اللهجات كلها في لهجة عربية واحدة ، هي اللهجة القرشية التى نزل بها القرآن وأخذت ألسنة العرب على اختلافهم وتباعد قبائلهم تنطبع بطابع هذه للغة القرآنية الجديدة. فكان ذالك سر هذا الشريان السحري العجيب الذي امتد في أجلها، فاستصلبت وقويت بعد تفكك واتحدت بعد تناثر، ثم مرت على مصرع أعظم لغة عالمية شاملة هي (اللاتينية) بينما تغلي هي حيوية وقوة وإشراقا.).
(مقتطفات من كتابنا: دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية.ط دار اامعراج دمشق2014م.)
تعقيبا على المحاضرة في الشريعة والحياة
رابط الحلقة كاملة
من صفحة لمرابط ولد لخديم