رئيس حزب تواصل: يمكن الحديث عن لامركزية فاعلة في ظل مجالس بلدية وجهوية لا تحترم الآجال القانونية لانعقاد دوراتها العادية
قال رئيس حزب تواصل د. حمادي ولد سيد المختار في افتتاح ملتقى المنتخبين "النائب النموذج في حزب تواصل هو من يدرك أن البرلمان ليس فضاءً للخطابة وحدها، بل مؤسسة رقابة ومساءلة. نائب يعلم أن المعارضة الحقيقية لا تُقاس بحدة الصوت، بل بدقة المعلومة ووضوح السؤال، واستمرار المتابعة، ونصاعة الموقف".
وهذا نص خطاب الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
قبل كل شيء، نقف اليوم وقلوبنا مثقلة، والكلمات تعجز عن حمل وقع الفقد.
رحل ثلاثة من خيرة شباب هذا الوطن فجأة، ففُجعت القلوب بمصاب جلل، وعمّت البيوت مرارة الفراق، وأحاطت النفوس لوعة الفقد. كانوا في ريعان العطاء، فإذا بالموت يختطفهم بلا إنذار، وترك وراءهم أثرًا طيبًا، وحزنًا مخيمًا في الصدور.
نترحّم عليهم ترحّم المفجوع الراضي، ونسلّم أمرهم إلى الله تسليمًا تامًا، مؤمنين أن ما اختاره الله خير، وأن لقاءهم بربهم لقاء رضى ورحمة. نسأله أن يتغمّدهم بواسع رحمته، ويجعل مثواهم فسيح جناته، وأن يجبر كسر قلوب ذويهم ويمنحهم الصبر والسلوان، ويترك في النفوس الطمأنينة على ما قدّره ،.
إخوتي وأخواتي،
منتخبي حزب تواصل،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قبل أن نبدأ، يطيب لي أن أتقدّم بخالص الشكر وعميق الامتنان لمنتخبينا من النواب، والعمد، والمستشارين الجهويين والبلديين، على ما تجشّموا من عناء الحضور، وعلى ما عبّروا عنه من حرص صادق على المشاركة في هذا الملتقى. إن وجودكم اليوم ليس مجرّد استجابة لدعوة تنظيمية، بل شهادة حيّة على وعيكم بثقل المسؤولية، وعلى استعدادكم الدائم لمراجعة الأداء وتطوير العمل العام، خدمةً لمشروعنا السياسي، ووفاءً لثقة المواطنين.
أيها الاخوة والاخوات
ان ملتقاكم هذا الذي تحضره قرابة مائه وخمسين من النواب والعمد والمستشارين الجهويين والبلديين وعدد من المنتخبين السابقين يهدف إلى:
– تكوين المنتخبين والرفع من قدراتهم
– تبادل الخبرات والتجارب
– تشخيص مكامن الخلل في العمل البلدي والجهوي والبرلماني
تقويم السياسات العامة والاستراتيجيات الحاكمة (استراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك -استراتيجية اللامركزية والتنمية المحلية - الخطط التنموية للجهات والبلديات )
والخروج بخلاصات وتقويمات تثري مساهمة الحزب بخصوص تطوير عمل المنتخبين وتحسين أدائهم وفعالية الهيئات ( البرلمان –الجهات- البلديات )
إننا بهذا الحضور المبارك، نلتقي اليوم داخل بيتنا السياسي؛ حيث لا نحتاج إلى رفع الصوت بقدر ما نحتاج إلى رفع منسوب الوعي، وتصويب المسار، غير أن التصويب لا يكتمل دون التوقف عند ممارسات تُضعف الثقة في العمل المؤسسي، وتُفرغ النصوص القانونية من معناها.
فلا يمكن الحديث عن لامركزية فاعلة، في ظل مجالس بلدية وجهوية لا تحترم الآجال القانونية لانعقاد دوراتها العادية، أو تتجاوز المساطر المعتمدة في إعداد ميزانياتها وتقديمها، أو لا تعقد دوراتها أصلًا، دون أن يترتب على ذلك أثر يُذكر. كما لا يستقيم منطق التدبير العمومي حين تستمر بعض المجالس في العمل متكئةً على نفوذ جهات أو أشخاص، لا على احترام القانون، وفي ظل تساهلٍ ظاهر من الجهات الوصية.
ويزداد هذا الخلل وضوحًا حين يُلاحظ تفاوتٌ بيّن في التعاطي مع المجالس البلدية، لا يُفسَّر بالأداء ولا بالالتزام، بل بالانتماء السياسي للجهة المسيرة؛ فتُيسَّر الإجراءات هنا، وتُعقَّد هناك، ويُغضّ الطرف عن الخرق في موضع، ويُشدَّد في موضع آخر. وهو واقع يضرب مبدأ المساواة، ويُضعف ثقة المواطن في حياد الإدارة وعدالة الدولة.
أما في البرلمان، حيث يُفترض أن تكون الكلمة لممثلي الشعب، فإن واقع الممارسة يكشف صعوبة حقيقية في تعديل مشاريع القوانين أو إعادة توجيهها، في ظل حضورٍ قويّ للسلطة التنفيذية، وتأثيرها الواسع في المسار التشريعي، بما يحدّ من استقلالية المؤسسة، ويُقيّد دورها الرقابي والتشريعي.
ومن هذا المنطلق، نعود إلى بيتنا السياسي، حيث لا نحتاج إلى تجميل الخطاب بقدر ما نحتاج إلى محاسبة للنفس. فالموقع الانتخابي في تصورنا ليس امتيازًا يُستمتع به، بل مسؤولية تُتحمَل، وأمانة تُؤدَّى، واختبار يومي للصدق السياسي.
إن المرجعية الإسلامية التي تُشكّل وجدان هذا الحزب لا تحوّل السياسة إلى منبر وعظ، ولا تفصلها عن الأخلاق، بل تؤسّس لفهمٍ عميق للعمل العام: سياسة تُدار بالقيم، وتُقاس بالعدل، وتُبرَّر بخدمة الإنسان. ومن هنا، فإن سؤالنا الجوهري ليس: أين نقف؟ بل: كيف نقف؟ وبأي صورة نمثّل حزبنا أمام الناس؟
إن النائب النموذج في حزب تواصل هو من يدرك أن البرلمان ليس فضاءً للخطابة وحدها، بل مؤسسة رقابة ومساءلة. نائب يعلم أن المعارضة الحقيقية لا تُقاس بحدة الصوت، بل بدقة المعلومة ووضوح السؤال، واستمرار المتابعة، ونصاعة الموقف.
يتعامل مع الميزانية العامة للدولة بوصفها قرارًا سياسيًا جامعًا، لا مجرد جداول أرقام؛ فيفكّك أولويات الإنفاق، ويفحص العدالة في القطاعات والمجالات ، ويقيس نجاعة الصرف، ثم يعود بعد التصويت ليسأل: ماذا أُنجز؟ وما الذي تعثّر؟ ولماذا؟
وهو نائب لا يغيب عن دائرته، ولا يختبئ خلف المؤسسة؛ فحضوره بين الناس مصدر شرعيته، وهمومهم مادته السياسية الأولى.
والعمدة المثالي في حزب تواصل لا يُدير البلدية بمنطق السلطة، بل بمنطق الخدمة العمومية الرشيدة. يدرك أن التسيير المحلي هو الامتحان الأقرب لثقة المواطن، وأن الشفافية ليست خيارًا سياسيًا، بل شرطًا أخلاقيًا.
يُدبّر المال العام بعقل يقظ وقلب مسؤول، ويقبل الرقابة بوصفها صمام أمان لا عبئًا إداريًا. قريب من المواطن دون استعراض، حازم دون تعسّف، واضح في قراره، صادق في التزامه. ويعلم أن أثر عمله يُقاس في حياة الناس، لا في لغة التقارير
ثم ان المستشار المتفاني في حزب تواصل هو من يحوّل عضويته في المجالس الجهوية إلى حضور فاعل ومسؤول، يراقب تسيير الميزانيات، ويتابع البرامج التنموية، ويحرص على توجيه الموارد وفق حاجات الجهات لا وفق منطق النفوذ.
وفي المجالس البلدية، يتابع الميزانيات المحلية، ويسائل عن الأداء، ويصون المال العام من التسيّب أو الغموض.
مستشار لا يُصادق بلا فهم، ولا يعارض بلا بديل، ولا يسكت عن خلل بذريعة الواقعية. موقفه السياسي واضح، وصوته مسموع، وضميره حاضر.
إنما يجمع هذه النماذج ليس الموقع، بل المنهج:
وحضور ميداني لا موسمي،
وقرب دائم من المواطن لا انتقائي،
واستعداد للمساءلة قبل المطالبة بالثقة.
فالمنتخب التواصلي لا يُقاس بمجرد الخطاب، بل بصدق أدائه، ولا بطول بقائه في المنصب، بل بعمق أثره في حياة الناس.
نحن في تواصل لا ندّعي الكمال، لكننا نلتزم بالصدق.
ولا نَعِد بما لا نملك، لكننا لا نتهرّب مما نستطيع.
ففي السياسة كما في القيم: العدل أساس الشرعية، والشفافية جوهر الثقة، وخدمة الناس أسمى درجات الفعل السياسي.
وبهذا الفهم، وهذه النماذج، نحفظ ثقة المواطنين، ونصون مشروعنا، ونترجم مرجعيتنا الإسلامية إلى ممارسة سياسية راشدة، هادئة، وعميقة الأثر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




