لماذا اختار غزواني فكرة الشباب كمحرك لحملته وبرنامجه الانتخابي؟
نحن في الواقع أمام حملة انتخابية للبحث عن الأصوات خاصة 64% من أصوات الناخبين ما بين 18و 45سنة، ومع ذلك ليس هذا هو كل دوافع غزواني لحمل شعار الشباب بهذه القوة وفي هذا الوقت بالذات كما يلهمنا الرهان السياسي .لقد تعلمنا من أخلاق الرجل أنه لا يمتهن المتاجرة السياسية، وهكذا ظل بعيدا عن اجترار إنجازاته حتى حينما يكون ذلك ضروريا. إنه يتعرض لها في أوقات استثنائية وبقليل من الإسهاب .وهكذا عندما بدأ دخول الحلبة السياسية 2019 ، كان اهتمامه مختلفا. لقد انتبه للوضعية الاجتماعية للبلد وللسكان كمن كان غارقا في السياسية وفي الاحتكاك بالمواطنين رغم انعزاليته وشروده ، فقد وضع يده على الوجع أول الأمر، إذ هناك 56,9%حسب البنك الدولي من الفقراء وأكثرها من مستوى الهشاشة المرتفعة، وقد عضد تلك الهشاشة ما ساد من الموت جوعا للمرة الأولى في تاريخ البلد بسبب المجاعة التي ضربت مناطق عدة من البلد تلك الآونة، و لم تكن سياسات الدولة -للأسف - متعاطفة حينها مع الحالة العميقة من الفقر، بل من العوز للمواطنين. وهكذا قرر غزواني أن يجعل علاج تلك الوضعية في أولويته تحت عنوان "البرنامج الاجتماعي" .
كان الوضع الاقتصادي غاية في الصعوبة عندما قرر أن يرصد 40 مليارا سنويا للتدخل المباشر لإغاثة الفقراء المنسيين في السياسات الحكومية، فقد كانت الميزانية العامة للدولة 487مليار، لكن الخزينة كانت خاوية إلا من 28 مليار أوقية تقريبا. وكانت المديونية 5مليار دولار، ما يمثل 104 من الناتج المحلي السنوي، أي أن الذمة المالية للدولة وقدرتها على التحمل ضعيفتان. وكانت هناك أزمة مع تازيازت وشركة النحاس. لم يكن الوضع الاقتصادي على ما يرام، وكان نصف الشعب يطحنه الجوع، ومع ذلك، ودون أي تأخير، نفذ برنامجه الاجتماعي بنجاح .لقد تم انتقاد طريقة سير البرنامج الاجتماعي، خاصة التقسيمات النقدية المباشرة، لكن فقط من طرف الذين يجدون ما يأكلون أو الذين يجدون ما يتعالجون به أو يحصلون على فرص للتمريض، أما الذين لم يكونوا يحصلون على ذلك فقد شهدت حياتهم تبدلا كبيرا خاصة مع أزمة كورونا، فقد تم تأمين الحد الأدني بصفة منتظمة لِلقمة العيش والقدرة للولوج إلى التداوي. إنهم أصبحوا عند عتبة الحياة الأولى. إن مفهوم الدولة والخزينة العامة تغير بالنسبة لهم، فقد أصبحوا يحصلون على راتب شهري لأنهم مواطنين ويجب أن يستفيدون من خزينة المجتمع حتى وإن كانوا لايقدمون خدمة عمومية مقابل ذلك . إنه تفكير عميق وانحياز للشعب من منطق الوعي بالأولويات .
إنه اليوم يأخذ نفس المسار استجابة للتفكير العميق بالأولويات أيضا .
لقد أعلن، في ضوء التحولات الكبرى التي سيشهدها البلد، بأنه سيحارب الفساد بلا هوادة. وقد أطلقها كنهدة في الروح الوطنية للشباب : "هيّا ساعدوني " لننهض ببلدنا . وليست مجرد دعاية انتخابية أو فكرة عابرة . إنه يتحدث عن الواقع، وهو بالتالي بحاجة لاستجابة بنفس الحماس من لدن الشباب ليأخذ زمام المبادرة في تحريك دفة هذا البرنامج وفق طموحهم للوطن. وهكذا لم يعد للكلام أي معنى. إنها ساعة العمل، وقد أزفت .
