من نحن ؟

فكرتنا ومبادرتنا : المظاهرة الشعبية العارمة تأييدا لتأمين شركة الحديد ميفرما MIFERMA
كنت استمع في .هذا اليوم ، 28 نوفمبر 1974 - ذكرى استقلالنا - إلى خطاب الرئيس المختار على إذاعة موريتانيا .
صمت في نهاية الخطاب، (توقف غير ملحوظ ، كما لو كان يسترجع أنفاسه)، ثم قال بصوت قوي ، وهو يتحكم في عواطفه : " أعلن لكم حالا عن قرار اتخذناه : نؤمم شركة الحديد " ميفرما " !.
كنت جالسا وحيدًا تحت خيمة في ساحة الدار . انتفضت وبدأت أصفق وأدور حول سريري الضيق . وفجأة ، رميت الراديو من يدي وهرولت نحو الباب لمغادرة دار ابن خالي محمد محمود ولد الحضرامي ولد سيدي عبد الله ول الحاج ابراھيم ، الذي كان مجتمعًا في منزله ، مع ابن عمه أحمدو ولد ممون ، رحمهم الله جميعا .
قصدت مكان الحفل الذي كان "المختار" يدلي فيه بتصريحه ، لكي أقترح -بصوت جهوري- فكرتي على الحاضرين . وكانت الدعوة إلى : القيام ب "مظاهرة عفوية وفورية" ! .
وطأت قدماي ذلك المكان المهيب الذي أصبح ، اعتبارًا منذ ذلك اليوم ، رمز استقلالنا الثاني : مبنى البرلمان الموقر . ولم أجد في عين المكان سوى رجلين وسيارتيهما :
– ذ. محمد محمود ولد ودادي ، مدير إذاعة موريتانيا ، و
– ورجل آخر ، سأتعرف عليه لاحقًا ؛ هو رجل الأعمال محمد ولد ابدبَّة .
عرضت فكرتي بحماس -على هذين المتأخرين اللذين كانا يستعدان لمغادرة المكان - قائلا : هلموا حالا لنقوم بتظاهرة عظيمة ، نثبت بها للعالم ، تأييد شعبنا لهذا القرار ، وإعجابنا بحنكة هذا الرجل السياسي ، صاحب القرار ، المختار ولد داداه .
كانت ردة فعل المدير العام ، الاستاذ ودادي ، جد إيجابية . نظر إلى الطفل الذي كنت آنذاك ، مبتسمًا ، محترمًا ، وقال : "كيف يا صغيري ، ونحن ثلاثة فقط ؟ "
أجبته : " نتجول بمركبتيكما ، ونطلق أصوات الأبواق . ستنضم إلينا نواكشوط بأكملها ." !
فعلا ، استقطب الموكب الذي بدأ فقط بسيارتين في صفه ، وجذب كل سكان العاصمة نواكشوط ، ومدينة الكصر ، كما لو كان تيارًا جارفا .
تجمهر الشعب أمام البوابة الكبرى للقصر الرئاسي ، وفُتحت - بأمر من أب الأمة -. على مشهد ترتجف له الاحشاء : كان هناك الشعب بكامله ، يقدم له التحية والتقدير ! .
وجدنا أنفسنا في لمحة بصر ، أمام المختار ومريم رحمهما الله . وكانت سعادتهما ( كما فخرهما ووقارهما ) ظاهرة للعيان ؛ وعلى بعد بضعة أمتار منهما ، لفتت انتباهنا مربية تحمل على ظهرها رضيعا على الأرجح ، دون السنتين ! .
لم يعد هناك ما أخبركم به ، باستثناء حالتين :
الأولي تكشف عن الأخلاقيات التي كانت سائدة في القصر الرئاسي انذاك .
والثانية توحي لنا بالكثير عن روح هذا الطفل "القائد" المُرتجل ! .
فعلاً ، نزل محدثكم ، مُبادر الحدث التاريخي هذا ، من السيارة في مقدمة الموكب ، ليقف على بُعد متر ونصف من الرئيس الذي لا تخونه مشاعره امام الأحداث :
"سيادة الرئيس ، " قلت بصوت جهوري :
" نحن هنا لنقول لكم ما يلي :
– نعم للتأميم ،
– لا لتعويضهم ، . بل على "ميفيرما" أن تعوضنا " !
هنا حصلت ظاهرة لم تكن في الحسبان . ألقى متظاهر بكمشة من الأوراق النقدية (فئة ألف أوقية) ، كهدية للرضيع ! . وبدون تردد ، هرعت المربية المذكورة من تلقاء نفسها ، لصد هذا العطاء المزعج ، والتعبير عن الاشمئزاز والازدراء والغضب ظاهر على وجهها . ثم اختفت في الحشد ، لتسلم "الاوراق" لصاحبها وهو ما يُعتبر في القصر مالاً قذراً ! .
لقد كان تأثير روح المختار ولد داداه واضحاً على الجميع ، حتى على المربية المراهقة .
والان ، قد حان وقت استرجاع وإعادة تاهيل هذه الاخلاقيات ببلدنا ! .
أقرّ أنه منذ ذلك اليوم ، فهمت أن زرع فكرة إيجابية في نفوس الشعوب في الزفت المناسب - يمكن أن يخلق ديناميكيات ذات قوة لا تقاوم .
للأسف ، حتى الافكار السلبية - ان لم نكن حذرين - قد تستعير هذا النهج !
*
محمد ولد محمد الحسن
رئيس معهد مدد راس2ires
في 17 دجمبر 2024