الأربعاء
2025/01/15
آخر تحديث
الأربعاء 15 يناير 2025

اللغة العربية بين مكائد أعدائها وانهزام أبنائها

20 دجمبر 2024 الساعة 16 و55 دقيقة
اللغة العربية بين مكائد أعدائها وانهزام أبنائها
المرابط ولد محمد لخديم
طباعة

بمناسبة اليوم العلمي للغة العربية اعيد نشر
بحث مطول بعنوان: اللغة العربية: بين مكائد أعدائها وإنهزام أبنائها كنت قد نشرته عن لغة الضاد في السنوات السابقة؛ وبما أن الأفكار المطروحة في البحث لا تزال فريدة من نوعها ولم تجد صدى واسعاً في النقاشات العامة حول اللغة العربية، ما يبرر إعادة نشرها سنوياً للتذكير بأهميتها.
ان محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلى عالمها الذي يبدو متخلف، ليس ذالك فحسب ، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسيا أمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الإنجليزية أو الفرنسية مثلا، فلا بأس أن نعزل العربية "بل ونقتلها في عقر دارها".
المقال: "اللغة العربية: بين مكائد أعمالها وانهزام أبنائها"
يتناول اللغة العربية من زاويتين رئيسيتين: الأزمات الداخلية التي تواجهها نتيجة ممارسات أبنائها، والتحديات الخارجية الناجمة عن مكائد خصومها.
المحاور الرئيسية:
1. انهزام أبناء اللغة العربية:
يشير البحث إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في تقصير أبنائها في استخدام اللغة وتطويرها، سواء في المجالات العلمية أو الأدبية.
ضعف الاهتمام بتدريس اللغة العربية بأساليب عصرية، مما أدى إلى انحسار تأثيرها وتراجع استخدامها حتى بين الناطقين بها.
انتشار اللهجات المحلية على حساب الفصحى، ما يساهم في تقويض مكانة اللغة العربية ووحدتها.
2. مكائد الأعمال الخارجية:
يتحدث البحث عن الجهود المنظمة التي تستهدف إضعاف اللغة العربية، سواء من خلال الترويج للغات الأجنبية أو محاولة فرض ثقافات أخرى على المجتمعات الناطقة بالعربية.
الإشارة إلى كيف تُستخدم العولمة كوسيلة لتهميش اللغات القومية، مع التركيز على اللغة العربية كهدف رئيسي بسبب ارتباطها بالهوية الإسلامية والحضارية.
3. أهمية اللغة في الهوية الحضارية.
يؤكد المقال أن اللغة ليست مجرد أداة تواصل، بل هي مستودع للهوية الحضارية والتاريخية للأمة.
الدفاع عن اللغة العربية هو دفاع عن كيان الأمة بأكملها.
4. رؤية للنهضة اللغوية:
يدعو البحث إلى إصلاح شامل يبدأ بتغيير نظرة المجتمعات العربية إلى لغتها، مع التركيز على استخدامها في التعليم والإدارة والإعلام.
تشجيع البحث العلمي باللغة العربية، واستحداث طرق إبداعية لتعليمها للأجيال الجديدة.
تعزيز حضور اللغة العربية في الساحة الدولية، خصوصاً في المجالات التقنية والعلمية.
اللغة العربية تواجه تحديات داخلية وخارجية، ولا يمكن استعادة مكانتها إلا بتضافر جهود أبنائها في الدفاع عنها وتطويرها. الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يجب أن يكون فرصة للتفكير في أفعالنا وممارساتنا تجاه هذه اللغة العريقة، والعمل على إعادة الاعتبار لها في حياتنا اليومية.
الأفكار المطروحة في البحث لا تزال فريدة من نوعها ولم تجد صدى واسعاً في النقاشات العامة حول اللغة العربية، ما يبرر إعادة نشرها سنوياً للتذكير بأهميتها.
نص المقال:
لن يحوجنا هذا المقال إلي الخوض في التعريف بجميع الكتب والدراسات التي تناولت اللغة العربية فهي كثيرة جدا تعز على الحصر وتربو على العد ويلزمها كنب ومجلدات , وقد اهتم علماء اللغة والمختصين بها و تناولوها بالبحث والتفصيل, ولقد أصبح من الواجب عليهم الآن استخراجها من جديد وتداولها...
إننا سنبحث في جانب آخر ندرت حوله الكتابات فلقد اتجهت الأنظار منذ زمن بعيد إلى أن بناء الفكروبناء الوجود لا يكون إلا واحدا، وليس هناك صيغة ثابتة للأفكار إلا أجسادها اللفظية التي كانت مستغلقة على ذاتها، ولم تقم محاولات للبحث عن الاتساق بين اللغة والوجود باعتماد حركة الجدل الواحدة فيها وكان من يقولون بإمكان الاستدلال على خصائص اللغة(93) أمثال: باميدس، وسبينوزا، وهيكل، وبرادلى: ليس لديهم نظرية تبحث في اللغة بحثا جدليا يكشف عن التضاد القائم في كل لفظ من ألفاظها ليصلوا من خلال هذه الخصائص اللغوية إلى إقامة فلسفة تعتمد أمثلة ذات وجهين: وجه طبيعي وآخر إنساني مجتمعين معا في اللفظ، فهو من حيث الصوت حركة طبيعية ككل حركات الطبيعة ومن حيث المعنى سمة إنسانية، ومن حيث أنه صوت ومعنى يجمع الطبيعة والإنسانية في كل واحد يضمهما معا، والفلسفات كلها على اختلافها ترى أن هناك حاجة لنشوء نظرية لغوية عامة ،لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لهذه الفلسفات.
والنظرية اللغوية التي تقوم على اتصال الصورة بالمادة هي النظرية التي أسفرت عنها حركة الجدل في الحرف العربي والتي كشفت أن كل لفظ يحتوي على ضده في داخله، وأنك حين تقلب حروف أي لفظ من ألفاظ هذه اللغة تجيء بعكس المعنى والمبنى معا.
كما أن هناك تضادا في الحرف ذاته بين الحركة والحرف على أمثال التضاد في اللفظ أيضا، وهذه الحركة الجدلية في سيرها تكشف عن معنى الزمان والمكان والكم والكيف والحرية والضرورة والمعرفة والمحدود وغير المحدود: كما تكشف قوانين الطبيعة عن الطبيعة ذاتها.
وحين تحدد وجهات هذه الألفاظ فإنها ستؤذن بقيام فلسفة جديدة تقوم على أسس صحيحة ذات قرار مكين. فقد تبين أن التضاد في هذه اللغة وفي الطبيعة غير التضاد المتعارف عليه، وأن الحرية والضرورة قائمتان في كل شيء، وأنهما متلازمان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وأن الكم والكيف يجريان في جدلية واحدة كجريان الزمان والمكان، وأنه يجري الانتقال من الحرية الى الضرورة, ومن الضرورة إلى الحرية, كما يجري الانتقال من الكم إلى الكيف وبالعكس (94) وكل ذالك مستفاد من التمييز بين الضد وضده في جدلية الحركة من كل لفظ، والمقولات التي كانت تلفها سحب الغموض والتعقيد ستتضح وتظهر جلية بينة بسبب وجود الأمثلة التي تشرحها وتفسرها من ألفاظ هذه اللغة..
ولو أن أهل اللغة العربية تحدثوا عن النحو والصرف والعروض والبلاغة دون أمثلة لوجدنا في كلامهم من الصعوبة ما يجده المنشغلون في الفلسفة في عبارات هيكل من غموض وتعقيد، فالأمثلة وحدها هي التي تضيء لنص فيشف بالمعنى ويصفه ويجليه ويوضحه. وليس الإتيان بالأمثلة سهل المنال، وإنها ـ وهي صورة الواقع الحي ـ لا تأتي إلا بعد ترجمتها إلى لغة إنسانية وفي صيغ منألفاظ ليست إلا صورة فوتوغرافية وصادقة للوجود الذي ارتسم فيها، من وجه، وصورة له بلحمه ودمه من وجه آخر.
وهذه الصورة الحية النامية المتطورة التي تنبض بالحياة لا تفتح إلا بمفتاح الجدل الذي يكشف عن وحدة الحركة فيها وفي الوجود من حولها وحين نقف عند نص لأبي نصر الفارابي فنحسب انه بلغ من الغموض درجة يصعب معه تصور ما بلغه من تعقيد وحشو وترديد لألفاظ لا معنى لها، والسببفي ذلك انه بحاجة إلى مثال يوضحه ويجليه، ولا سبيل إليه إلا عن طريق صورة تلخص الواقع الموضوعي كما هو في واقعه: نضعها أمامنا ثم نبدأ بالتعرف على النص من خلالها كما يجري التعرف اليوم على نتائج الغارات الجوية من خلال الصور التي تؤخذ لمواقع القذف.