إن الشباب يمثل 70إلى 75% من مجموع الشعب، كما أن البلد يعرف تنظيما قويا لموارده ومداخيله، ويقف على اعتاب استغلال موارد ضخمة من الطاقة والمعادن تناغما مع مراجعة مدونته القانونية، كما تخطو اسنيم بجدية نحو مضاعفة الانتاج من خلال مشاريع عملاقة، ثم أن القوة الحاكمة أدركها سن التقاعد الأخير، ولم يعد الجيش وقوى الأمن كما عهدناهم في ممارسة الحكم، بل صاروا بصدد الاقلاع عن السياسية إلى الانهماك في مهنيتهم. لقد كان غزواني باهرا في تحضيرهم لتلك المهنية وبرضى كامل منهم .
إننا عندما نستجيب لتلك الدعوة، نساعد رئيسا يريد أن يضعنا على الطريق الصحيح قبل المغادرة.
نحن أمام وضعية أقرب إلى إعادة التأسيس ووضع القواعد التي ستطرح خلال المأمورية الجديدة لغزواني والتي يجب أن تكون عقلانية. لقد أدى به وعيه بتلك التحولات أن يستدعي الشباب لتسيير شراكة حقيقة وعميقة تتطلب إرادة وقوة جّادّتين ولهما المستقبل في بلدهم وليس لأجل الحملة الانتخابية أو بنظرة استشرافية، بل انطلاقا من الواقع كما خطط له لتغيير أدوات وقواعد تسير البلد .إن فهم هذه المسألة يتطلب تغيير عقيدة الإقصاء لدى الشباب نفسه بأن التغيير يعني بالضرورة طرد غزواني لأطر البلد الحاليين في جهاز الدولة واستدعاء الشباب ليحلوا محلهم !وأن مشاركتهم أو استجابتهم لدعوته تنتهي بشد الطابور في انتظار التعيين وامتطاء المناصب العليا في الدولة .
إن الأمر يختلف جذريا عن ذلك الفهم "الشبابي الصبياني الدارج "، إلى أن يستوعب الشباب حجم الفعل الذي يمثل الاستجابة المناسبة لهذا الانفتاح والدعوة التي وجهها لهم على نحو صريح وقاطع وواضح .إنها فرصة عديمة الصنو عندما يستغلها الشباب معلنا عن ثورة في الأسلوب وفي الأداء للسيطرة على أداة الفعل الوطني وتوجيه المجتمع والدولة .ليس الأمر نظريا أو بعيد المنال، بل يكفي أن ينتظم الشباب في مبادرات قوية تعي أهدافها الوطنية وفق رؤية الرئيس للتغير والإصلاح وتثمينها وتعميقها وتوسيعها بما يمنحه القدرة على تحريك دفة المبادرة خلال المرحلة القادمة .
عندما يتصدر الشباب المشهد في وجه الاتجاهات الرامية للتمايز في المجتمع وفي الاندماج في الخيارات الإجابية ومبادرات الشفافية والحكامة ودعم استغلال الفرص بكل جدية واخلاص للبلد، فإنه يمسك زمام مبادرة الإصلاح وتحريك دفة الحكم وتوطيد قواعد الرقابة الذاتية والخارجية على المجتمع والدولة ومحاربة المسلكيات والعادات التي تؤيد وتغذي الفساد، وهو بالتالي سيضطلع، بوطنية ، بدور كبير وجوهري ويكفي أن يكون الرئيس مقتنعا به. أما أن يكون جزءا منه، فتلك بوادر ثورة على النمط القائم ، على الشباب أن يغتنمها بقوة واندفاع ووعي .
إنها فرصة الشباب الوحيدة في التخلص من الفساد على نحو جوهري بالاتفاف حول غزواني في ضوء دعوته له ، ورؤيته العميقة لمستقبل البلد وتعهده بمكافحة الفساد وبالاتكال على الشباب.. هل هناك باب أوسع ليدخل منه الشباب إلى المشاركة في تسيير البلد؟.
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار