الخميس
2025/03/27
آخر تحديث
الخميس 27 مارس 2025

ماذا سيتغير في ضوء لقاء غزواني بمحمد السادس في الرباط ؟

23 دجمبر 2024 الساعة 18 و39 دقيقة
ماذا سيتغير في ضوء لقاء غزواني بمحمد السادس في الرباط ؟
طباعة

من الصعب تفهم اللغط الكثير الذي يثار حول العلاقات الموريتانية المغربية بشكل دائم وبوتيرة متصاعدة عقب أي تقارب جزائري موريتاني، وكأنه على حساب المغرب أو في ضوء تسمم الذهنية العامة لمسيري الصحافة المغربية من أحداث الماضي .
للعودة بالأمور إلى نصابها، وضمن الجرد التاريخي، وفي إطار التثاقف بين الشعبين، قبل البلدين بالمفهوم القانوني، فقد انطلق المرابطون من تيدرة على المحيط الأطلسي بين انواكشوط وانواذيبو، وتم تأسيس مراكش وبناء دولة المرابطين واستقل يوسف بالدولة هناك، وعاد أبو بكر بن عمر لإخماد الثورات ومواصلة الفتوحات.. ومنذ ذلك الوقت، لم يكتب التاريخ أي اتصال كبير باستثناء الهجرات التي تمر عبر أرض المغرب.
وبعد تأسيس العرش العلوي، ظلت العلاقات تتجسد في مرور الحجاج الموريتانيين من جميع مستويات المجتمع عبر المغرب. وقد كان ذلك عصر ازدهار ديني وثقافي في أرض شنقيط. وقد لاقى مرور العلماء والشعراء ترحيبا كبيرا من العرش الملكي المغربي وحفاوة كبيرة من العلماء والشعب نظرا لدرجة علم وأدب ومعرفة أهل الصحراء بالفنون الشرعية والأدبية ودرجة الحفظ والنبوغ. وعاد ذلك بشيوع انطباع متميز بحب المغرب والعرش العلوي بين أهل شنقيط وبصفة أساسية وسط العلماء . لم يكن هناك أي خيط سياسي حقيقي يربط الشعبين إلى طلوع الاستعمار أي قبل 1906 حيث استنجد الشيخ ماء العينين (المولود بولاية الحوض الشرقي والذي وصل الساقية الحمراء بعد بلوغه مرتبة العلم والصلاح والذيوع ) بملك المغرب لدعم المجاهدين الشناقطة، وحصلوا على دعم بسيط جدا من المدافع، ولم يتكرر ذلك الدعم. وعند تأسيس الدولة الموريتانية، قال محمد الخامس، على إثر مقال غير مؤسس كتبه رئيس حزب الاستقلال علال الفاسي سنة 1957 في جريدة العلم التابعة له، أن حدود المغرب تمتد إلى نهر السينغال، وكون الملك على خلفية ذلك المقال لجنة برلمانية، وتم تبني المطالبة بموريتانيا. وكان ملف الادعاء فارغا من أي مضمون نقلي أو عقلي، فلم يسجل التاريخ غفير ولا نقيب ولا سفير مغربي في أرض شنقيط ، ولم ترفع راية ولا درهم ولا دانق ولا دعوة على المنابر ، ولا وصاية من أي نوع ولا أي شيء للمغرب في موريتانيا . ورفضت تلك الدعوة لخلوها من أي دليل وتم الاعتراف بموريتانيا عضوا في الأمم المتحدة سنة 1961 وفي جامعة الدول العربية سنة 1973 الذي تأخّر بسبب توجه عبد الناصر الوحدوي الذي يتعارض مع زيادة الدول القزمية وبتأثير المغرب عليه. وبعد ذلك عرفت العلاقات بين البلدين ازدهارا مشوبا بالحذر على خلفية تلك القضية. وقد يكون ذلك أحد أسباب دخول المختار ولد داداه الحرب إلى جانب المغرب من أجل تقاسم إقليم الصحراء الغربية البيظاني. التعرض للمبررات والمسوغات ليس هذا موضوعه، المهم أنه قرار سيادي موريتاني تقييما للوضع الجيوبولوتيكي حينها .
بعد الانقلاب على المختار، راجعت موريتانيا أوراق الحرب وتبنت الخط الذي يكاد يكون الوحيد الثابت في سياساتها الخارجية، وهو الحياد الإيجابي الذي يعني أن يظل موقفها في قضية الصحراء يخدم اتفاق الجميع دون ان تبحث عن مصلحة ذاتية في الموضوع أو تكون لمصلحة طرف ضد الآخر. وقد تخلت عن كل مقتضيات ونتائج حربها مع الصحراويين التي التهمت الكثير من أبنائها وكانت سببا في تأخرها .
هذا الخط لا يعجب الدولتين(الجزائر والمغرب ) ويتقبلانه على مضض وبصعوبة بالغة، وفي كل مرة تنتاب إحداهما نوبة شكوك كبيرة حيال الموقف الموريتاني خاصة عندما لا يدعم الحل الذي يرى أحد الأطراف أنه يناسب رؤيته في حين يكون مليئا بالنوازع أو الطموح .
وأخيرا تفهمت الجزائر مقاربة موريتانيا هذه على أنها خيار استراتيجي لديها في هذا الصراع غير قابل للنقاش ولا للتنازل، وتوجهت لعقد شراكة قوية مع موريتانيا حول المصالح المشتركة والمتبادلة والاستراتجية الأخرى ، وتخلت عن وضع قضية الصحراء كحجر الزاوية في علاقاتها بها. وهكذا أخذت العلاقة بين البلدين تنمو بصفة طبيعية وباحترام في ضوء مجموعة من الرؤى المشتركة حول الاقتصاد والأمن وغيرها .
