لا لهدر المصالح الحيوية للبلد
شاهدت اليوم مثل غيري صيحة مدوية عبر تسجيل موجع لرئيس الرابطة الوطنية للصيادين التقليدين من أجل إصلاح الصيد، المدعو محمد ولد لمرابط ولد الصبار كما عرف نفسه، يتحدث فيها عن سوء اتفاق الصيد مع الجارة السينغال الذي انتهى مفعوله12 يوليو 2023، ومن المتوقع أن يتم تجديده هذه الأيام. وقد تعرض للأضرار الكبيرة المترتبة عليه ، دون أن يتعرض للفحوى ولا للحيثيات ولا للفوائد ولا للخلفيات .
وقد كانت منصات التواصل الاجتماعي منذ يومين، خاصة منصة 2030 المختصة في الصيد، تضج بتنديد واسع بالاتفاق بين موريتانيا والسينغال الذي لا يأخذ طابعا صريحا ولا واضحا يمكن تصنيفه في الشراكة الاقتصادية أو في الإطار الاجتماعي كمساعدة في الأمن الغذائي السينغالي حيث لكل واحد منها نظامه الخاص قانونيا وهكذا جعلت حزمة الامتيازات والتسهيلات والتنازل عن حقوق البلد الذي حصل في هذا الاتفاق والذي اصبح نشازا من حيث التصنيف ومضرا بمصلحة البلد، خاصة أن المدن الساحلية الموريتانية والعواصم الأساسية يُظلها شبح المجاعة بسبب ندرة العينات الغذائية في المصائد ، وبالتالي -يضيف أصحاب المنصة- أنه لايمكن تجويع الموريتانيين وإشباع السينغاليين بثروة نحن في أمس الحاجة لها .
وتؤكد المنصة أن الاتفاق كان ممكنا في الفترات السابقة رغم ما ينطوي عليه من إجحاف إلا أن الوفرة كان بامكانها التغطية على تلك الأضرار، لكن تجديده اليوم بنفس الشروط صار تجنيا كبيرا على المصالح الحيوية للبلد بسبب التغيرات الكبيرة في المخزون وبالتالي لا بد من وضع هذا الاتفاق في إطار واضح . وحسب نتيجة أعمال المجلس العلمي لسنة 2023 فإن جميع الثروة في حالة استغلال مفرط وأي قرار أو اتفاق يجب أن يتماشى مع تقليص الجهد على المصايد كهدف استراتيجي لحماية الثروة واستدامتها.
وهكذا تخضع السفن الموريتانية لقياس طولها وعرضها ليل-نهار، ويتم تحديد أماكنها بدقة من خلال تركيب جهاز تتبع ، وتتم مضايقتها من خلال تبديل وتقليص المصايد، فمن غير الممكن السكوت عن السفن الأجنبية .
ومع ذلك تظل السينغال دولة صديقة وجارة، لنا معها كثير من العلاقات والمصالح المتداخلة والمشتركة الحيوية والاستراتيجية على المستوى الجغرافي والثقافي والديني والاجتماعي والتاريخي والاقتصادي على عدة محاور (الماء والطاقة والزراعة والصيد والتنمية الحيوانية والطرق الصوفية)، وبالتالي تظل علاقتنا معها فوق جميع الاعتبارات .
أما فيما يخص اتفاق الصيد معها فهو اتفاق تفضيلي تسعى الحكومة الموريتانية من خلاله لتخفيف الضغط الغذائي على الشعب السينغالي خاصة ولاية سينلوي التي ظلت تصطاد في المياه الموريتانية منذ 22 سنة حيث صار الأمر جزءا من حق شرعي بالنسبة لها ودون أن يسددوا حق الولوج للثروة الذي هو 50 ألف اوقية قديمة عن السفينة. ويمنح هذا الاتفاق السينغال اصطياد 50 ألف طن من صيد السطح المهاجر بأسعار تفضيلية أقل 9مرات من سعر السوق العالمي أي ثمن الطن ب 15 دولارا بدلا من 115 دولار وبما هو معدل 500 سفينة تقليدية تحمل كل واحدة 20عاملا على ظهرها أي 10 آلاف فرصة عمل مباشرة . ومع أنه يمتص هذا الكم من البطالة بشكل كبير إلا أن خلفيته ظلت إجتماعية غذائية وليست تجارية، أي أن هذه الكمية موجهة للسوق السينغالي ولقوت السينغاليين اليومي الأمر الذي لم يلتزم به السينغاليون .