من أين جاءت ال 400 مليار؟ ومتى تستعيد الدولة ثقة الناس ومن يدافع عن سكينة المواطنين؟
أثار تقرير محكمة الحسابات الأخير جدلًا واسعًا داخل الرأي العام، وفتح الباب أمام ثلاثة أسئلة كبيرى تتجاوز حدود الأرقام إلى عمق العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبين الحقيقة والرواية المتداولة.
السؤال الأول الذي تردد في أذهان الجميع هو: من أين جاء مبلغ 410 مليارات أوقية الذي نُسب إلى تقرير محكمة الحسابات؟
أما السؤال الثاني فهو: لماذا لا تُصدّق الدولة حتى عندما تحاول قول الحقيقة أو تصحيح الأخطاء؟
في حين يبرز السؤال الثالث: من يضع الاستراتيجية الإعلامية للدولة، ومن يتحكم في خطابها العام؟
الحقيقة وراء الرقم
في ما يخصّ السؤال الأول، فإن مصدر مبلغ الـ410 مليارات لم يكن التقرير الرسمي لمحكمة الحسابات، بل وسائل التواصل الاجتماعي التي ضخّمت الأرقام وخلطت الحقائق، غم نفي رئيس محكمة الحسابات لتلك المزاعم بينما أكد أحد القضاة أن المبلغ الذي كان موضوع أخطاء تسيرية لا يتجاوز 9 مليارات أوقية ، تشمل حساب “كسب الضائع” الناتج عن عملية تحايل في تنفيذ إحدى الطرق المعبدة، حيث وضعت الشركة المنفذة سمكًا يبلغ 3 سنتيمترات بدلًا من 5 كما نص عليه العقد.
ومع ذلك، فإن تسعة مليارات تظلّ رقمًا ضخمًا خاصة أذا كانت نتيجة تفتيش قطاعات محدودة ، وخسارة فادحة تستدعي موقفًا حاسمًا، وهو ما يفسّر تدخل الرئيس في إطار استراتيجيته لمحاربة الفساد. لكن من جهة أخرى، كان على الدولة أن تتخذ موقفًا قانونيًا واضحًا تجاه من روّج لمعلومات كاذبة بهذا الحجم، إذ تسبب ذلك في هزّة في الرأي العام وفي السكينة ، وخلق حالة من الازدراء الشعبي لصورة الدولة ، وجعل المواطنين ينظرون إلى مؤسساتهم بعين الريبة، بل وحتى الأفعال الإيجابية باتت تُفسّر على أنها ذرٌّ للرماد في العيون.
المفارقة أن الجميع أغفلوا حقيقة ذات أهمية، وهي أن شركات الاستخراج الكبرى مثل تازيازت و شركة الناحس لم تسدد الضرائب لتلك السنة تسببت في خسارة لمداخيل متوقعة ، رغم ضعف مردوديتها الاجتماعية، وضررها البيئي، وهشاشة المكاسب الاقتصادية المحققة من أنشطتها.
– أزمة الثقة
أما السؤال الثاني، المتعلق بعدم تصديق الدولة، فيكشف أزمة أعمق: أزمة ثقة.
فكلمة الدولة لم تعد مسموعة، وبياناتها لا تُؤخذ على محمل الجد، الأمر الذي يفتح الباب أمام الشائعات لتصبح هي المصدر الرئيسي للمعلومة. هذه الوضعية تنذر بخطر أكبر يتمثل في فقدان الدولة لقدرتها على التأثير في الرأي العام أو توجيه دفة النقاش الوطني ولهيبتها .
إعلام الدولة في موقف الدفاع
أما السؤال الثالث فيتعلق بضعف الأداء الإعلامي الموالي حتى أمام الحقائق المثبتة . فالإعلام العمومي يقف دومًا في خانة الردّ والدفاع، بدل أن يبادر إلى قيادة السردية الوطنية وتقديم المعلومة الدقيقة في وقتها المناسب.
ولا يبدو أن هناك استراتيجية إعلامية وطنية متماسكة، بل توجد مؤسسات إعلامية ومتعاونون يعملون وفق توجهات سياسية متباينة، تختلف في أولوياتها وأهدافها ومفرداتها، مما يفقد الخطاب العام أي انسجام أو تأثير
إن الوضع الإعلامي الهش الذي تعيشه البلاد اليوم قد يكون الشرارة الأولى لاهتزاز الثقة بين الدولة ومواطنيها، إن لم تتم مراجعته بعمق.
فالمعركة ضد الفساد، مهما كانت جادة، تحتاج إلى خطاب وطني شفاف وقادر على الإقناع، وإلى إعلام مؤسسي يتحرك بسرعة ويشرح الحقائق بدل تظل الشائعات هي التي تتصدر المشهد وتملأ الفراغ.
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار




