الجمعة
2025/07/18
آخر تحديث
الجمعة 18 يوليو 2025

أمل زينب ومريم: قصة أم موريتانية في يوم مسابقة ختم الدروس الابتدائية

1 يوليو 2025 الساعة 23 و07 دقيقة
أمل زينب ومريم: قصة أم موريتانية في يوم مسابقة ختم (…)
طباعة

في أحد أزقة السوق الصاخب بنواكشوط، حيث تتصاعد روائح السمك وتتعالى أصوات الباعة، كانت زينب تجلس خلف بضاعتها، يدها ماهرة في تنظيف الأسماك، وعيناها تحملان قصة كفاح لا تنتهي. زينب، الأم والمعيلة، كانت ترزق من بيع السمك، ومعيشتها كانت بالكاد تسد رمقها ورمق بناتها الأربع. كانت الحياة قد ألقت على عاتقها ثقلاً كبيراً بعد أن طلقها زوجها وتنصل من مسؤولياته، تاركاً إياها وحيدة في مواجهة قسوة الحياة.
لكن زينب لم تستسلم، كان أملها كله معقوداً على ابنتها الكبرى، مريم، التي كانت تجري هذا العام امتحان ختم الدروس الابتدائية. لم تكن مريم مجرد ابنة بالنسبة لزينب، بل كانت مشروع حياتها، مفتاح خلاصها من الفقر، وبوابة أملها لمستقبل أفضل.
سهرت زينب الليالي الطوال، تجمع أوقية فوق أوقية، لتوفر لمريم كل ما تحتاجه. حرمت نفسها الكثير، لم تأكل ما تشتهي، ولم تلبس ما يعجبها، كل ذلك لتوفر ثمن المدرسة الخصوصية لابنتها، على الرغم من ضآلة دخلها. كانت تؤمن بأن التعليم هو السلاح الوحيد الذي ستتمكن به مريم من شق طريقها في الحياة.
أحلام زينب تتجاوز مجرد نجاح مريم؛ فهي تريدها أن تتفوق، وتدخل مدارس الامتياز المرموقة. هذا الأمل ليس ترفاً، بل هو ضرورة ملحة. فدخول مريم لمدارس الامتياز يعني أنها لن تحتاج لدروس خصوصية في المرحلة الإعدادية، وهو ما سيخفف عبئاً مالياً كبيراً عن كاهل زينب، التي تتوقع أن ترتفع تكاليف الدراسة بشكل كبير في المراحل التعليمية اللاحقة.
في صباح يوم الامتحان، رافقت زينب ابنتها إلى باب المدرسة، قلبها يرتجف بين الخوف والأمل.
أمسكت بيد مريم الصغيرة، وهمست لها بكلمات التشجيع والدعاء، قبل أن تودعها وتراقبها وهي تختفي بين زملائها. جلست زينب تنتظر تحت شمس يوليو الحارقة، عيناها معلقتان بباب المدرسة، روحها معلقة بنتيجة مريم.
تعلم زينب أن نجاح مريم هو نجاح لها ولأخواتها، وأنه سيفتح لهم جميعاً نافذة أمل على حياة كريمة. في تلك اللحظات، لم تكن زينب مجرد أم تنتظر ابنتها، بل كانت تجسيداً للإصرار والصبر، ورمزاً لكل أم تكافح من أجل مستقبل أبنائها، حتى لو كان الثمن غالياً.
إن قصة زينب ومريم ليست سوى مثال واحد من آلاف القصص المشابهة في موريتانيا، حيث تتحمل العديد من النساء عبء إعالة أسرهن بمفردهن، سواء بعد أن تخلى عنهن آباء الأبناء، أو بعد أن وافتهم المنية.
هؤلاء النساء هنّ أعمدة المجتمع، يكافحن بصمت ويصنعن الأمل من رحم المعاناة، لضمان مستقبل أفضل لأبنائهن.
#العلم