ميثاق لحراطين يطالب في ذكراه التاسعة بإصلاح عقاري
اختار قادة ميثاق شريحة “حراطين” موريتانيا (الأرقاء السابقون) عنوان “الإصلاح العقاري ضمان السلم الاجتماعي”، شعارا لإحياء الذكرى التاسعة لميثاقهم وذلك في حفل سياسي كبير نظمه الميثاق بديلا عن المسيرة السنوية التي حال وباء كورونا دون تنظيمها هذا العام.
وأكد يرب ولد نافع، رئيس الميثاق من أجل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، في خطاب بمناسبة ذكرى الميثاق “أن وضعية الحراطين ما تزال تراوح مكانها نتيجة الإهمال”، مطالبا “حكومة الرئيس الغزواني بإنهاء فوري للإقصاء المتعمد لشريحة الحراطين من الوثائق الشخصية المؤمنة”، مضيفا أن “هذا الإقصاء ينعكس سلبا على ولوج أبناء الشريحة لمؤسسات التعليم”.
وقال: “إننا مستمرون على نهج الميثاق القائم على التشاور الجاد، من أجل التوافق المثمر، وكذا مواصلة النهج الثابت والواضح بالسعي لتوصيل خطاب الميثاق الذي يطالب بمختلف الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين في مختلف مناطق الوطن”.
وتحدث ولد نافع عن ظهور بصيص أمل من خلال الخطابات والتصريحات، وحتى البرامج الواعدة، لكنه أكد “أن هذا الأمل بدأ يتلاشى نتيجة لتزايد الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، والارتفاع الجنوني والفاحش للأسعار، إضافة لما يشهده قطاعا التعليم والصحة من ممارسات جعلتهما يعيشان تراجعا خطيرا”.
وأكد أن “الوضع ازداد قتامة نتيجة تعاطي الحكومة مع الأحداث الأخيرة، مثل قضية وادان التي قدمت فيها فتاة من شريحة الحراطين ضمن صداق في عقد قران”، واصفا هذه القضية بأنها “احتقار حقيقي للكرامة الإنسانية”.
واعتبر ولد نافع في أول خطاب يلقيه عقب اختياره رئيسا دوريا للميثاق أن “الوضع يزداد خطورة عند الحديث عن مشكل الأراضي والملكية العقارية، خصوصا في مجال توزيع القطع الأرضية الصالحة للسكن، وفي مجال الأراضي الزراعية”.
ورأى “السلطات الإدارية والزعامات التقليدية تتنافس على انتزاع الأراضي الزراعية قهرا وظلما من ملاكها الأصليين المنحدرين من شريحة الحراطين، والتنكيل بهم بمجرد رفضهم لهذه الممارسات الظالمة والمخالفة للقوانين والنظم”.
وأشار ولد نافع إلى أن “الوضعية الصعبة التي يعيشها العالم جراء جائحة كوفيد 19، والظروف الأمنية المحيطة بموريتانيا، تفرض على الجميع حكومة وشعبا وسلطات إدارية المساهمة في إيجاد حلول موضوعية وثابتة لكل هذه المشكلات التي يعيشها البلد، والتي كانت وما زالت وستبقى المهدد الكبير للسلم والنسيج الاجتماعي ووحدة وتماسك البلد”.
وطلب ولد نافع من الحكومة الموريتانية “الإنهاء الفوري” لما قال إنه “إقصاء متعمد للحراطين من الوثائق المؤمنة، الذي انعكس سلبا على ولوج أبنائهم للتعليم”.
وتأسس ميثاق الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للحراطين، سنة 2013 عندما قدم مؤسسوه وثيقة مفصلة تضمنت تشخيصا لوضع شريحة الحراطين الموريتانية، واقترحت آلية لتسوية مشاكل الغبن والتهميش المرتكبة حسب رأيهم، في حق الحراطين، بصفتها “الفئة الأكثر تهميشا وفقرا وجهلا في البلاد”.
وطالبت الوثيقة بـ”اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لصالح المحرومين والمهمشين في البلد، وإنشاء مناطق مختارة للتعليم في المناطق الأكثر فقرا (آدوابة)، والتطبيق الفعلي للقوانين المجرمة للعبودية والقيام بإصلاح زراعي حقيقي”.
