حقائق عن واقع التعليم والتكوين المهني

يمثل قطاع التكوين المهني قطاعا استراتيجيا لما له من دور في سير العجلة الاقتصادية. فهو النظام التكويني المُموّل للكفايات المهنية والقِوى العاملة المطلوبة من قِبل المؤسسات الإنتاجية المختلفة.من أجل ذلك سعى الاتحاد الأوروبي إلى توحيد مرجعية الكفايات المهنية من خلال توحيد استراتيجيات ومناهج التكوين، وذلك من أجل الحصول على موارد بشرية موحّدة في طاقاتها المهنيّة.
تقع إشكالية التكوين المهني في عصرنا في نقطة تلاقي ديناميكيتين: ديناميكية تطور العالم السوسيواقتصادي، وديناميكية النمو الشخصي للفرد في إطار اكتساب كفايات في مهنة معينة. فقد نشأ التكوين المهني وتطور تدريجيا تلبية لحاجات الإنسان في المجالات الحياتية العديدة والمختلفة.فأصبح الأمر ممكنا بفضل توفر الكفايات المهنية المطلوبة اجتماعيا.ومن هذا المنطلق، ظهرت المهن والاختصاصات الكثيرة، حيث تطورت تطورا واسعا بفعل نمو المجال العلمي والتقني الذي عرفته البشرية. وعلى اثر ذلك توسع وتنوع مجال التعليم والتكوين.
ففي موريتانيا، وزيادة على التعليم العام الذي تشرف عليه وزارة التربية، أصبح الاهتمام منصبا بقوة على التعليم والتكوين المهني، وظهر بوضوح أنه لا يمكن تحقيق التنمية الشاملة والفعلية خارج إطار التكوين المهني.انه التكوين الممول للمعرفة المهنية والتقنية حيث" تعتمد التنمية في إطارها الشامل على الخبرة المكتسبة وصناعة المعرفة والمهارات التقنية التي يمتلكها رأس المال البشري الذي يشمل الكفايات المهنية المختلفة.
وبات من الضروري استنطاق متطلبات سوق العمل بخصوص الاحتياجات في مجال الكفايات المهنية التي يمكن اعتبارها جوهر اهتمام أي نظام للتكوين المهني في العالم.وتكمن أهمية هذه الكفايات المهنية في كونها تمثل جوهر الطاقة البشرية التي تطلبها المجتمعات،لأن المنافسة القائمة اليوم بين المجموعات البشرية تصب في موضوع الكفايات الواجب توفرها عند المواطن المعاصر.
ومن أجل ذلك،أصبح اليوم،الهم الكبير منصبا على مسألة الاستثمار في هذا الرأسمال البشري،من خلال تربية وتكوين يؤهلانه لاكتساب الكفايات الضرورية، من هنا تظهر أهمية قطاع التكوين المهني،حيث أنه القطاع الاستراتيجي بامتياز كونه الممول الأساسي للكفايات المهنية المطلوبة،من خلال تنظيم شامل ودقيق للاختصاصات والشعب المهنية،
ولهذا يسعى أي مجتمع معاصر إلى زيادة الإنتاج والارتفاع بمستواه في مجال الصناعة وفي كل ما يتعلق بالقطاع الخدماتي، وتتطلب زيادة الإنتاج هذه والارتفاع بمستواه ضرورة توفر عدة عوامل، لعل من أهمها توفير الطاقة البشرية اللازمة لعمليات الإنتاج المختلفة، ويشترط في هذه الطاقة البشرية بالذات حتمية اكتسابها للمهارات المعرفية والعملية التي تضمن نجاح أداء الأعمال المهنية.
من هنا تتضح أهمية قطاع التكوين المهني، لأنه قطاع يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال الموارد البشرية التي يوفرها، وأصبحت الآن هذه الموارد أهم من موارد الطاقة المتاحة –بترول و غاز وما إلى ذلك.
ومفهوم التكوين المهني يختلف تماما عن مفهوم التعليم العام الذي تضمنه المدارس والثانويات، وذلك لاختلاف مجالاتهما وأهدافهما التعليمية. فإذا كان التعليم العام يسعى إلى إكساب المتعلم مجموعة من المعارف العامة، فإن التكوين المهني يسعى إلى إكساب الفرد مهنة معينة معترف بها قانونا، يصبح من خلالها المتعلم قادرا على ضمان آداء ناجحا لمهام مهنية محددة.
إذن وبالرغم من أهمية قطاع التكوين المهني إلا أن الملاحظة الدائمة المتكررة عن عدم رضى قطاعات سوق العمل للمستوى الذي يظهر به خريجي التكوين من المراكز والمعاهد والمدارس المهنية التابعة للتكوين المهني، يتطلب القيام بدراسة بيداغوجية-تحليلة شاملة حول القطاع بدءا بمراجعة وضبط المناهج ومرورا بطريقة اختيار المتربصيين وانتهاء بالأساتذة والمكونون.
ومن هنا يمكننا طرح الأسئلة الجوهرية التالية
1- هل تحقق مؤسسات التكوين المهني، على العموم، الكفايات المهنية المنشودة عند المتربصين بمستويات مقبولة .
3- إلى أي مدى يؤثر الانفصام القائم بين مؤسسات التكوين المهني وقطاعات سوق العمل في تحقيق الكفايات المهنية المطلوبة ؟
4- إلى أي مدى تؤثر التجهيزات والوسائل البيداغوجية المستعملة في تحقيق الكفايات المهنية ؟
5- إلى أي مدى تؤثر الطرق التربوية الممارسة من طرف أساتذة التكوين المهني على درجة تحقيق الكفايات المهنية ؟
6- إلى أي مدى تؤثر غلبة الطابع النظري في التعليم المهني على القصور في تحقيق الكفايات المهنية المختلفة ؟
أما العوامل المؤثرة على الممارسة البيداغوجية وتحقيق أو عدم تحقيق الكفايات المهنية تتجلى في النقاط التالية :
– عدم توفر عدد كافي من الأساتذة المتخصصين في بعض الاختصاصات
– عدم توفر بعض الأجهزة اللازمة بصفة كافية على مستوى التطبيقات، وهذا نظرا للأعداد الكبيرة. للمتربصين.
– غياب بعض المقاييس المحددة والتي تعمل على تحقيق بعض الكفايات،
– ضعف المعرفة القبلية للمتربصين في الرياضيات والفيزياء والكهرباء عند قدومهم للمراكز والمعاهد.
– ضعف التربصات الميدانية في مختلف التخصصات نظرا لعدم تخطيطها ومتابعتها بجدية.
– عدم توفر الأساتذة الدائمين في العديد من الاختصاصات .
– نقص الحجم الساعي الفعلي في التكوين.
– تقويم غير دقيق وغير صارم للمتربصين فيما يتعلق بتحقيق الكفايات المهنية المختلفة نظرا للضغط الذي تمارسه الإدارة على الأساتذة في هذا المجال.
– جهد معتبر للأساتذة يسمح بتحقيق العديد من الكفايات المهنية بمستوى حسن.
– توفر الأجهزة والآلات يساعد على تحقيق بعض الكفايات
– عدم تجديد بعض المناهج.
– الارتفاع الكبير لعدد المتربصين الذي يصل الى40 متربص،الشيء الذي يجعل استحالة توفير40 منصب تدريب داخل الورشات.
– عدم توفر الأجهزة الحديثة .
– عدم توفر المواد الأولية.
– ضعف مستوى المتربصين في مواد ضرورية كمادة الرسم، الرياضيات،الفيزياء واللغة، سواء العربية، الفرنسية أوالانجليزية.
– عدم توفر أماكن مناسبة للقيام بالتربصات الناجحة والتي تسمح للمتربصين بتطبيق ماقاموا بدراسته في المراكز والمعاهد.
– ضعف الدافعية والرغبة للتكوين عند العديد من المتربصين في الاختصاصات المهنية المختلفة بسبب سوء التوفيق في عملية التوجيه الأولية واختيار الاختصاص المناسب لميولهم وقدراتهم.
– شعور بالإحباط عند العديد من المتربصين بسبب سوء تقديرهم للتعليم والتكوين المهنيين.
– عدم مسايرة بعض المناهج التعليمية الموجودة في التعليم والتكوين المهني للتطورات العلمية والتكنولوجية
الحاصلة في العالم.
فهي مناهج قديمة لا يمكنها تحقيق القدرات والكفاءات المهنية الجديدة والتي تطلبها الأوساط الصناعية.
يظهر بوضوح داخل مراكز ومعاهد التكوين المهني أن هذا التكوين يميل إلى تقليد قطاع التربية في تعامله مع المعرفة بصفة عامة، وهذا الأمر يعتبر سلبي بيداغوجيا لأن هناك فرق جوهري بين التعليم العام والتكوين المهني الذي يسعى بالدرجة الأولى إلى جعل المتربص يكتسب كفايات مهنية محددة في اطار مهنة، أما في التعليم العام فليس هناك مجال للكلام عن المهنة.
انطلاقا من ما سبق يمكننا اقتراح مجموعة من التوصيات على المسؤولين في التكوين المهني أخذها بعين الاعتبار كونها من وسائل إصلاحه.فنذكر منها ما يلي:
1) ضرورة تعزيز الاتصالات المكثفة بين مراكز التكوين المهني ومؤسسات القطاع الصناعي والخدماتي، بدون ذلك يتعذر عليها تكييف مناهجها وفقا لحياة المجتمع المعاصر، وتظل تعنى بمهن غير كافية لتلبية حاجيات سوق العمل. ولهذا يجب أن تقام أبحاث وإحصاءات نتعرف بها على طبيعة المهن وتفاصيلها، معتمدين على لجان استشارية تابعة للتكوين المهني وقطاعات العمل وممثلي الغرف الصناعية، على أن تكون غاية هذه اللجان توجيه المناهج توجيها واقعيا ومجددا، الوقوف على مقومات المهن وأسرارها وتطورها صناعيا، زراعيا وتجاريا، ثم الوقوف على مقومات المهن وأسرارها وتطورها في ما يتعلق بالجانب التقني، المهارات، العادات والاتجاهات التي يجب أن يكتسبها المتربص لنجاحه في مهامه المهنية. كما يجب الوقوف على أفضل الطرق والأساليب لاكتساب هذه المعلومات، والمهارات، والاتجاهات، والعمل على جعل أماكن التطبيق تشبه أماكن و مناصب العمل في المعدات والتنظيم. كما يجب تشجيع وتكريس الخبرة لدى المدراء والأساتذة لكي يقوموا بمسؤولياتهم الإدارية والتعليمية على أحسن وجه.
2) ضرورة رد الاعتبار للتعليم والتكوين المهني.
إن المنزلة التي يحتلها التعليم والتكوين المهني في بلدنا لا تتفق مع روح العصرالحاضرالذي تحتل فيه المهن منزلة رفيعة، كما تتمتع باحترام وتقدير كبيرين. فقد أصبحت الأمم تعلوا مكانتها أو تنخفض بمقدار ما لديها من منتجات صناعية ومحاصيل زراعية ومعاملات تجارية تمكنها من المنافسة في الأسواق العالمية، كما أصبحت الصناعة،الزراعة والتجارة تعتمد على أصول علمية حديثة لا يستطيع المرء أن يتقنها إلا عن طريق التربية المهنية.وقد تنبهت المجتمعات لهذه الحقائق وبادرت إلى إصلاح التكوين المهني، فأخذت تعيد النظر في مناهجه وتستعين بالخبراء الفنيين على ذلك الإصلاح (خبراء من منظمة اليونسكو) كما حدث للعراق، سوريا، الأردن ومصر.
3) ضرورة استنطاق متطلبات سوق العمل بخصوص الاحتياجات في مجال الكفايات المهنية، وذلك
بمنهجية علمية .
4) ضرورة القيام بالمراقبة الصارمة لخريجي قطاع التكوين المهني في مسألة تحقيق الكفايات المهنية.
5) ضرورة مسايرة التكوين المهني مع عالم الشغل في مجال الكفايات المنشودة ومستوى ممارستها.
6) ضرورة تجديد المناهج على أساس مستحدثات العالم المهني.
7) ضرورة رفع المستوى التكويني لكل مؤطري قطاع التكوين المهني إداريين وأساتذة. وذلك بتحسين المستوى والتكوين المستمر، سواء في المجال التقني و الاختصاص أو في المجال البيداغوجي.
8) يجب أن يفسح للمتربص المجال للوصول إلى أعلى الدرجات الممكنة في المسار التكويني، وذلك
بخلق كل الظروف الضامنة للترقية العلمية والمهنية.يعتبر هذا الاجراء عامل تحفيزي هام بالنسبة للشباب.
9) ضرورة زيادة الحجم الساعي للتربصات الميدانية بالنسبة للمتربصين في أوساط العمل.
10) ضرورة القيام باتفاقيات بين قطاع التكوين والقطاع المستخدم في مجال التربصات والمناهج.
11) ضرورة تبني الإدارة مواقف حيادية اتجاه التقويم الذي يقوم به الأساتذة في الامتحانات من خلال عدم قيامها بضغوطات عليهم في هذا المجال.
12) ضرورة القيام بعملية الانتقاء الجيد للشباب أثناء التسجيلات الأولية.
15) ضرورة رد الاعتبار لأساتذة قطاع التكوين المهني وذلك مهنيا واجتماعيا، علما بما لهذا من انعكاسات على مردود يتهم ومعنوياتهم التي ستنتقل بدون شك إلى المتربصين.
م. الحسن الحاج