الأربعاء
2024/12/11
آخر تحديث
الأربعاء 11 دجمبر 2024

أطفال ورجال من غزة يروون ما عاشوه خلال اعتقال الاحتلال لهم ويقولون: "كما لو كنا لسنا بشرا"

15 دجمبر 2023 الساعة 10 و47 دقيقة
أطفال ورجال من غزة يروون ما عاشوه خلال اعتقال الاحتلال (…)
طباعة

دير البلح وسط قطاع غزة داخل إحدى غرف مستشفى شهداء الأقصى، الطفل محمود زندة بالقرب من والده نادر. ما تزال ويلات الأسبوع الماضي مطبوعة على وجهيهما. عيونهم واسعة، وتتحرك بسرعة في كل اتجاه.

ورد ذلك في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجزيرة الإنجليزية كتبته لينا الصافين ومرام حميد، يصور لحظات الرعب والإذلال التي عاشها فلسطينيون اعتقلتهم القوات الإسرائيلية في غزة لأيام بعد تجريدهم من ملابسهم وتعصيب أعينهم وترقيمهم وتعذيبهم أثناء احتجازهم.

محمود البالغ من العمر 14 عاما ووالده كانا من بين مئات الفلسطينيين الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الجاري في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة، حيث عانيا خلال 5 أيام من التعذيب والإهانة قبل إطلاق سراحهما، دون أي تفسير لاعتقالهما.

سنذبحكم جميعا
يقول محمود وهو يرتجف: "أحد الجنود الإسرائيليين قال لي إنني أبدو مثل ابن أخيه وأن ابن أخيه قُتل أمام جدته التي احتجزتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) كرهينة وأن الجنود سيذبحوننا جميعا".

قبل محنتهم، حوصرت عائلة زندة بمنزلها في حي الزيتون بمدينة غزة لمدة يومين، ولم تتمكن من المغادرة مع تقدم دبابات الاحتلال واقتراب القصف المدفعي. أولئك الذين تجرؤوا على مغادرة منازلهم لأي سبب تم قصفهم وقنصهم في الشوارع.

في اليوم الثالث، استيقظت الأسرة، التي نامت على أرضية البلاط البارد تحت المراتب لحمايتها من الشظايا المتطايرة المحتمل سقوطها في كل لحظة، لتجد الدبابات في شارعها.

الجرافة تضرب الجدران
يقول نادر (40 عاما) "سمعنا جنود الاحتلال وهم يصرخون وترتفع أصوات الدبابة، كان المنزل يتحرك، أدركت أن الجرافة الإسرائيلية كانت تضرب الجدران، وكان الجنود يطلقون النيران أيضا".

مزق نادر بسرعة بعض الملاءات البيضاء ليصنع منها رايات صغيرة يحملها كل من أطفاله الثمانية. قاموا بإخراج أحدهم من الباب الأمامي للمنزل، توقفت الجرافة، وكذلك إطلاق النار. لكن فجأة كان المنزل مليئا بالجنود الإسرائيليين.

يتذكر نادر: "لقد جعلونا نفرغ حقائبنا على الأرض ومنعونا من أخذ أي مال أو ممتلكات، وألقوا الطعام القليل الذي كان لدينا بعيدا. أخذوا أموالنا، وكذلك الهويات والهواتف".

جردوهم من ملابسهم
قسّم الجنود الأسرة: النساء والأطفال الصغار في غرفة والرجال والفتيان في غرفة أخرى. ثم أخبروا محمود ونادر وصهره وقريبا آخر أن يخلعوا ملابسهم، ثم دفعوهم إلى الخارج.

يوضح نادر: "لقد جمعوا ما لا يقل عن 150 رجلا من المنازل المحيطة وعصبوا أعيننا وقيدوا أيدينا جميعا في الشارع".

بعدها أجبر الجنود الرجال على الصعود إلى شاحنات ووقتها تأكد نادر من أن محمود في حجره، وشعر بالرعب مما سيفعلونه بابنه إذا انفصلا. يقول "لا أريد أن أفقد طفلي، ولا أريد أن يفقد ابني والده".

سرعان ما أدرك الرجال أن هناك أيضا نساء في الشاحنة، التي توقفت فجأة، مما أدى إلى سقوط المعتقلين فوق بعضهم بعضا.

عصبوا أعينهم
يستمر نادر بالحديث: "كنا جميعا معصوبي العيون، لذلك لم نتمكن من رؤية بعضنا، نسمع صرخات النساء والأطفال".

توقفت الشاحنة، ومرة أخرى، تم فصل الرجال والنساء. ونقل الرجال والأطفال إلى مستودع حيث جلسوا على أرضية مغطاة بحبوب الأرز المتناثرة. وهناك تعرضوا للضرب والاستجواب والشتائم. وتركوا بلا نوم بعد أن خلعوا ملابسهم.

الجوع والضرب لعدة أيام
الطفل محمد عودة 14 عاما أخذ من نفس وادي العرايس في حي الزيتون مثل زندة، حيث ظل هو وعائلته عالقين في منزلهم لمدة 5 أيام، يتضورون جوعا.

قُتل اثنان من أولاد الحي على يد قناصة إسرائيليين عقب مغادرتهما منزليهما للبحث عن المياه في الشارع.