ودعت الوثيقة إلى “إعادة تأسيس الجمهورية على قاعدة التقاسـم الحقيقي للسلطة والثروة بين كافة أبناء البلد، وهو مطلب بات يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى، باعتباره السبيل الوحيد للخلاص من هذا الحيف المستديم الناتج عن تاريخ مرير ممتد على مدى قرون، لكنه ما يزال شاخصا أمام أعيننا حتى اليوم”.
ولمواجهة معضلة “الحراطين”، أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، مباشرة بعد تنصيبه، عن إنشاء مندوبية عامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء تحت مسمى “تآزر” مكلّفة بتنفيذ حزمة من المشاريع المخصصة لمكافحة الفقر والإقصاء والتهميش، سبيلاً إلى تحقيق الحماية الاجتماعية واستئصال كافة أشكال التفاوت وتعزيز الانسجام الوطني وتنسيق كافة التدخلات في المناطق المستهدفة.
وأكد الرئيس الموريتاني أن “هذه المندوبية تجسد إقامة دولة تعتبر فيها العدالة والمساواة والإخاء والمواطنة مرتكزات وقيماً تأسيسية لا مجرد مفاهيم نظرية”.
وخصصت الدولة غلافاً مالياً بمقدار 200 مليار أوقية قديمة سيوجه خلال السنوات الخمس القادمة لتمويل المندوبية وتمكينها من تنفيذ برامجها.
يذكر أن “الحراطين” هم زنوج من حيث أصولهم، لكنهم تعرّبوا على مر التاريخ في ظل استرقاق متطاول مارسته المجموعات العربية والبربرية المحاربة في القرون الماضية.
وينتشر “الحراطين”، وهم كلهم مسلمون يتكلمون اللهجة الحسانية وهي عربية ملحونة، في موريتانيا التي يمثلون فيها نسبة هامة من السكان، وفي شمال السنغال الذين يبلغ تعدادهم فيها 20 في المئة، ويعرفون في السنغال بمسمى “لبزوقه”، وفي مالي حيث يناهز تعدادهم المليونين.
وقد عانت هذه المجموعة ذات الوضع المشابه في كثير من جوانبه لوضع سكان منطقة دارفور السودانية، من التهميش والاستغلال على مر التاريخ، حيث ظل أفرادها القوة الوحيدة التي تقع على كاهلها مشاق العمل والإنتاج وخدمة “الأسياد”.
وفي عام 1978، أسست مجموعة القيادات الأولى المتخرجة من الجامعات والمنتمية لهذه الفئة “حركة الحر” التي حددت لنفسها أهدافا، بينها إيقاف ممارسة الرق ووقف تهميش واستغلال هذه المجموعة وإدماجها بحقوق كاملة في المجتمع.
وبعد سنوات من النضال، اتسقت جهود مناضلي الحراطين مع الدفاعات الدولية عن حقوق الانسان، فشكّل ذلك عامل مساعدة لهذه المجموعة ساهم في تغيير أوضاعها نحو الأحسن، حيث تخرج منها آلاف المتعلمين في شتى مجالات الحياة ودخل أبناؤها أروقة الدولة حكاما ووزراء ونوابا.
ولا أدل على ذلك اليوم من تولي أفراد من هذه المجموعة لرئاسة الوزراء وإدارة هيئات حكومية هامة أخرى.
غير أن استمرار قسم كبير من مجموعة الحراطين في ممارسة الأنشطة التقليدية، وابتعاد مجموعات منهم عن التعلم، أضفى عليهم نوعا من الاسترقاق الاجتماعي، مما جعلهم يعيشون أوضاعا صعبة، وجعل منهم المكون الأساس لعمال الورش وخدمة المنازل والجزارين وممارسي الرعي وممتهني الزراعة ومهن الشقاء الأخرى.
وقد تعاملت الأنظمة الموريتانية المتعاقبة منذ 1960 وحتى اليوم مع مشكلة الحراطين تعاملا اقتصر على محو الرق بالنصوص القانونية وبالتعيينات في المناصب وبالسياسة والتهدئة، فبقيت آثار الظاهرة ماثلة، كما أن محدودية الوعي وحياة البداوة أبقت على جيوب استرقاقية وحالات استعباد في بعض المناطق داخل موريتانيا.