والتحدث عن نص الفارابي وأمثاله كالتحدث عما أحدثته الغارات باللسان دون الصورة.. والصور التي تشرح الفلسفات على اختلافها قائمة في صيغ الألفاظ التي هي قوالب للأفكار وأجساد وقد تكشف نص الفارابي بعد عرضه على صيغة اللفظ وكأنه نص عادي في مستوى العبارات التي يتداولها الناس: تكشف أن أبا نصر الفرابي كشف عن حركة الجدل برمتها في هذا النص البسيط بشكل يكاد يلخص كثيرا مما وصل إليه هيجل الذي جاء بعده ببضعة قرون. لهذه الأسباب شعر كبار الفلاسفة بأن الحاجة تدعوا إلى نشوء نظرية لغوية لا تنفصل فيها الصورة عن المادة.
ولعل عذر أبناء اللغات الأخرى في تأخر الكشف عن حركة الجدل في لغاتهم بعد هذه اللغات عن أصولها الأولى، وتقطع أرحامها). فعلى سبيل المثال يقول غوستاف لوبون:
” ولا أسهب في الكلام عن اللغات بأكثر بما أسهب في النظم، وإنما اقتصر على القول بأن اللغة تتحول بحكم الضرورة عند انتقالها من أمة إلى أخرى. ولو أثبتت كتابة، وهذا ما يجعل الفكر القائل بلغة عامة أمر عقيما، اجل إن الغوليين مع كثرة عددهم ـ قد انتحلوا اللغة اللاتينية في اقل من قرنينبعد الفتح الروماني، غير أن الغوليين لم يلبثوا أن حولوا هذه اللغة على حسب احتياجاتهم، ووفق منطق روحهم الخاص، ومن هذه التحولات خرجت لغتنا الفرنسية الحاضرة في آخر الأمر ״(96) وهذا عكس اللغة العربية التي مازالت موصولة الرحم منذ نشأتها الأولى إلي يومنا هذا في حينانقرضت أو تغيرت جميع اللغات الأخرى.مما يؤهلها أن تكون لغة إنسانية..
فرغم الظروف المتاحة للحملات الصليبية المتعاقبة على العالم الإسلامي، ورغم كل ما بذله ويبذله هؤلاء الغزاة (إلى اليوم) من جهود مضنية للقضاء على اللغة العربية فقد باءوا بالفشل الذريع، وتحطمت كل مساعيهم حيث بقيت اللغة العربية ـ رغم انتشار اللهجات المحلية(217) وتباينها أحياناـ هي اللغة النموذجية الوحيدة التي تفرض نفسها فرضا على كافة اللهجات العربية، والمعين الأقوى الذي أخذت ولا تزال تأخذ عنه هذه اللهجات مفرداتها للتعبير عن المعاني الراقية في شتى مجالات الحياة.
وكما باءت بالفشل كل المحاولات الظاهرة والباطنة داخل العالم العربي وخارجه، للقضاء على العربية يتغير قواعدها (باسم التبسيط) أو استبدال حروفها (باسم التسهيل) أو إجراء أي تحويل في بنيانها (باسم الإصلاح) أو أي شعار آخر.
ولك أن تسأل كيف تتهم اللغة العربية بالضعف والتخلف؟! وهي اللغة الوحيدة التي استطاعت أنتصمد أمام هذه التحديات السالفة الذكر...
ولقد رأينا آنفا كيف أنها أجابت على تساؤلات المفكرين والفلاسفة في بحثهم عن نظرية لغوية عامة،لا تنفصل فيها الصورة عن المادة تكون قاعدة لكل الفلسفات وترجمتها إلى لغة إنسانية, بعد توفر الشروط التي تؤهلها لهذه المكانة, لأنها اللغة الوحيدة من بين جميع لغات العالم التي مازالت موصلة الرحم بنشأتها الأولى. وأن لها ظهر وبطن؛ غير أن الخطأ ناتج عن كيفية التعامل معها حيث "أن قسما كبيرا من مشاكل اللغة العربية يعود إلى أسباب ذاتية، ونقصد بها ضعف همة أبنائها وقصورهم في القيام بواجبهم تجاه لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية، وتفريطهم في مسئوليتهم التاريخية في الحفاظ على تراثهم وحماية وجودهم المعنوي..
