الأحد
2025/12/14
آخر تحديث
الأحد 14 دجمبر 2025

رئيس معهد مدد رأس ينشر مقتطفات من مذكراته: أمة يجب حمايتها.. من تجربة سنوات الثمانينيات

منذ 10 ساعة
رئيس معهد مدد رأس ينشر مقتطفات من مذكراته: أمة يجب (…)
طباعة

معهد مدد راس
بلا غ
الموضوع : نشر مذكرات

أيها المواطنون الأعزاء،

سأنشر قريبا اجزاء من مذكراتي ؛ وتمتدّ على مدى عدة عقود .

تطفو هذه الذكريات اليوم إلى السطح ، لا بدافع الحنين ، بل بدافع الضرورة . فما قيل في وقت مبكر ، وما جرى تجاهله أو التقليل من شأنه ، بات اليوم يضيء الحاضر بدقة مقلقة .
فعلا لم يُضعف الزمن كلماتي ، بل كثيرا ما اختبر صدقها ! .

لا ، لا يتعلق الأمر بتصفية حسابات ، ولا بإدّعاء بصيرة فردية معزولة ؛ وإنما هو - بكل بساطة - نداء إلى الذاكرة ، وإلى المسؤولية ، وإلى الوعي الوطني .
فالأمم مثل الأفراد ، لا تتعثر مصادفة ، إنما تسقط حين تنهار القيم الأخلاقية، وحين يُحتقر الفكر والاستشراف ، وحين يضحّى بالمصلحة العامة لصالح حسابات أيديولوجية أو هوياتية أو مادية أو مالية أو سياسية/انتهازية .

واليوم ، إذا كانت لهذه الذكريات من فائدة ، فلأن التاريخ ليس سلسلة من أحداث منقضية الصلاحية ، بل درسا لم يكتمل بعد . وقراءتها اليوم تعني رفض النسيان ، واختيار الوضوح ، والتأكيد على أن موريتانيا لن تُبنى بناءً مستداما إلا على أساس الحقيقة والعدل والوفاء لمصيرها المشترك بين مواطنيها .

وفيما يلي اول مقتطف ننشره منها ، لا يخلو من صلة بالواقع الراهن ؛ وهو نداء من الاعماق ، كما يقال

النص 👇
أمة يجب حمايتها : من تجربة سنوات الثمانينيات

وجدت نفسي في -ظلّ الأنظمة العسكرية - في مواجهة انحراف أخطر بكثير من مجرد صراعات على السلطة : إنه المساس التدريجي بالأساس الأخلاقي والوطني لموريتانيا !.

كان بعض الطلبة الشباب من قومية البولار - بدافع حماسة سياسية كنت أفهمها دون أن أقرّها- يقودون في فرنسا وغيرها ، حملة تهدف إلى الإيحاء بأن "ما يسمونه البيدان " لا يشكّلون الأغلبية في البلاد . وما كان أكثر إثارة للقلق ، أنهم كانوا ينظمون أنفسهم على أسس إثنية صِرفة ، مستبدلين الانتماء الوطني بالانتماء الإثني الضيق .

كنت أدرك الخطر منذ ذلك الحين . فبلد فتيّ ، هشّ ، مثخن بجراح الحرب ، وتُحكمه القوة ، لا يمكنه أن يصمد أمام استيراد خطابات قائمة على الانقسام الهوياتي . نعم ، لا تُبنى الأمم بتأليب أبنائها بعضهم على بعض ، ولا بتزوير الأرقام ، ولا بتوظيف جراح التاريخ ! .

حدث في هذا السياق - في مارس 1981- خلال جمعية عامة متوترة في باريس في قاعة لجامعة Nanterre نانتير . لم تكن الكلمات التي نطقت بها يومها ، تعبّر عن خلجاتي ، إذ قذفت - رغما عني - شحنة إثنية كنت أرفضها بعمق . غير أنني شعرت بأن الصمت ، سيكون خطأً أفدح .

وصحت بصوت جهوري - كادت العاطفة أن تخرج به عن السيطرة :

" إن تحالفكم مع أنصار البوليساريو تحالف غير طبيعي ؛ وصحوة البدان ( كما تسمونهم ) ستكون عنيفة . وبفعل دعاية غير مسؤولة ، أنتم تهيئون الأرضية للعنف " .

وانهرت في تلك اللحظة بالذات ... باكيا ! .

لم يكن ذلك علامة ضعف ، لا ، بل دليل تمزق داخلي : كان شهيق رجل متخاذل بين رفضه المطلق للإثنية ، وواجبه للتحذير من العواقب المدمرة لمثل هذه الخطابات ! .

لم أكن أدافع عن فئة ولا عن أيديولوجيا ، بل عن " فكرة موريتانيا " ذاتها ، باعتبارها "جماعة مصير مشترك " .

ورغم هذه الحالة الانفعالية ، تمكنت من منع الجمعية من تبني ملتمس تاييد للسلطة القائمة آنذاك ، والتي كانت قد أعدمت ضباطا كنت أعدّهم رموزا للشجاعة والوفاء الوطني :
. العقيد الطيار ، المحارب المخضرم محمدعلى القادر،
. العقيد والأمير أحمد سالم ،
. القائد نيانغ .
رحمهم الله جميعا .

لقد خدم هؤلاء الرجال الوطن ، معرضين حياتهم للخطر في حرب الصحراء ؛ وحصل استغلالهم بعد موتهم ، لتبرير العنف السياسي ؛ وتلك خيانة أخلاقية أخرى ؛ وً بعد ثماني سنوات جاءت جاءت الوقايع لتؤكد تحذيراتي ، بصورة مأساوية ! .

فقد كشفت الأحداث الدامية بين 1989 و1991 إلى أي مدى يمكن أن يؤدي التخلي عن الوعي الوطني لصالح الانتماءات الإثنية . فما زُرع بكلمات غير مسؤولة ، يكون حصد دموعا ودما وانشقاقات عميقة و دائمة .

باختصار شديد ،

لقد عززت هذه التجربة لدي ، قناعة راسخة :
إن الأمة إرث هشّ ، والمسؤولية الأخلاقية للنخب -السياسية منها والعسكرية والفكرية والطلابية - هي حمايته ، لا التضحية به لصالح حسابات أيديولوجية ، أو هوياتية ، أو مادية أو مالية ، أو سياسية/انتهازية .

وحين تنهار القيم الأخلاقية ، تأكد أن الدمار يحوم حول الساحة !.

ليست هذه الذكريات الممتدة على مدى عقود مجرد استعادة للماضي ، بل هي توخي اليقظة والوضوح والوعي الوطني .

إن نشرها واستيعابها اليوم ، هو اختيار لإبراز الحقيقة ، وتعزيز مبادىء العدل ، والايمان بالمصير المشترك بين أبناء موريتانيا .

محمد ولد محمد الحسن
الرئيس المؤسس
لمعهد مددراس 2Ires