بعد أن هدمت الجرافة جدران العديد من المنازل، قام جنود الاحتلال بسحب الرجال والفتيان إلى الخارج، وأوسعوهم صفعا ولكما وضربا بأسلحتهم.

يتذكر محمد: "لم تكن هناك فرصة للتفاهم معهم، وظلوا يقولون إننا جميعا حماس. وكتبوا أرقاما على أذرعنا. كان رقمي 56". عندما يمد محمد ذراعيه للخارج، لا تزال الكتابة الحمراء مرئية على جلده.

ويتابع محمد: "عندما يتحدثون إلينا بالعبرية ولا نفهم، كانوا يضربوننا".

"ضربوني على ظهري وخاصرتي وساقي، أخذوا عائلتي، ولا أعرف أين هي"، يقول وصوته يرتعش.

بصقن على الرجال
يتذكر محمد أنه، وقبل إجبارهم على دخول المستودع، جاءت المجندات الإسرائيليات وبصقن على الرجال المعتقلين.

في المستودع، كان من الشائع أن تدخل مجموعات من 5 جنود فجأة وتضرب شخصا بينما يُجبر الآخرون على الاستماع إلى صراخه من الألم. إذا أومأ أي من الرجال أو الفتيان برأسه من الإرهاق، سكب الجنود الماء البارد عليه.

يقول محمد: "كان ازدراؤهم لنا أمرا غير طبيعي، كما لو كنا كائنات أقل من البشر".

بعضهم لم يعد
يقول نادر بحزن: "بعض المعتقلين لم يعودوا من جلسات التعذيب، كنا نسمع صرخاتهم ثم تختفي".

في وقت من الأوقات، أخبر محمود والده أن معصميه ينزفان من الأصفاد. سمعه جندي وسأله عن مكان الألم ثم شرع في الضغط عليه. حاول نادر حماية ابنه، وحاول أحد الجنود جر الطفل بعيدا. عندما قاوم محمود، تعرض للركل على وجهه. ولا تزال العلامة ظاهرة.

يقول محمود: "ظل والدي يصرخ عليهم بأنني طفل وألقى بنفسه فوقي، سمعت جنديا يتحدث بلهجة أميركية، وقلت له بالإنجليزية إنني مجرد طفل يذهب إلى المدرسة لكن دون نتيجة".

معصوبو العيون ومكبلو اليدين طوال الوقت، تعرض الرجال والأطفال لساعات من الضرب، وفق الشهادات المذكورة.

لعنات وعبارات بذيئة
يقول نادر، الذي تعرض لضربة مؤلمة بشكل خاص في رأسه: "لعنونا، وقذفونا بأكثر العبارات بذاءة، بعضهم يتحدث العربية. في كل مرة تحاول التحدث، أو تطلب الذهاب إلى الحمام أو تريد شربة ماء، كانوا يأتون ويضربوننا، مستخدمين أعقاب بنادقهم (إم-16)".

استجوبهم الجنود وهددوهم بالقتل جميعا. واتهموهم بسرقة سياراتهم العسكرية واغتصاب النساء الإسرائيليات.

عندما سألوا محمود عن مكان وجوده في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي أي تاريخ معركة "طوفان الأقصى" وأجاب بأنه كان نائما في المنزل، ضربه الجنود.

"لديهم عنصرية لا يمكن أن تصدق". يقول نادر الذي أضاف "إنهم يكرهوننا حقا، هذا الأمر ليس متعلقا بحماس. وإنما بالرغبة في القضاء علينا جميعا. هي إبادة جماعية، أعطى الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء الأخضر لها".

يقضون حاجتهم في أماكنهم
خلال الاعتقال أُعطي الرجال بضع قطرات من الماء فقط وفتاتا من الخبز. وأُجبر البعض على قضاء حاجته في مكانه بينما تم تسليم آخرين دلوا كريه الرائحة للقيام بذلك.

في اليوم الخامس، تم نقل محمود ونادر و10 رجال آخرين إلى نتساريم، وهي مستوطنة سابقة جنوب مدينة غزة تحولت إلى أرض زراعية بعد "فك الارتباط" الإسرائيلي عام 2005. وهي الآن نقطة تفتيش إسرائيلية قبل وادي غزة مباشرة، وتم إطلاق سراح الرجال المعتقلين هناك وطلب منهم التوجه جنوبا.

خلعت المجموعة عصابات الأعين وتُركت أعينهم تتكيف مع النور بعد أيام من الظلام. كانوا منهكين وجائعين وما زالوا دون ملابس. بعد المشي المؤلم لمدة ساعتين، رصدتهم مجموعة من الفلسطينيين.

يقول نادر: "ألبسونا وأعطونا الماء، واستدعوا سيارة إسعاف، ووصلنا إلى مستشفى شهداء الأقصى، حيث أعطونا سوائل وريدية". ويضيف: "اعتقدت أنه لم تكن لدي فرصة للخروج حيا".

ويختم "كان الجحيم على الأرض. كان الأمر أشبه بقضاء 5 سنوات في ذاك المستودع. لا أتمنى هذا لأي شخص".

المصدر : الجزيرة