إن محنة العربية لا تتمثل في حشود الألفاظ والمصطلحات الوافدة من عالم الحضارة المعاصرة، إلىعالمها الذي يبدو متخلف، ليس ذالك فحسب ، بل إن محنتها الحقيقية هي في انهزام أبنائها نفسياأمام الزحف اللغوي الداهم، واستسلامهم في مجال العلوم للغات الأجنبية، بحيث قد تكونت في العالم العربي جبهة عنيدة تجاهد للإبقاء على العربية بمعزل عن مجال العلوم والتكنولوجيا، فما دامت صفوة المشتغلين بالعلوم تعرف الإنجليزية أو الفرنسية مثلا، فلا بأس أن نعزل العربية "بل ونقتلها في عقر دارها". وإذا طبقنا القاعدة القائلة: إن اللغة كائن حي، يعتريها ما يعتري أي كائن من عوارض، وتقلبات الزمن ومتغيرات ومستجدات التي تطرأ. فإننا نجد أن حياة اللغة من حياة أبنائها، وهي تقوى أو تضعف حين يقوون أو يضعفون "" واللغة التي نشاهدها اليوم هي لغة هجينة تولدت عن تداخل اللغتين الفصحى والعامية وقد انتشرت على نطاق واسع داخل الأقطار العربية وخارجها حيث يوجد من يعرف اللغة العربية من الجاليات العربية, وممن تعلم العربية وهي ليست لغة الأم.
واللغة الثالثة هذه، والتي صارت لغة الإعلام المعتمدة، هي منزلة بين المنزلتين، كما كان يقول أهل العدل والتوحيد في تاريخنا ! فلا هي اللغة الفصيحة في قواعدها ومقاييسها وأبنيتها وأصولها، ولا هي لغة عامية لا تلتزم قيودا ولا تخضع لقياس ولا تسري عليها أحكام ولكن ميزة هذه اللغة أنها واسعة الانتشار انتقل بها الحرف العربي إلى آفاق بعيدة ، ولكن الخطورة هنا، تكمن في أنها تحل محل الفصحى، وتنتشر بما هي عليه من ضعف وفساد باعتبارها اللغة العربية التي ترقى فوق الشك والريبة. وبذالك تكتسب هذه اللغة الجديدة(مشروعية الاعتماد)، ويخلو لها المجال، فتصير هي لغة الفكر والأدب والفن والإعلام والإدارة والدبلوماسية، أي لغة الحياة التي لا تزاحمها لغة أخرى من جنسها أو من غير جنسها "(218)
وهنا نرى بالإضافة إلى ما ذهب إليه الدكتور التويجري (219) أن خطورة هذه اللغة الهجينة التي توصف بأنها عربية تكمن في تركيزها على طبيعة سير الحركة في الصيغة ومساوقة ذالك لطبيعة سير الحركة في الوجود وهذا هو هدف أعداء هذه اللغة الإنسانية وحرفها العربي محاولين بذالك استبدال هذه اللغة الإنسانية الهجينة بالفصحى، في رطانة تقضي على صلة القربى والرحم بين لفظ اليوم في لساننا ولفظ الأمس في لسان أوائلنا. فإذا ضاعت الأنساب اللغوية تبعتها، بل قد تسبقها الأنساب القومية في الضياع، حيث تصبح اللغة مقطوعة الصلة بحركة الوجود في سيرها..
وغني عن البيان أن اللغة العربية التي استطاعت أن تترجم العلوم الكونية والفلسفية السابقة إلى لغة إنسانية وتقترح لها حلول لم تكن لتقف عاجزة أمام الشكل النهائي لهذه العلوم في ما يعرف بالتقدم الصناعي والتقني. وهذا ما يؤكد كلام التويجري السالف الذكر القائل: " إنما نشاهده اليوم ليس هو اللغة العربية الفصحى"، لكن هذا الضعف الذي تعاني منه اللغة العربية لم يكن وليد الساعة بل يرجع إلى قرون.
ففي القرن السابع الهجري نعي العلامة ابن منظور في مقدمة كتابه (لسان العرب) ما صارت إليه حال اللغة العربية في زمانه من ضعف ووهن وهزال.يقول ابن منظور في مقدمة كتابه بعد استهلال ما يلي: "...وذالك لما رأيته قد غلب، في هذا الأوان، من اختلاف الألسنة والألوان، حتى لقد أصبح اللحن في الكلام يعد لحنا مردودا، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا، وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية, وتفاصحوا في غير اللغة العربية, وجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون".(220)
ولعل هذا ما فتح ثغرات استغلها على مرور الزمن الاحتلال الصليبي للقضاء على اللغة العربية وإزالتها من الوجود خاصة في تلك البلاد التي كانت خاضعة له.
وهذا ما يفسر بعد ذالك اهتمام أوربا الشرقية والغربية بالعاميات العربية على حساب الفصحى ففي:
سنة 1727م تأسست مدرسة نابولي الإيطالية للدروس الشرقية واهتمت بتدريس العاميات العربية بدل الفصحى.
سنة 1745م تأسست مدرسة القناصل يفينا وكان من أهدافها تعليم القناصل والسفراء الأوروبيين لغات الشرق ومنها العاميات العربية.
سنة 1759م تأسست مدرسة باريس للغات الشرقية الحية وكانت تدرس اللهجات العربية العامية ومن بين مدرسيها المستشرق الفرنسي (دي ساسي) والشامي ميخائيل الصباغ الذي ألف لتلك المدرسة :" الرسالة التامة في كلام العامة". و" المناهج في أحوال الكلام الدارج".
وفي سنة 1814م تأسست مدرسة " الأزاريف" في موسكو. واهتمت بتدريس اللهجات والمحكيات العربية...
1856م تم إنشاء فرع اللغة العربية ولهجاتها بجامعة لندن المملكة المتحدة (انجلترا).
1891م تم إنشاء الكلية الملكية لعلوم الاقتصاديات الشرقية في المجر وكانت تدرس اللهجات العربية...
(ورغم انتشار هذه اللهجات المحلية وتباينها أحيانا ورغم الظروف المتاحة للحملات المعادية للغة العربية من داخل العالم الإسلامي من القوميين (اللائكيين) من غير العرب (واللائكيين) الغرب من غير المسلمين بالإضافة إلى ما أسلفنا فقد باءت كلها بالفشل الذريع وتحطمت كل مساعيهم على صخرتها الصلبة بالفشل الذريع وتحطمت كل مساعيهم على صخرتها الصلبة وبقيت اللغة العربية وقد كان هدف هؤلاء هو إفساد نظام الحروف في اللفظ مما سيؤدي إلى إسدال الستار على الصيغة الجدلية برمتها.
ـ وهل يوجد دليل أقوى في محاولة القضاء على هذه اللغة من أن نرى أعداء يحيون لغات ميتة وأشقاء (221) وأبناء يحاولون قتل أو وأد لغة كتبت لها الحياة الأبدية والأمر في كلتا الحالتين يبعث على الاحتقار من الذات للذات فضلا عن الاحتقار المنطقي لأهل اللغة والتشفي الذي ينكي الكلوم في القلوب المؤمنة النابضة بالحياة..
وهذا ما يظهر خطورة الغزو الداخلي بالمقارنة مع الغزو الخارجي حيث أن هذا الأخير نوع تقليدي يتم من أطراف فاعلين من خارج المجتمع المغزو، وهو غير خطير ـ نسبيا لأنه مكشوف وظاهر(لغير العميان).
أما الغزو الداخلي فإنه غزو ذاتي وهو مضمون النتائج وسليم العواقب.والغزو الخارجي نستطيع محاربته لأنه مكشوف ونحاكمه لأنه معروف، أما الغزو الذاتي فكيف نحاربه وأين نحاكمه، ومن يحاكم من؟ فالمفعول هو الفاعل والخصم قد يكون هو الحكم في نظر القانون!!
هذا وعلى رغم أنف الحملات التي تدار للقضاء على لغة الضاد في الداخل والخارج، الخفي والظاهر فإنها لم تزد اللغة إلا قوة واستمرارا....
إن تحميل اللغة ما لا تحتمل يتوجه إلى مراد الناطق حين يحملها ما لا يُحتمل، أما اللغة نفسها فهي كالشجرة، فهي أكبر من كل محاضرات علماء النبات في كل الجامعات: لأنهم أعجز من أن يحيطوا بها، فالبحث في بناء اللغة أمر، وما يريده زيد الناس وعمرهم من نطقهم بألفاظها أمر آخر...
واللغة وسعت وتسع كل أهلها، وأما ألفاظ المتكلم فتسعه وحده وعلى قدره كأي قلم في يد أي كاتب فهو معه على قدره. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل من الممكن أن تعود اللغة العربية سيرتها الأولى؟!! وما هو سر قوتها واستمرارها؟!!
يقول الدكتور شوقي ضيق رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة "الفصحى تحي في عصرنا حياة مزدهرة إلى أبعد حدود الازدهار، وهو ازدهار أتاح لها لغة علمية حديثة، وفنونا أدبية متنوعة، وأسلوبا مبسطا ميسرا، مع استلائها على ساحة الصحف ومع محاولاتها الجادة في الاستيلاء على ساحة الإذاعة.
وأنا أومن بأنها ستظل تزداد ازدهارا وانتشارا من يوم إلى يوم حتى تحل نهائيا في الألسنة مكان العامية، لا في ما بقي لها من الفنون الأدبية الشعبية فحسب، بل أيضا في لهجاته التخاطب اليومية".(222)
ويرى الدكتور عبد العزيز التو يجري أن المقارنة بين قول ابن منظور في القرن السابع السابق(223)، وقول الدكتور شوقي ضيف، في القرن الخامس عشر، عن حال اللغة العربية فتح أفقا واسعا للتأمل.
مضيفا أن هذا من شأنه أن يحفز إلى تدبُر المستوى الذي وصلت إليه اللغة العربية في هذا العصر..(224). غير أن استحضارنا لواقع اللغة العربية وتأويلنا له لا يستند إلى المقارنة السابقة فقط.ورأي التويجري فيها بل يستند أيضا إلى قول العلامة محمد عنبر في كتابه المميز(جدلية الحرف العربي). حيث يجزم أن عودة لغة الضاد بسيرتها الأولى ممكنة حين يقسم لهذه اللغة أن تحرر أصولها بكشف الجدل الذي يحكمها، وبيان مسيرته الديالكتكية عن طريق مدارس تقيمها الأمة لهذه الغاية بل أكثر من ذالك سيصبح في مقدور أهلها مجتمعين أن يأتوا بما لم يأت به الأول. لأن هذا الحرف العربي فينظره من أقرب الحروف إلى الأصل الأم لأنه مطابق ومساوق لحركة الوجود في سيرها.(225)
ومحمد عنبر في معالجته هذه يكشف عن نظرية تختلف شكلا ومضمونا عن كل ما كتب سابقا ويكتب الآن عن اللغة العربية, وهي النظرية التي اعتمدناها في بحثنا هذا..
ويرجع عجز اللغة التقليدية ـ كما يعبر عنها الآن ـ إلى أشياء لا تمت بصلة إلى اللغة نفسها وإنما النظر إليها على أنها لغة اصطلاحية تواضع عليها أهلها كوسيلة للتفاهم فيما بينهم دون النظر إلى اللغة ـ أي لغة ـ على أنها في أصل صدورها ليست إلا مجرد أصوات صدرت عن صائت فطرة وسليقة وطبعا كردة فعل على الواقع الذي فعل بهم فصانوا، وهم حينما .صاتوا لم يريدوا إفهام الآخرين بمرادهم(226) " ومن هنا كانت الأصوات الفطرية القليلة جدا ـ إذا اعتبرت بما آلت إليه اللغة فيما بعد ـ في إعرابها عن ذاتها بذاتها عما هي عليه في ذاتها، إنما هي أصوات يمكن أن تقرأ فيها أسرار هذا الوجود. وواضح أن قراءة كهذه لا بد أن تكون على قدر استيعابنا وليس على قدر ما هي عليه في ذاتها، ومن هنا قام التفاوت في هذا الاستيعاب بين قارئ وآخر.
ولما كانت أٌقدار هذا الاستيعاب في نمو بين كل خطوة حضارية وأخرى، فإن استيعاب ما تعرب به اللغة الفطرية من ذاتها بذاتها عما هي عليه في ذاته يزداد يوما بعد يوم"(227)
وبالرجوع إلى اللغة الهجينة السالفة الذكر وهي لغة الإعلام المعتمدة وبحكم التوسع في وسائل الإعلام وتعدد قنواته ومنابره ووسائطه، ونظرا إلى التأثير العميق والبالغ الذي يمارسه الإعلام في اللغة، وفي الحياة والمجتمع بصورة عامة، فإن العلاقة بين اللغة العربية والإعلام أضحت تشكل ظاهرة لغوية جديرة بالتأمل.....لمتابعة القراءة يرجى الضغط على الرابط التالي:

https://allissan.org/node/1205?fbcl...

المرابط ولد محمد لخديم