ثانيا أن هذه الكمية من عينات محددة من صيد السطح وبواسطة الصيد التقليدي حيث لا يفترض فيها صيد عرضي باكثر من 2% من حجم المقبوضات ، وهو أيضا ما لم يحدث حيث يكثر صيد العينات المحرمة والخارجة عن الاتفاق بالقصد ، وهذا هو محل الاستنزاف الأساسي الذي وقعت بسببه مشكلة كبيرة بين البلدين سنة 2018 إذ طلبت الحكومة الموريتانية - لمّا إطلعت على عمليات تلاعب توحي بالنهب من حيث استخدام الاتفاق لسفن غير مرخصة وخلط كل الأوراق وكذلك اصطياد كميات تجارية من السمك - من الصيادين السينغاليين أن يفرغوا حمولاتهم في ميناء انجاكو للتفتيش قبل أن يتوجهوا بها للسينغال حتى تكون الدولة على إطلاع إحصائيا وإجرائيا على احترام دفتر الشروط والالتزامات ،لكن الصيادين السينغاليين رفضوا ذلك وقاموا بشبه ثورة في بلدهم وهجموا على حكومتهم وأرغموها على حمل الحكومة الموريتانية على التراجع عن القرار، ولجأت الحكومة السينغالية، عندما رفضت موريتانيا التراجع عن القرار ، إلى الاستفزاز حيث طردت المواشي الموريتانية من الأراضي السينغالية لتقوية الموقف التفاوضي السينغالي ،ومع ذلك ظلت الحكومة الموريتانية ترفض الرضوخ للضغوط السينغالية، وفي الأخير تمت تسوية ذاك الملف بصفة ودية لمدة سنتين حيث يتم تفريغ الحمولات في ميناء سينلوى ريثما يتم تأهيل ميناء انجاكو ، لكن الواقع أن الأمر تفاقم حتى وصل نقطة الاستنزاف مجددا حيث أصبحت هذه الكميات المصطادة غير محددة لا من حيث الكمية ولا من حيث النوعيات كما انتهت الآجال ،ينضاف إلى ذلك أن الأمر أخذ منحى مختلفا حيث يعتبر السينغاليون أن هذا حق لهم ويرفضون أي تحسينات تفرضها الدولة الموريتانية خاصة سلطتها على مياهها .
كما أن هذا الاتفاق أصبح ذا طابع تجاري موجه للأسواق الافريقية والأوروبية على نحو ينافس المنتوج الموريتاني، ولم يعد موجها للمواطنين السينغاليين ولأن الاتفاق تفضيلي جدا من حيث السعر للسنغاليين الأمر الذي يجعلهم في وضع مريح بالنسبة للمنافسة إضافة للقرب من الأسواق الافريقية مما يتيح بيع السمك طازجا .ثالثا تم تجميد كل الأعمال التي تدخل في تسيير هذا الاتفاق وكقيمة مضافة للمنتوج الوطني من حيث استخدام العمالة والمعدات ، واسترجاع الكميات الزائدة والنوعيات غير المرخصة للصيد وتنشيط الضرائب وغيرها . ولهذا تكون صيحة رئيس الرابطة وتنديد منصة الصيد في وقتهما من أجل حماية مصالح البلد. ويجب أن لا تكون في واد يابس، فلابد من الاستماع إليهما للحفاظ على المصالح الحيوية للبلد .وفي نفس الوقت يجب الاستمرار في مساعدة الإخوة السينغاليين في قوتهم اليومي وتخفيف الضغط الاجتماعي على الحكومة لأن أمن واستقرار سينغال جزءا من أمننا ، وبنفس الدرجة لابد من الحفاظ على مصالح البلد الحيوية وثروته الوطنية ،فهذا البحر تراث وطني ولجميع الموريتانيين الحق في نصيب منه عبر تخفيف ثمنه خاصة الذي يدخل في الفرن اليومي للمواطنين وتوزيع عائده في الخدمات الأساسية . إن التنازل عنه تفريط في الأمانة وتنازل عن حقوق شعب فقير يطحنه غلاء المعيشة وبصفة خاصة مادة الصيد نفسها أي سمك السطح .صحيح أن السينغال توفر الظعن والكلأ لمواشينا بكل أمان، وقد ساهم ذلك في مضاعفة هذه الثروة وجني الكثير من الأرباح من بيعها بأسعار عالية ومجانية بسبب توفر الكلأ و تدني سعر الماء. وهكذا يجب على الدولة والشعب الاعتراف لهم بالجميل ومكافأتهم على ذلك، لكن مع الحفاظ على مصالح البلد والبقاء في الإطار المرجعي للاتفاق وليس استنزافا للثروة .
ومن هذا المنطلق يجب إشراك الفاعلين في القطاع من رسميين وخصوصيين وفنيين من الدولتين في نقاش الاتفاق الاجتماعي الأخوي بين البلدين والشعبين، وليس نقاش اتفاق اقتصادي أو سياسي يتم فيه هدر المصالح الحيوية والإستراتيجية للبلد .
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار