الجمعة
2025/07/18
آخر تحديث
الجمعة 18 يوليو 2025

عمليا انتهت الأسلحة النووية الإيرانية.. لماذا تواصل إسرائيل قصف إيران؟ لأنها في الواقع انتصرت…

24 يونيو 2025 الساعة 16 و57 دقيقة
عمليا انتهت الأسلحة النووية الإيرانية.. لماذا تواصل (…)
طباعة

أعلن اترامب أن البرنامج النووي الإيراني صار من الماضي وفي اليوم الموالي وسعت إسرائيل من هجماتها لتشمل عشر مدن ليس بها أي مصنع للسلاح النووى ولا تمثل أي هدف "مشروع" في دوافع إسرائيل والولايات المتحدة المعلنة من ضرب إيران. فما هو الهدف إذن ؟
المسألة ليست قضية الأسلحة النووية وحدها المسألة أعمق من ذلك بكثير يتعلق الأمر بخريطة جديدة تمثل "حلم إسرائيل الكبرى" من النيل إلى الفرات، وهذا يبدأ في مرحلته هذه من إيران التي هي العقبة الرئيسية التي تمثل السند الرئيسي للمقاومة ولمحور الممانعة وينتهي بمصر مرورا بتركيا.
أما السبب الثاني لهذا العدوان فهو استراتيجي غربي وقد أعرب عنه الاسرائليون بالقول إنهم يقومون بحرب الولايات المتحدة والغرب القذرة بالوكالة ضد إيران، وذلك من أجل القضاء على إيران في شكل دولة مارقة أو في شكل نظام معاد لهم، ويصدّر العداء في العالم ضدهم .
فإيران دولة إسلامية مستقلة تتحدى الغرب ولا تستورد الأسلحة من عنده، وترفض الرضوخ له أو الشراكة الاقتصادية معه وتملك ثاني احتياطي للغاز في العالم، وضد إيديولوجيته بشكل راديكالي لدرجة أنها عدو لا يمكن التقرب منه، وتقع في نفس خط المناوءة له مع الصين وروسيا ثم إنها قوة عسكرية كبيرة تتسلح ذاتيا ، وتملك موقعا استراتيجيا يمر عبره خمس نفط العالم، وتملك أذراعا طويلة في المنطقة الاستراتيجية بالنسبة لاسرائيل والغرب لاسيما عندما تم نزع فتيل التأزم بينها والعرب بقرار الملك سلمان المتبصر على وجه الخصوص وتم التطبيع بينها مع دول التعاون الخليجي وصار بامكانها إبرام اتفاقيات مع دوله تحت عناوين مختلفة، ومن المفيد هنا استحضار زيارة الملك السعودي سلمان لروسيا وزيارة رئيس الصين للسعودية إنها أحداث وانقلابات استراتيجية في الخط السعودي حيث يمكن التوافق مع هذا الحلف في حدود التحديث الذي تقف الولايات المتحدة ضده بالنسبة للسعودية على الأقل في جانب التسليح، وفي ذلك التوجه تبرز أهمية إيران وعلى محاور عدة .
إننا نعيش مرحلة من إفلاس الغرب ونخبه خاصة نخبة الحكم وبالتالي انعدام مبررات شرعية الاتفاق معه أو مسايرته في توجهاته الأيديولوجية الدولية ضد الشيوعية أو الاشتراكية .
إيران اليوم تقف بشكل قوي ضد التعامل بالدولار واسويفت وضد الرضوخ للغرب وتصدر ايديولوجية عدائية ضدهم (ضد فكرة الصهيونية بالأساس والهيمنة الآمريكية والغربية بشكل مطلق )وتملك تحالفات دولية واسعة وتدعم تنظيمات قوية و كبيرة في المنطقة وتقف ضد مخطط إسرائيل في التهام المنطقة العربية والتوسع على حساب المسلمين كما أنها الدولة الإسلامية الثانية التي تسعى لامتلاك السلاح النووي باديولوحيتها ذات الخلفية والشرعية المناهضة والمعارضة والمختلفة عن الغرب. إنهم لن يوقفوا الحرب ضدها إلا ليبدؤوها بشكل آخر ،لكن وكما جرى على لسان اترامب يريدون تغيير النظام هذه المرة واستجلاب عميل أو إغراقها في الفوضى .
لكن "يد الله فوق أيديهم" .
إيران دولة ناجحة وتمسك بيدها كل الأوراق الرابحة، وتستخدم نفس أدوات الغرب السياسية أي أن لها نظاما ديمقراطيا، وتملك نخبة قوية ونظاما وجبهة داخلية صلبة ومتماسكة ولها قدرة عالية على التفاوض والمراوغة وبالتالي يصعب تفجيرها من الداخل أو اختلاق أسباب موضوعية ضمن القانون الدولي لمهاجمتها، إنها في الحقيقة شر مستطير وخطر واقعي ضد الغرب وإسرئيل على الأرض، وفي المربع الأهم استراتيجيا وأمنيا وهكذا لا يمكن التخلي بأي شكل عن مشروع تدميرها، لكن المخطط الأول الذي استهدف تدمير قوتها ونظامها قد فشل على نحو مريع، فكل الخسارة اليوم في الجانب الاسرائيلي والأمريكي، فإسرائيل تم تدمير ثلث عاصمتها وشل الحياة فيها ونشر الذعر والرعب بين مواطنيها إلى الأبد، حيث لم يعد لهم من هم في هذه الدنيا سوى النجاة بجلودهم مما يؤثّر سلبا على الأيديولوجية التجميعية لليهود نحو أرض الميعاد والدولة الآمنة ذات الجيش الذي لايقهر .الاسرائليون ذهبوا يبحثون عن الحياة في أماكن أخرى من العالم أو العودة إلى مواطنهم الأصلية وقد بذلوا جهودا كبيرة منها المشي على الأقدام يصطحبون الذل والهوان والخيبة وينفقون الكثير من المال للخروج من جنة الأرض والفرار من الموت. إن العودة لأرض فلسطين مرة أخرى بالنسبة للذين فروا ستكون في شبه المستحيل وهذا هو أكبر ضربة للمشروع الصهيوني الذي بُذلت لأجله جميع المخططات والحروب والمكائد وتم تمريغ القانون الدولي والإنساني في التراب ألف مرة لمصلحته واستخدمت الولايات المتحدة لحماية إسرائيل من طائلة القانون الدولي الفيتو 45 مرة .
لقد كانت النتيجة عقب كل ذلك كارثية فتم تمريغ هيبة الجيش الاسرائيلي وقوته وخاصة دفاعاته ، في التراب ،كما ان اقتصاد إسرائيل انهد وستنشغل فترة طويلة في إصلاح ما أفسدته الصواريخ الإيرانية، ثم انها ستظل تعيش مع نفس الخوف الذي كان يسكنها من إيران ،بل سيتطور ذلك من خلال جهود إيران في بناء قوة أكبر والتسريع في صناعة القنبلة النووية كما جّرت إسرائيل المنطقة برمتها إلى مضاعفة التسليح خاصة مصر وتركيا والسعودية على نحو أكثر صلابة وعلى نحو استثنائي انقلب الرأي العام الآمريكي والغربي ضدها وضد اترامب إنه الخسران المبين .
بينما حصلت إيران على دعم غير مسبوق من حلفائها
وعلى تعاطف الرأي العام الدولي أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد حملت على ظهرها سخط المجتمع الدولي وسخط شعبها وشعوب العالم بسبب هذه الضربة غير الشرعية والتي تظهر غطرسة كبيرة وخروجا عن القانون الدولي والمحلي الآمريكي. الأسوأ من كل ذلك أنها فتحت بابا كان مفتوحا وهو ضرب منشآت كانت إسرائيل قد ضربتها وكانت إيران قد نقلت جميع معداتها المركزية والمهمة في صناعة السلاح النووي إلى أماكن آمنة .كل ما فعله اترامب هو أنه أعطى لإيران تعاطفا دوليا وشعبيا واسعا ودفع بحجتها لليقين ومحنها تنسيقا وتكاتفا أكبر بينها وبين روس والصين وباكستان وكوريا الشمالية كما دعم جهودها بكثافة لبناء قنبلتها النووية ومنحها فرصة كبيرة للمراوغة بشأن الجلوس مجددا على طاولة المفاوضات ونقاش برنامجها النووي مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة. كيف تناقش موضوعا صار من الماضي !!.
لقد انتصرت إيران في هذه المعركة وانهزمت إسرائيل وانكفأت آمريكا بالخيبة والمهانة .
وهكذا فإن الانسجام العالمي اليوم حول شعار :المجد لإيران والخزي والعار للولايات المتحدة والغرب وإسرائيل ومن والاهم .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار