الغرب لا يعرف إلا المصالح… والمعارضة الموريتانية على مفترق طرق!

قبل الخوض في هذا المقال، لا بد أن أعترف أنني لست سياسيًا محترفًا، ولا أكتب بصفة أكاديمية في العلوم السياسية، غير أن المتابعة المستمرة والتحليل لما يجري في العالم وفي منطقتنا، جعلاني أجد نفسي مضطرًا للكتابة في هذا الموضوع. قد أكون صائبًا أو مخطئًا، لكنني أطرح رؤية شخصية للنقاش، خصوصًا بعد كثرة المقالات والتحليلات المتباينة حول هذا الملف.
الغرب لا تحكمه المبادئ بل المصالح
الرهان على الغرب في الصراعات أو الإصلاحات الداخلية في موريتانيا خطأ استراتيجي.
فرنسا، التي كانت في الماضي صاحبة النفوذ الواسع، لم يعد لها اليوم سوى حضور محدود، وهي غير مستعدة للتضحية بعلاقاتها الاستراتيجية من أجل شعارات مثل الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو حرية التعبير.
التاريخ السياسي المعاصر يبرهن على أن الغرب لا يتحرك إلا وفق حسابات المصلحة، وأن مواقفه يمكن أن تنقلب رأسًا على عقب متى تغيرت معادلات الربح والخسارة. وما يحدث في فلسطين – وخاصة مأساة غزة – مثال صارخ: إذ تنكشف ازدواجية المعايير الغربية في لحظة، حين تُهدَّد مصالحها الحيوية.
المعارضة الخارجية… مشروع غير واقعي
التجربة الموريتانية أثبتت أن المعارضة التي تراهن على الخارج، أو تستند إلى أيديولوجيات قديمة، أو تنتظر تدخلًا عسكريًا وضغطًا أجنبيًا، لا يمكن أن تنجح في كسب ثقة الشارع.
المسار الواقعي لأي إصلاح سياسي يبدأ من الداخل، بمشاريع جادة تلامس هموم المواطن اليومية، لا بالشعارات الفضفاضة أو الخطابات الاتهامية. حتى التصريحات المتطرفة لبعض الشخصيات المعارضة – مثل بيرام الذي يصف الدولة بأنها "تقتل شعبها" – لم تعد تجد صدى واسعًا لدى الرأي العام، الذي بات يدرك حدود هذا الخطاب ومآلاته.
وفي السياق نفسه، كشفت الحرب الأخيرة في غزة زيف شعارات الغرب حول الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، إذ انحاز بلا تردد للاحتلال الصهيوني، ففضح بذلك ازدواجية المعايير.
أما ما تروّج له بعض المنظمات الأجنبية حول "العنصرية" في موريتانيا، فهو يفتقر إلى الموضوعية، بدليل أن الزنوج الموريتانيين تولوا مناصب وزارية وقضائية وأكاديمية وعسكرية رفيعة، ربما لا تُتاح لهم بنفس القدر في بعض الدول الغربية التي تتغنى بشعارات المساواة.
المعارضة السياسية حالة صحية لأي نظام، لكنها لا تنجح إلا إذا تأسست على مشروع وطني صادق وواقعي. أما التعويل على فرنسا أو أمريكا أو غيرهما، فليس سوى وهم مكلف، خصوصًا أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني نفسيهما غارقان في أزماتهما الداخلية وحروبهما المستنزفة، وقد فقدا كثيرًا من المصداقية أمام العالم.
دروس من الواقع الدولي
لقد وصل العالم إلى مرحلة حرجة: قادة مثل نتنياهو يواصلون جرائمهم دون رادع، فيما يقف المجتمع الدولي عاجزًا. أما "الشرطي" الأمريكي – ممثلًا في ترامب وحلفائه – فيدفع البشرية نحو المجهول بسياسات متهورة تفرض قوانينها على الآخرين.
إن موريتانيا اليوم على مفترق طرق:
إما التعويل على الداخل، على الشعب والمصلحة الوطنية ومشاريع إصلاح واقعية.
وإما الاستسلام لوهم الخارج الذي لا يجلب إلا الخيبة.
الغرب، وخاصة فرنسا، لن يقدم سوى خطاب مزدوج ومواقف متغيرة تحكمها المصالح لا المبادئ.
لمرابط ولد لخديم