بينما ما زال المغرب، وخاصة نخبته الإعلامية، حبيسا في تلك الرؤية، لا يريد أن يكون لموريتانيا رؤيتها الخاصة والمستقلة من قضية الصحراء بناء على ذلك الماضي في أسوأ وأحسن تأويله .
العرش المغربي الذي له تقاليد عميقة في كيان الدولة، ما زال يلهم الصحافة والنخبة المغربية بعدم ودية الموقف الموريتاني، ويضع قضية الصحراء كحجر الزاوية في العلاقة بين البلدين، معطلا بذلك التطور الحافل المحتمل للعلاقات الأخوية من خلال ضياع فرص لمشاريع عملاقة من خلال حجم المصالح الحيوية والاستراتجية المشتركة بفعل العوامل الجغرافية والتاريخية بين الشعبين التي كانت تسمح بتدفق كبير للتعاون بين البلدين. وهكذا نجد أن المغرب تجاوز موريتانيا في التعاون العميق إلى إفريقيا، ويعتبر السينغال بلدا شقيقا بينما موريتانيا بلدا صديقا، كما صرح بذلك الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1989 في أوج الجرح النازف بين موريتانيا والسينغال، ولا تزال ظلال ذلك التصريح قائمة رغم أن الطريق لتلك العلاقة عمليا يمر بالضرورة عبر موريتانيا .
الملك يتجاوز بزياراته المكوكية موريتانيا، كما لا يحضر الأحداث المهمة التي تتطلب موقف الأشقاء ودعمهم مثل حضور مؤتمر القمة العربي لأول مرة في انواكشوط الذي حضره أمير الكويت حينها معبرا عن ذلك الموقف الأخوي( وتلك شنشنة نعرفها من أخزم )، ولا المؤتمر الأفريقي ولا في الزيارات الأخوية التي قام بها أغلب الرؤساء والأمراء والملوك الذين لهم اعتبار لعلاقاتهم بموريتانيا .
وبالعكس ودون أي استقلالية في الرؤية، ظلت المغرب تقيّم علاقاتها بموريتانية على خلفية التقارب بين موريتانيا والجزائر وموقفها من قضية الصحراء. وهكذا لا يتوقع أحد أن يكون يتضمن اللقاء بين الملك المغربي والرئيس الموريتاني شيئا جديدا اكثر من هذين الملفين وتداعيتهما حيث قتل المغرب عشرات الشباب الموريتانيين على الحدود بالمسيرات مما أجج الشارع الموريتاني ضد الحكومة، كما تتم إثارة قضية لگويرة مع الفرنسيين وغيرها ..
هذه الرؤية وتلك التصرفات تجعل المغرب لا يريد علاقات عضوية بحجم أواصر الأخوة والمصالح المشتركة بل المتشابكة مع موريتانيا الاقتصادية والتجارية والأمنية، فكل سياسات الانفتاح والتوجهات الكبرى للمغرب ليس لموريتانيا فيها أي نصيب لأن المغرب يختزل علاقته بموريتانيا في قضية الصحراء، ورغم أنه ، أي المغرب، لم يتمكن من الوقوف ضد اعتراف إفريقيا والأمم المتحدة وغيرها بالصحراء، فإنه يصب حزءا من لعنات تلك المواقف على موريتانيا التي ليست إلا عضوا في المجموعة الأفريقية والأممية .
إنه تصلب في الرؤية من لدن العرش العتيق الذي كانت له علاقات مع الولايات المتحدة القرن التاسع عشر ويملك تقاليد في كيان الدولة إننا في موريتانيا نتطلع لأن يراجع المغرب هذا الموقف الاستاتيكي من موريتانيا، ويخرج بها من الدائرة الضيقة إلى آفاق الشراكة الواعدة في مجالات الصيد والزراعة والسياحة والطرق وغيرها، وأن يوقف الاستفزازات بقتل المدنيين بالطائرات المسيرة، علما أن موريتانيا منذ أن اتخذت موقفها الحيادي لم يسجل أي دخول للصحراويين إلى المغرب أو أي عملية عسكرية من حدودها، وبالتالي لم يكن هناك أبدا أي داع لعمليات القتل تلك .
إن لقاء القادة في هذا الظرف بالذات وبعيدا عن بروتوكلات الزيارات المشحون عادة بالملفات المتنوعة أو المعدة مسبقا، سيعطيهما فرصة لنقاش الأمور الأكثر دقة والأهم بصورة صريحة، والأهم من كل ذلك أن الملك محمد السادس سيكتشف أبعادا مهمة في شخصية ولد الغزواني الذي لم يسبق أن حصل على لقائه بشكل متسع : سيكتشف البعد الأخلاقي والأمني للرجل ، والقدرة على التحليل، ووضوح الرؤية والانفتاح ربما كانت غائبة في تقييمه أو مشوبة بتسمم التعاطي مع موريتانيا خلال الفترة الماضية بكل تأكيد .
المزايا الشخصية تلك ستلغي بظلال إيجابية على هذا اللقاء . وفي ذلك نتطلع إلى تغيير الرؤية الملكية لموريتانيا، وأن تحجم الصحافة المغربية التي تدق اسفين التأجيج وتتبنى في الغالب خط الهجوم أو التحليل غير المنصف لموريتانيا عن ذلك الخط .
لقد حان الوقت لطي صفحة معيقة ومشوشة للتكامل بين البلدين والشعبين..

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار