تأثير السياسات المصاحبة للقروض (ح: 4)

تلجأ الدول النامية، ومن بينها موريتانيا، إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي (FMI) أو البنك الدولي أو ممولين آخرين، وذلك لمواجهة عجز الميزانية أو تمويل مشاريع تنموية أو لتحقيق استقرار اقتصادي ومالي.
لكن هذه القروض غالبًا ما تأتي مشروطة بإصلاحات هيكلية واقتصادية تهدف إلى ضمان قدرة الدولة على السداد وتحقيق الاستدامة المالية.
شروط صندوق النقد الدولي
عند طلب قرض، يقوم صندوق النقد الدولي بتقييم الوضع الاقتصادي الكلي للدولة، من خلال مراجعة عدة مؤشرات، من أبرزها:
• الناتج المحلي الإجمالي (PIB / GDP)
• العجز أو الفائض في الميزانية العامة
• مستوى الدين العام (dette publique)
• ميزان المدفوعات (balance des paiements)
• مستوى احتياطي العملة الأجنبية (réserves de change)
إذا تبين أن هناك اختلالات، مثل عجز مالي مزمن أو نمو غير مستدام في الإنفاق الحكومي، يقترح الصندوق إصلاحات، منها:
• زيادة الإيرادات: مثل رفع الضرائب أو زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA)
• تقليص الإنفاق: خصوصًا رفع الدعم الحكومي (subvention) عن بعض المواد الأساسية مثل الوقود أو الكهرباء أو المواد الغذائية
• تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد
فمثلاً في يوليو 2022، قررت الحكومة الموريتانية خفض دعم الوقود جزئياً، ليس إلغاؤه تمامًا، بل رفع السعر بزيادة تقارب 30%:
• في 15 يوليو 2022، ارتفع سعر لتر السولار من حوالي 384 أوقية إلى نحو 491 أوقية، وبنزين من 402 إلى 560 أوقية؛ ما يعادل زيادة 30%
هذا الإجراء جاء في إطار تنفيذ سياسات تقشفية موصى بها من قبل صندوق النقد الدولي، بهدف تقليص الإنفاق العمومي، وتحسين مؤشرات الاستدامة المالية، ومن أجل تهيئة الظروف للاستفادة من قروض جديدة بشروط تفضيلية.
لكن هذا النوع من الإجراءات عادةً ما تكون له تداعيات اجتماعية سلبية، حيث يُحمَّل العبء الضريبي والمالي للمواطن البسيط، خصوصًا الفئات الهشة
خاتمة وتحليل نقدي
رغم أن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي يُبرَّر غالبًا بضرورات تمويلية أو إصلاحات هيكلية، إلا أن الحكومة الموريتانية تطبّق جميع شروط الصندوق دون تكييف محلي يُراعي خصوصية الاقتصاد الوطني أو الأثر الاجتماعي لهذه الإصلاحات.
تُفرض زيادات في الضرائب، ورفع للدعم، وتقييد في الإنفاق الاجتماعي، بينما لا يتم توجيه القروض إلى مشاريع إنتاجية حقيقية ذات مردودية اقتصادية أو أثر ملموس على النمو أو التشغيل.
في الواقع، غالبًا ما تبقى هذه المشاريع حبراً على ورق، وتستفيد منها نخب ضيقة مرتبطة بمراكز النفوذ السياسي والاقتصادي، بعيدًا عن أولويات المواطن.
المفارقة الكبرى أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يكرّر في أكثر من مناسبة دعوته لـ “تقديم مثال على قرض تم شطب ديونه”، في إشارة إلى أن الديون لا تُلغى.
غير أن الأرقام تشير إلى أن حجم الديون التي تم التعاقد عليها خلال فترة حكمه مع صندوق النقد الدولي يفوق بمرتين مجموع القروض التي حصلت عليها موريتانيا منذ الاستقلال.
بالتالي، فإن الاستدانة غير المنتجة، والمصحوبة بشروط تقشفية قاسية، تؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية، وتراجع الخدمات العمومية، وازدياد التفاوت الاجتماعي، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي على المدى المتوسط والبعيد
من صفحة الاقتصادي أحمد محنض