الرد الثأري الحاصل والمتوقع على إسرائيل : أبعاده ودلالاته
منذ إغتيال فؤاد شكر في لبنان ، وإسماعيل هنية في إيران ، وقصف ميناء الحديدة في اليمن ، عاشت إسرائيل أياما عسيرة من الإستنفار الأمني الجاد ، ودخلت في حالة إستثنائية من الهلع وعدم الإستقرار ، بسبب الرد الذي توعدتها به إيران وحزب الله وأنصار الله الحوثي على تلك الأفعال الشنيعة ، ذلك الرد الذي لم يأت سريعا كلف الكيان الإسرائيلي خسائر إقتصادية معتبرة طيلة فترة ليست بالقصيرة من الإنتظار ، شلت فيها عديد الخدمات والإستثمارات في إسرائيل ، رغم ما يبذله حلفاؤها من جهود سخية لدعمها وحمايتها .
أول رد ثأري جاء يوم 2024/08/25 من طرف حزب الله تزامنا وأربعينية الحسين ، وكان بمثابة رسالة واضحة على أن إيران وبقية محور المقاومة سيحتفظ كل منهم بالرد على إسرائيل بنفسه في الوقت والمكان الذي يراه مناسبا ، وهذا ما يشكل عبئا ثقيلا على هذه الأخيرة ، سيجعلها تعيش حالة من الهستيريا وعدم الإستقرار لا قبل لها بها ، ستكلفها دون شك مزيدا من الخسائر في عديد المجالات ، لا سيما في ظل حرب الإستنزاف التي تشنها فصائل المقاومة الفلسطينية ضد جيشها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023 وأبانت عن خسائر فادحة في الأرواح والمعدات لم يألفها الجيش الإسرائيلي من قبل بسبب قصر نفسه وقلة تجربته في خوض الحروب الطويلة .
الدرس المستخلص من رد حزب الله على إغتيال القائد فؤاد شكر ، هو أنه جاء على الأرجح تمهيدا لرد أقوى من إيران خاصة ، كونه فضح زيف قدرات إسرائيل وحلفائها وتهليلها الإعلامي الزائف ، وذلك من خلال تعطيل أهم قاعدة للإستخبارات العسكرية قرب تل أبيب ، وصلت إليها مسيرات حزب الله بأمان وأصابت أهدافها بدقة ، في ظل تضليل محكم للقبة الحديدية وإستنزاف صواريخها المكلفة من حيث الثمن لإسرائيل وداعميها ، مع العلم ان إيران وبقية أذرع المقاومة لديهم بنك محدد من الأهداف الإستيراتجية داخل إسرائيل يتناسب وما يمتلكه كل منها من قدرات وأسلحة فعالة .
كل هذا يحيلنا الى أن خطة الرد من طرف محور المقاومة بصفة عامة ، هي خطة مدروسة وقد تتم بدورها على مراحل من شأنها أن تنهك إسرائيل في آخر المطاف ، وقد ترغمها وحاميتها أمريكا في الأخير على الإنصياع لمساع جادة وحقيقية في المفاوضات من أجل توقيف فعلي لإطلاق النار في قطاع عزة ، وإبرام صفقة سريعة لتبادل الأسرى وحل بقية الإشكالات الأخرى .
الآن إسرائيل تغلي على صفيح ساخن ، ونتنياهو أصبح في وضع لا يحسد عليه ، وضع يقرب عنقه يوما بعد يوم من حبل المشنقة ، الذي تمادى في التهرب منه إستخفافا بالعدالة الدولية ، وبعدالة كيانه - إن كانت به عدالة حقيقية في الواقع - فنتنياهو كما هو معلوم متابع بقضايا فساد داخل إسرائيل ، وبجرائم إبادة إنسانية في قطاع غزة ، وعلاوة على ذلك يضيق عليه الخناق صباحا ومساء من خلال غليان الشارع الإسرائيلي ، الذي سئم من كذبه ومراوغاته ومن حالة الطوارئ التي تفرضها حكومته المتطرفة ، والتي عكرت حياة الإسرائيليين بصفارات الإنذار وباللجوء الى الملاجئ في كل مرة تتمدد فيها صواريخ ومسيرات المقاومة الى الداخل الإسرائلي ، وناهيك عن آلام وأحزان عائلات الرهائن والأسرى الإسرائيليين ، التي تتفاقم من حين لآخر بسبب تلاعب نتنياهو بمصيرهم ووقوفه حجر عثرة دون سير المفاوضات بشأن تسوية ملفهم ، الذي أصبح شائكا بسبب أنانيته المفرطة وحرصه الشديد على دم رقبته .
بناء على كل هذه الأوضاع المزرية في إسرائيل ، وما يرافقها من خلافات حادة داخل حكومة نتنياهو المتطرفة ، يتضح اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن هذا الكيان اللقيط أصبح على كف عفريت ، لا سيما وأن العالم اليوم يتجه الى التعددية القطبية من خلال كسر الهيمنة الغربية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وتحمي من خلالها إسرائيل خدمة لمصالحها في الشرق الأوسط ، ويحدث كل ذلك بعيدا كل البعد عن القيم والأخلاق الإنسانية ، وبمعزل واضح عن مواثيق وقرارات الشرعية الدولية التي أضحت مجرد حبر على ورق في ظل الظلم السافر المستشري في العديد من أنحاء العالم .
بقلم : محمد حسنة الطالب