الجمعة
2025/09/12
آخر تحديث
الجمعة 12 سبتمبر 2025

قهر المنقبين على بيع ذهبهم لمؤسسة واحدة ظلم عظيم وجريمة في حق الاقتصاد يجب وقفها

10 يوليو 2025 الساعة 17 و11 دقيقة
قهر المنقبين على بيع ذهبهم لمؤسسة واحدة ظلم عظيم وجريمة (…)
طباعة

حمى الذهب
لن ينسى أي موريتاني ذلك الهلع الأكبر إلى التنقيب الأهلي وما رافقه من حكايات . لم يكن الأمر هروبا من الفقر واليأس فحسب، بل البحث عن غنى الطفرة الذي هو سقف حلم أي موريتاني على حد سواء. لقد انتشرت حمى التنقيب كما الوباء عندما كسب أشخاص فقراء أموالاً لم يكونوا يحلمون بها، وسرى الخبر بين الناس كما لو أنه نداء إلى الحظ السعيد هلمّ إلى الغنى .فلم يكن أحد يتصور هرج اللحظة العظيم والفزع من "الزّمگة وحمل كل شخص ما أمكنه متجها إلى "المربع الخالي تبجيريت " . صحيح أن التنقيب يتطلب ترتيبات وعمل شاق ومع ذلك ظل خيار الصعوبة الوحيد الذي توجه إليه الموريتانيون وهم راضون. إنهم في الواقع كسالى خاصة اتجاه العمل العضلي ويساقون إليه كما يساقون إلى الموت، إلا هذه المرة وحدها فقد أصبحت أي حبة من الذهب يحصلون عليها كأنها مقطوعة من رحيق جهدهم ياله من عمل مضني .
الهلع للذهب حملهم على بيع بيوتهم التي تؤويهم ومقتنياتهم بل استدانوا لأجل ذلك ومن منهم من منح هذا الحلم ريعان شبابه ومنهم من منحه أسرته كانت التضحيات جساما . إنها ثاني طامة تحيق بهم بعد طامة الشيخ الرضى. لقد زاد هذا المجهود العضلي المضني وركوب المخاطر القاتلة بأن زاد رصيد العملة الوطنية وقدرة الدولة على التحمل وارتفع احتياطي البنك المركزي من الذهب إلى 2 مليار دولار تقريبا وانتعش الاقتصاد وبلغ التعامل اليومي بالذهب أكثر من 40 كلغرام في حين ظلت تازيازت تزمجر بأنها ستستثمر 10 مليار دولار وستكون ثاني مصنع في أفريقيا دون أن يشعر الاقتصاد الوطني بذلك ولا حتى محيطها الاجتماعي : كان مجهود المساكين الذين يضربون الأرض بالفؤوس ويحفرونها بسواعدهم ضعف منتوج تازيازت المعلن 4 مرات، مع خلق أكثر من 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، خاصة بعدما أن أعلن الرئيس غزواني أنه لن يعطي رخصة لأي شركة للتنقيب ما دامت سواعد المواطنين توصلهم للذهب كان في الواقع قرارا باذخا ، وأمر بفتح مناطق كانت مغلقة في وجه المنقبين وتتوعدهم قواتهم المسلحة بالقتل حالما عبروها لقد راح ضحية دخولها أرادا امعانا في الصرامة ، كما استرجع منطقة تفرغ زينة من تازيازت جوهرة التنقيب التي يصلها إلا ذو حظ عظيم؛ وحدهم الضباط السامون من كانت أيديهم تصل إلى تلك المنطقة. وهكذا تأسست مدن وأحياء وحياة كاملة في أماكن لم يكن سوى الله تعالى وحده يعرف من يمكنه أن يسكنها، كما خفف التنقيب من التضخم المالي ، فقد اتسع تداول العملة وتوسعت بعض الأنشطة وازدهرت بعض القطاعات. لقد كان الذهب عطية من الله لهذا الشعب بعد أن أيأسه سوء الحكامة وضيق الأفق وانحسار الفرص وغياب الأمل. لقد شكل هروبا من واقع مرير من الهامشية إلى آفاق رحبة وأمل واسع بسعة صحراء التنقيب نفسها. وكان أيضا مساحة أفرغ فيه الشعب شحنات الغضب وصارت متنفسا كبيرا للنظام خاصة فترة الرئيس السابق ولد عبد العزيز عندما كان الضيق والتضييق ضاريان . لقد أسالت كمية الذهب هذه التي تباع يوميا في أسواق غير مصنفة لعاب رجال الأعمال، ووصلت طلبات شباك شراء وبيع الذهب إلى ستين طلبا، الأمر الذي جعل الدولة تعلق منح تلك الرخص . لكن الطامة الكبرى ظهور شركة مخفية -بالمفهوم اللفظي للكلمة- بين الرفض البات لمنح الرخص على أساس الهروب من عدم المساواة أو الإنصاف ،وبين الظلم البين للمنقبين، أن صارت هي وحدها من يملك الحق في امتصاص جهود المنقبين بشراء ذهبهم بشروطها. إنها طعنة في خاصرة هذا التوجه في تحرير المبادرة وتعميم النفع . لقد جاءت هذه الشركة دون ترخيص معلن. كانت في البداية أوامر عند الدرك حسب المنقبين بإكراه الناس على البيع لها بسعر السوق وبالسداد الفوري ، لكن، وبمجرد أن استتب لها الأمر، أخذت تفرض شروطا ظالمة للشراء حسب المنقبين، لا تلتزم بسعر السوق اليومي ولا تسدد على الفور. وهذه أعتى درجات الإكراه والظلم التي يمكن أن يتعرض لها شخص في بلده بأن يبيع بالإكراه وبأقل من السعر ويقبض متأخرا مما يضطره لأخذ الدين. إنها خسارة مضاعفة لعمال ومستثمرين صغار يبذلون ما في طاقتهم ويتكبدون ما لا يطاق في سبيل حبات من الذهب يعوضون بها خسارتهم الطويلة ريثما يتحقق حلمهم، وأنى لهم ذلك! ألا يكفيهم من سوء الطالع والأسى تكبد غلواء الحر وزمهرير البرد والسهر المتواصل !
ليس هذا هو أسوأ ما في الأمر رغم أنه نهايته، بل هناك تراجع عن مبدأ الليبرالية خاصة المنافسة التي تخلق فرصا إيجابية للسوق وللمتعاملين، لكنها أيضا تخلق استثمارات جديدة وتدعم المنقبين .
إن على الحكومة فتح المجال لمزيد من رخص شراء وبيع والذهب ، ومن المفيد أن تكون شركات مساهمة لكي يشترك فيها المنقبون أنفسهم، وأن تمنع دخول أصحاب البنوك والشركات القابضة- بالمعنى اللفظي للكلمة أيضا- الذين هم أساس خراب السوق والاقتصاد: 22 بنكا في حين لا يوجد هناك أي استثمار في النقل ولا في الزراعة ولا في الصناعة ولا في دعم المبادرات الايجابية والمشاريع المدرة ولا الأفكار المنتجة. ولم تتوجه هذه البنوك لقطاع إلا أفسدته وأغرقته بالديون المجحفة، بدل من دعم المصانع والقيمة المضافة ، فقط صراع ومنافسة على جمع العملة الصعبة من أجل توسيع مجال أعمالها والمنافسة حول ودائع الشركات والمشاريع وغيرها .
وهكذا يجب تحجيم نفس طبقة رجال "نهب الاقتصاد "من البنوك، كما يحاول محافظ البنك المركزي بارادة قاطعة، عند هذا الحد، وفتح فرص جديدة لآخرين، وتقزيم أصحاب النفوذ ، خاصة الذين يظلمون المنقبين الذين يَشقوْن في سبيل هذه النتيجة بدل معاملتهم برحمة ورفق أكبر . إنهم جماهير غفيرة فاعلة وبحجم ثلاث ولايات (انشيري وآدرار وتيرس ) . إن هذا النمط من الظلم لا يتواءم مع المرحلة والشعارات ومقتضيات البحث عن الأصلح بالنسبة لمقديمي الخدمات والتغيرات الحاصلة في الدولة ، كما أنه يضعف الجهود التي ينهض بها الوزير الأول في سبيل تنظيم سوق الصفقات العمومية والشفافية ودفاتر الالتزامات والصرامة اتجاه الاجراءات، والتي هي من أولويات الإصلاح أو الترتيب له ويضعف الثقة في هذا المسار. وهكذا يتعين تعليق عمل هذه الشركة نهائيا حتى يتم تنظيم سوق بيع وشراء الذهب، مثل تنظيم طريقة النشاط فيه وشروط ذلك ومناطق التنقيب. إنها عملية متلازمة ومترابطة من أجل مسار مستقيم يتناغم مع المرحلة والإعلانات الرسمية.. الظلم وحده مرتعه وخيم .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار