الأربعاء
2025/01/15
آخر تحديث
الأربعاء 15 يناير 2025

للتاريخ: حول مهرجان المدن القديمة

17 دجمبر 2024 الساعة 15 و37 دقيقة
للتاريخ: حول مهرجان المدن القديمة
الدكتور محمد أحظانا
طباعة

مرحبا.
(هذا تعليق مني على تدوينة معالي الوزير يحي ولد كبد حول مهرجان المدائن، أعيد نشرها هنا).
تعليقا على هذه التدوينة المفيدة، أود بعد أن أصبحت غير ملزم وظيفيا بحق التحفظ أن أقدم بعض الملاحظات والمعلومات التي قد تضيف ولاتشوش على مستقبل مهرجان مدائن التراث. وما سأقوله هنا ينقسم إلى قسمين: شهادة عيان لمن أسهم في إنشاء هذا المهرجان.
ثم سأقدم مقترحات مختصرة صيانة لاستمرار المهرجان وتطويره، وقد كنت شاهد عيان عن قرب:
أولا: في سنة2006 حضرت مؤتمر مجلس التراث العالمي التابع لليونسكو، مبعوثا من وزارة الثقافة.
وعندما حضرت فوجئت بأن الجلسة الأولى تضمنت مشروعا لإلغاء تصنيف مدننا القديمة الأربع تراثا عالميا. وقد قدمت لجنة خبراء من المجلس تقريرا مصحوبا بصورة مكبرة ومقربة لبرج اتصالات في وادان، من زاوية جعلت مشهد المسجد وبعض الدور القديمة قربه شبه محجوبة.
ووصل التقرير إلى خلاصة مفادها: أن رخصة المدن موحدة. وأن هذا الإخلال جارح بتعهد موريتانيا لليونسكو. ولذا يجب إلغاء رخصة المدن كلها.
وبعد جهد خطابي جهيد واتصالات بالوفود المشاركة خاصة العربية والأفريقية، حصلت على مهلة، تعهدت فيها بإزالة البرج.
ولما عدت قدمت تقريرا للوزيرة مهلة بنت أحمد، فشكلت لجنة ترأسها وكنت عضوا فيها.
استدعت الوزيرة مدير شركة الاتصالات، ولما اجتمعنا معه طلبت منه إزالة البرج، فطلب تعويض 4 ملايين، فكدنا نقلب عليه الطاولة.
وبدأت الشركة باتخاذ إجراءاتها لإزالة البرج وإبعاده إلى ماوراء بطحة وادان. وقد تم التنفيذ لاحقا.
ثانيا: قمت بتحرير مشروع مهرجان المدن القديمة تنظيما، وفصولا، وتغطية مالية، لأنني كنت أرى أنه مالم يربط سكان المدن بمدنهم فستندثر. فتحمست الوزيرة مهلة للمشروع وطلبت مني تحرير مشروع لمجلس الوزراء في آخر جلسة عقدتها حكومة اعلي ولد محمد فال رحمه الله.
وأخبرتني بعد المجلس أن مشاريع القرارات كانت كثيرة وأن الرئيس اعلي رحمة الله عليه طلب منها أن تؤجل المشروع إلى الحكومة الجديدة.
ثالثا: مر عدد من الوزراء على الوزارة، وكنت كلما عرضت عليهم المشروع أعربوا عن تهيبه.
إلى أن تسلمت سيسه بنت بيده الوزارة فعرضت عليها المشروع، وتبنته. وقبله رئيس الجمهورية، وبدأ إعداد المهرجان سنة 2010 لينفذ بعدها في السنة الموالية.
وقد بدأ المهرجان بداية قوية. وكانت علاقتي به تقتصر على المضمون العلمي والثقافي ضمن لجنته العلمية، بعيدا عن تسييره المادي، خلال السنوات التي التأم فيها. وقدحقق المهرجان نتائج غير متوقعة، من أهمها: عودة السكان؛ ولو دوريا؛ إلى مدنهم القديمة، وضخ أموال معتبرة في المكونة التنموية. والسكانية. كما استطاع المهرجان أن ينتظم حيث لم يتأجل إلا مرتين. كما أن استحقاق المدن
لتصنيفها تحقق، وكان من الأهداف المحوربة، بل الباعثة على إنشاء المهرجان أصلا.
رابعا: طلب مني أنا وشخصين معي لايزالان تحت حق التحفظ، من جهات عليا، أن نقدم مقترحا مشروع لتطوير المكونة التنموية، وتحسين النوعية في المهرجان، وقد قدمنا مشروعا اعتمد من طرف الحكومة، في عهد السيد رئيس الجمهورية الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني.
عمليا خفت علاقتي بالمهرجان أو تلاشت خلال دوراته الأخيرة.. لكنني أعتقد أنني من بين من واكبه مما قبل النشأة إلى ماقبل دوراته الأخيرة الأربع، منذ تغير اسمه إلى مدائن التراث على عهد الوزير المختار ولد داهي الذي أشرف على تنفيذ إصلاح المهرجان في وادان..
وبعدها لم أعد أستدعى له، حتى وأنا في الوزارة لأسباب مزاجية أحيانا.
ومن منطلق هذه المواكبة والخبرة أود أن أقول:
 إن المهرجان مهم وحيوي، وقد يكون ركنا من أركان الصورة الخارجية ثقافيا وتراثيا لبلدنا، وهو تذكير بمساهمة الأجداد في رسم المشهد الثقافي التاريخي بالغرب الأفريقي.
 إن الدولة قد رصدت للمهرجان أخيرا موارد كافية لتنظيمه على أحسن وجه، واستفادة السكان منه على ألوجه المطلوب في البنيات والمرافق التحتية.
 إن صيانة المهرجان مطلوبة لأنه ضروري جدا على غير مازعم البعض من رواد الفضاء الأزرق. ممن لايرون ضرورة لإبراز الوجه الثقافي لموريتانيا ويعتبرون الإنفاق عليها هدرا للمال. وهو تصور غير صحيح ولا يخلوا من قصر نظر.
 إن التبويب التنفيذي للمهرجان قد يتضمن تقصيرا وارتجالية، لها علاقة بالموارد البشرية، دون تعميم لهذا الحكم، فثمة موارد جيدة، لكنها غير كافية مع الاتساع الهائل للمشتقات التنظيمية للمهرجان، وتزاحم وتكاثر وشعبوية الحضور الفوضوي لكل من هب ودب، واستطاع الوصول إلى صعيد المهرجان، حتى تصبح المكونة الثقافية التراثية مكونة ترفيهية هامشية، لا طعم لها.
 إن المهرجان بحاجة ماسة إلى تحسين نوعيته التراثية، وخلق حمى لاحترامه وضبطه، والتركيز على أهدافه التراثية والتنموية. وإذا كان تراثنا غير متجدد فإن فيه الكثير مما لم يعرف من خلال المهرجان -وقد بوبنا عليه في المشروع المعدل- لتكرار الأنشطة دون الكشف عن الجديد، والتحور إلى فلكلورية ستجعله في النهاية كسائر الحفلات.
 إن المحافظة على خصوصية المهرجان مهمة للغاية، ولذا أقترح على المنظمين أن يضيفوا كل سنة عناصر تراثية لم تطرق في سابق المهرجانات.
للأسف لم يسعفني الحظ في حضور الدورات الأربع الأخيرة، حتى أحكم عليها عن قرب، ولكن أؤكد أن مهرجان مدائن التراث بالغ الأهمية داخليا وخارجيا، وقابل للتحسين وسد الثغرات.. ولا مسوغ للدعوة إلى العدول عنه؛ ولكن تحسينه وضبطه مطلوب وممكن ووجيه.
تحياتي. وعفوا على الإطالة.
د. محمد ولد أحظانا