لماذا لم يتوجه غزواني مباشرة إلى الشعب في إعلان ترشحه بدل توجيه رسالة؟
كنت من الذين لم يواجهوا إعلان ترشح الرئيس غزواني من خلال، رسالة مكتوبة من تسع صفحات بحماس ،مع ما فيها من جمال الأسلوب وأهمية المحتوى وقوة المضامين ، ليس لأنه خروجا عن التقليد لأنه في موريتانيا لا يوجد تقليد في المجال أصلا غير الصمت بل لعدم التوجه للناخبين كشركاء رئيسين في العملية بالحديث المباشر تقديرا لهم وطلبا لثقتهم .رغم أنه خلال الترشيحات الأربع، لرؤساء في السلطة (معاوية ثلاث مرات1992/1997/2003 وعزيز مرة واحدة 2014)التي تمت طيلة تجربة البلد الديمقراطية، لم يتقدم رئيس باعلان من هذا القبيل ،وهكذا اعتبرنا أيضا أن هناك عدم استغلال لهذا الحدث إعلاميا بشكل أنجع حيث أن توجيه رسالة من 9صفحات طويلة بالنسبة لمجتمعنا الأمي قصيرة نسبيا - مقارنة برسالة جاك شيراك 29صفحة وساركوزي 36 صفحة - لشعب يغلب عليه الركود الثقافي وعدم القرائية وتسود فيه الرسائل الصوتية كوسيلة الابلاغ الإعلامي الأولى لن يعطي الزخم المطلوب لترشح بهذا المستوى، ومرد ذلك أنه وحده غزواني، من كل الرؤساء، هو من تترقب منه النخبة أشياء بحجم تقييمهم له، خاصة أنه بحاجة لأن يعطي دينامكية لحملته من خلال ذلك الاعلان. وهكذا كنا نتوقع أن يكون حدثا يُظهر الفرق في ضوء الضجيج الكبير حول تعدد المرشحين والحديث عن حسم غزواني للانتخابات في الشوط الأول بأغلبية مريحة على خلفية الانتخابات المحلية التي ترك فيها الحبل على الغارب للأحزاب تُنافس فيها حزبه بكل اندفاع وحماس ، ومع ذلك حصل حزبه على أغلبية ساحقة بسبب استغلال صورة وزخم غزواني حينها ، لكن غزواني -كما هو في كل مرة- لا يتصرف تحت تأثير الضغط أو لأجل اظهار الملكات أو النجاح هضما للنفس . وهكذا كان له تفكير مختلف، فعندما طُرح أمامه ذلك الخيار (إعلان الترشح عبر مهرجان شعبي حاشد ) أعرض عن تلك الفكرة لأنه لا يريد أن يحشد الادارة والحكومة والأمن ويستغل وقتهم في حدث شخصي في ترشحه، لأن ذلك لا يدخل في عمل الدولة، كما أنه استغلال للمنصب في الحملة الانتخابية وتحقيق زخم ومكاسب من خلال الوظيفة على حساب بقية المرشحين ، ومع ذلك قام بخطوتين غير مسبوقتين اهتماما بالشعب لكي لا يكون مثل طريقة ترشيحات من سبقوه التي لا يعلن عنها إلا بعد إيداع الملف .الخطوة الأولى أنه توجه للشعب باعلان ترشحه بصفة رسمية في تلك الرسالة، وهكذا يتم عرض فحواها من خلال تناول الاعلام لها ، وتفاعل القوى السياسية والمثقفين معها كما حصل وبشكل واسع ، كما منع الإعلام العمومي من تناولها لكي لا يكون في ذلك أيضا استغلال للنفوذ في حملته الانتخابية .
أما المسالة الثانية، أنه ذهب بنفسه في زيه المدني ليودع ملف ترشحه بيده لدى المجلس الدستوري وهذه أيضا سابقة حيث كان المحامون هم من يتولون تلك المهمة. وهكذا أراد هو أن يكون مثل المترشحين العاديين رغم أنه مازال رئيسا .
لا يغادر تفكير غزواني، عكسا لما يريد خصومه أن يظهروه ، أيا من التفاصيل الدقيقة في حرصه على روح المنافسة النزيهة واحترام الاجراءات والمساطر والقوانين، ويفكر بشكل عميق في حدود صلاحياته ويلتزم بها ، وهو أمر لم يكن معروف عندنا، ويمر دائما دون أن ننتبه له أو نعيره اهتماما . وهذا أحد مظاهر الفرق الذي يحافظ عليه .إنه يسعى بقناعة لأن يكون أسلوبه في المنافسة خاضع لأخلاقيات المنافسة والانضباط ولهذا أيضا منع بشكل حاسم أن يتدخل الجهاز التنفيذي في أي علاقة باللجنة المستقلة للانتخابات أو التاثير عليها ، وتركها تحت وصاية الأحزاب، فهم من عينوا أعضاءها . إننا في الحقيقة وفي هذا المضمار لا نستقبل رسائل غزواني بكل ما تحمله من مضامين رغم أنه يفكر فيها بشكل عميق ويحترم فيها الذوق العام والقانون وهكذا يكون قد فات علينا تقييم هذه الرسالة في ضوء احترام الناخبين والاتيان بشيء جديد وغير مألوف في تجربتنا وفي سلوك رؤسائنا حينما يتقدمون للشعب لإعادة انتخابهم ، وهم في السلطة .
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار