الأحد
2025/02/9
آخر تحديث
الأحد 9 فبراير 2025

في ضوء الاحداث التجارية.. أين الحرب العالمية الثالثة؟

23 أكتوبر 2024 الساعة 08 و15 دقيقة
في ضوء الاحداث التجارية.. أين الحرب العالمية الثالثة؟
طباعة

 أين رد إيران وماهي المعجزة التي ستمنع ابتلاع غزة وجنوب لبنان وتدمير سوريا ؟!
حسب تسلسل الأحداث الدولية، فإن شبح الحرب العالمية الثالثة تأخر إلى أواخر القرن، وفي أسوإ التقديرات بعد ربع قرن إذا لم تقرر روسيا الانتحار مع أوروبا .
فقد شهد العالم تقلبات كبيرة. وعكسا لعقيدة الصراع الغربية، لا تنوى الصين أي احتكاك بالغرب، لكننا نلاحظ - خلال العقد الحالي وعلى نحو حذر- كيف يتم قبولها شيئا فشيئا كقطب ثان تفرضه سرعة النمو والطابع الاقتصادي والتجاري لها. لم تعد هناك أي إمكانية لمنعها من تلك المكانة ولا مجابهتها. وقد كان مرد ذلك نجاحها في عزل نفسها عن مناطق الاحتكاك الدولية، وبقاؤها على وضع الحياد سياسيا، وتطوير أدائها الاقتصادي الذي تضاعف مرات وبأسرع مما توقعته الدوائر العالمية. وعكسا لكل ما جرى في العالم، فقد جعلت منها جائحة كورونا الدولة الأكثر استعداداً لمجابهة أي ازمة عالمية بقوة وبنجاح وتفوق أيضا، فهل سترتب للحرب وتستعد لها مجرى اقتصادها أي كما خططت لنجاحها الاقتصادي ؟.رغم أن الغرب يحافظ على خنقها دائما حتى عبر محيطها ! تيارات الهيمنة الغربية التي تخلخلت في الغرب تريد الصين ملأها ليس بهيمنة بديلة، غير أنها أيضا لا تريد بيع التكنولوجيا ولا تطوير أي بلد في العالم باستثناء كوريا الشمالية. إنها تبقى صديقة تجارية للجميع وليست حليفة لأحد. لقد خلقت قطبا أو صرحا سياسيا مع أفريقيا وعلى نحو يشي بالعطف في الظاهر، فمنحت هذا الصرح قبة اقتصادية كبرى من خلال التعهد باستثمار 52 مليار دولار في أفريقيا. إنها في الحقيقة تحرك دواليب باب ضخم ستدخل منه لأفريقيا كمستثمر لا كمستعمر. وعلى العكس من ذلك، كان يمكن لروسيا أن تلعب دور الحليف، فهي قوة مجابهة دائمة وعنيدة للغرب لو لم تدخل حرب أوكرانيا .
قلة هي المرات التي أظهرت فيها الصين دورها كلاعب سياسي دولي رغم امتعاضها من الغطرسة الآمريكية حتى عندما سنحت لها الفرصة بذلك مرات عدة، فقد تحاشته بالدوام. في الجانب الثاني، تجري سيرورة الحرب الروسية الأوكرانية عند وتيرة معينة دون زيادة التصعيد الذي يجعل روسيا تستخدم الأسلحة الاستراتيجية أو تهاجم الدول الأوربية المستميتة في دعم أوكرانيا، وهكذا يحاول الغرب استخدام هذه الحرب لاستنزاف القوة الروسية ودفعها سنوات في الحرب لكي يتم إضعاف مكانتها الاقتصادية ضمن الأقوياء ، فالولايات المتحدة وأوروبا يسعون لرصد عشرات مليار الدولارات دعما لجهود الحرب الأوكورانية، وفي غضون ذلك ستعجز روسيا عن تطوير قوتها العسكرية لأجل الحفاظ على التوازن الدائم مع الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن دورها على خريطة الأحداث العالمية. لقد أنفقت روسيا على الحرب 211 مليار دولار وخسرت صفقات عسكرية تم إلغاؤها وتأجيلها بقيمة 10 مليار دولار، كما كلفت روسيا نحو 1.3 تريليون دولار من النمو الاقتصادي المتوقع حتى عام 2026، ثم أن حوالي 315 ألف جندي روسي قُتلوا أو أُصيبوا حتى الآن. وكذلك ومنذ فبراير 2022، دمرت أوكرانيا أو ألحقت أضرارا بما لا يقل عن 20 سفينة للأسطول الروسي ما بين متوسطة إلى كبيرة الحجم وناقلة واحدة ترفع علم روسيا في البحر الأسود. ويظل الدعم الغربي لها مستمرا. إنها محاولة جادة لتعطيل دور روسيا لكن متى سترى روسيا مثلما دخلت الحرب ضد أوكورنيا حفاظا على أمنها الاستراتيجي أنها من الضروري استخدام أسلحتها النووية ضد العالم لكي لا يتم تدميرها وتجيدها وحدها ، وذلك هو التوقيت الفعلي للحرب العالمية الثالثة .
وفي نفس الوقت، نشاهد التقدم الاقتصادي لآلمانيا الزعيمة الأوروبية المقابلة للقيصرية الروسية ،فروسيا حتى عندما كانت شيوعية كانت تحافظ على ثوب الإمبراطورية القيصرية وعلى الشعور الدائم بالبعد القيصري ، فقد ظل التفوق هو شعارها أو هاجسها في جميع أنظمتها. إن الغرب ينافسها على ذلك، لكننا أيضا نلاحظ انحسار العقيدة الأوروبية وتأخر الدولتين الكبيرتين فيها (فرنسا وابريطانيا) بالنسبة لوتيرة التطور أصلا، ففرنسا ظلت دولة استعمارية إلى اليوم وظلت تعيش على ريع ذلك بقيمة 600 مليار يورو سنويا أغلبها من دعم عملة الافرنك الافريقي ، لكنها في نفس الوقت تواجه تراجعا وضغطا كبيرا من طرف شعوب المستعمرات التي تسعى للخروج من هيمنتها. أربع دول إفريقية أعلنت العداء لها وتحاول تصفية المصالح الفرنسية فيها من أصل 15 دولة تقريبا (النيجر وبوركينا ومالي والسينغال)، وتبحث عن التعاون مع دول أخرى مثل روسيا والصين وكوريا وتركيا وغيرها .في الجانب الآخر من العالم، تم دعم حالة السلم مؤقتا في جزء مهم من منطقة الشرق الأوسط: المنطقة الأهم استهلاكيا وكخريطة من الخيرات الطبيعية ومنطقة سباق التسلح ومنطقة الطاقة في العالم. عندما تم توقيع اتفاق التطبيع بين السعودية وإيران فقد تم افراغ المنطقة من وضع الضغط العالي الذي كان يقف وراء ظهور الأحلاف الدولية بشكل صريح وصارم وعسكري، لكن ذلك الوضع نقل التوتر الهادىء إلى منطقة بحر الصين .إن الصين، تاريخيا، دولة قوية تجاريا، لكن مجموعة القيم التي تحرسها الصين ضد وعكس الثقافة الغربية بشكل مطلق، واحدة من مرتكزات الخلاف مع الغرب حيث فشل في نقل ثقافته إليها ، فقد تم قمع البؤرة التي أراد الغرب الدخول منها للمجتمع الصيني بشكل يمنعها من أن تتكرر على مر التاريخ: مظاهرات "تن يان من" . الصين تعرف تماما الوقت الذي تكون فيه جدية جدا. إنها الأوسع والأسرع انتشارا اقتصاديا وتجاريا في العالم، وأكبر دولة تشتري أذونات الخزينة الأمريكية، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وثاني أقدم تاريخ في العالم: سور الصين العظيم وطريق الحرير التجاري وإمبراطورية الصين الكبيرة. إنهم يحفظون تاريخ العظمة ذلك بشكل جيد ويحفرون له في وجدانهم ولن يفصلوه عن قوتهم ولا تطورهم .
ظلت السعودية صاحبة فكرة السلم مع الجميع في منطقة الشرق الأوسط (دول الجوار وإيران وتركيا)، لكن ذلك أيضا صادف عملية تحول في إيران ليست ايديولوجية لكنها ولدت في رحم الاختراق في بيت الثورة الإيرانية كل الأحداث تؤكد أن إيران تحتضن طابورا كبيرا غير باد للعيان وغير معروف لحد الساعة ،و هو من يقود هذا الاختراق لمصلحة الغرب ولأجل تخلص إيران من دور الواجهة في التوتر في الشرق الأوسط مقابل إسرائيل، فالأحداث المتلاحقة والمشفرة تؤكد أن إيران لم تعد قادرة على أخذ زمام المبادرة ليس للرد لكن لوقف النزيف المتعلق باستراتيجياتها في المنطقة، فقد تم أخراجها عمليا من العراق بعد مقتل سليماني، وتم اغتيال رئيسها الذي يتماها مع خط الثورة، فقد قال بوتن في كلمة بالمناسبة أنه كان يستغل نفس طراز الطائرات التي كانت ترافقه وكان في نفس الطقس في إشارة إلى أن سقوط طائرته مدبر ، ثم بعد ذلك تم اغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أرضها وإغتيال ذراعها الأيمن في المنطقة الزعيم الشهيد حسن نصر الله بعد أربعة عقود من النجاة من محاولات الاغتيالات الاسرائيلية، واغتيال القيادات الكبيرة في حزب الله، ومن ثم اغتيال الشهيد الأسطورة الفلسطينية يحيى السنوار ،لم يملك أحد في الدنيا المعلومات الدقيقة عن حزب الله وعن حماس سوى إيران. علاقات إيران بالمقاومة ليست فقط لأجل دعم فلسطين، لكنها أيضا كانت ورقة مساومة دولية كبيرة ورابحة وضمن توجه استراتيجي وتاريخي لإيران تحمي به طموحها العسكري .السلطة الإيرانية الحالية ما زالت تتبنى نفس التوجه، لكنها صارت خارج اللعبة. إننا سنرى تقلبات جديدة وكبيرة في إيران ستنتهي بالثورة ضد الثورة . التفوق الاسرائيلي اليوم، مع أنه اصطناعي مصنوع كله في الولايات المتحدة الإمريكية، صار أمرا مفروغا منه لمدة ربع هذا القرن الجاري. وهكذا سنشاهد أيضا اغتيال الأسد كخيار أول أو محق سوريا كخيار ثاني إسرائيل لن تعلن الحرب على سوريا لكنها ستوجه له ضربة مميتة ، وسيظل الخيار الأول واقعي إذا لم تغير سوريا حجم وطبيعة المعلومات التي يتقاسمها مع إيران التي تعتبر اليوم دولة مختطفة خاصة بالنسبة للمعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية الكبيرة، كما أن روسيا ليست في وضع لمنع سقوطها كما في السابق .لا يمكن اتهام إيران بالخيانة اتجاه هذه الأحداث، لكنها لم يعد باستطاعتها التفكير في كيفية الحفاظ على حلفائها قبل ترسانتها النووية من التدمير ومن الهجوم الإسرائيلي. إنها في مأزق وليست لها أي قدرة على الرد الذي لم يعد من أولويتها بل الحفاظ على سلاحهاالاستراتيجي .لم تستطع إيران الرد على كل تلك الاغتيالات بصفة مباشرة لأنها ستصطدم بالولايات المتحدة مباشرة. وإذا كان بامكانها إرجاع إسرائيل للقرون الوسطى تقريبا، فإنها أيضا تواجه إمكانية مسحها من أعلى وجه الأرض. الأمر ليس بتلك السهولة بالنسبة للغرب أن يتم تدمير إسرائيل .إن الحرب على إيران لن تدخل العالم في حرب عالمية لأنه تم إضعاف روسيا وعزلها في الساحة الدولية، كما أن الصين لا تملك أي سبب في دخول الحرب إلى جانب إيران التي هي اليوم في وضع مماثل للعراق سنة 2001 حينما كان يمثل تهديدا متزايدا على إسرائيل .الأعجوبة اليوم هي كيف يمكن وقف المخطط الأمريكي الاسرائيلي نحو ابتلاع غزة وتدمير سوريا ولبنان وعزل إيران ؟
أين العرب ؟ !
كان بإمكان مصر أن تلعب دور إيران في دعم وتطوير وتقوية المقاومة الفلسطينية. إنها شقيقة وجارة وقد قطع الاسرائيليون أوصالها، كما كان بإمكان العراق ان يلعبه، ومع ذلك لم يلعبه احدا منهم .العرب يختزنون تاريخهم الكبير في الشعر ويستمتعون به قبل النوم مثل ما يفعل مختزن "الغات": يستمتع به ثم يبصقوه في أو منعرج من الطريق. لقد وضعوا كل تاريخهم في الشعر وجعلوه للتسلية والسمر والتفاخر بينهم. لاتد توجد أي دولة ولا أي ايديولوجية عربية يحركها التاريخ .صحيح أن الشعب الفلسطيني شعب عربي فريد في التاريخ من حيث الشجاعة والتضحية والاستماتة في الجهاد والصبر على الأذى. قرابة ثمانين سنة من تلقي الفتك والدمار ضد عدو لا علاقة له بالإنسانية، ومع ذلك مازال يصنع المعجزات والأبطال .الفلسطينيون اليوم قربانا تاريخيا للخيانة، ومع ذلك لن تموت القضية الفلسطينية، بل إنها ستنبعث في ثوب جديد، فستتحول من قضية مركزية عربية إلى قضية شعبية عالمية، قضية رأي عام دولي. إننا سنلاحظ في ثنايا المراجعات الكبرى الانتصار المفاجىء للقضية الفلسطينية بتأثير شعوب العالم وبفشل وانقشاع زيف دعاية الحركة الصهيونبة في الأوساط الغربية .
ستعجز الولايات المتحدة مستقبلا عن تمرير أي شيء يتعلق بالدعم الكامل لاسرائيل كدولة تواجه الارهاب بعدما أصبحت هي نموذج أسوأ إرهاب في العالم . كما أن الغرب سيواجه مشكلة تاريخية تتعلق بترميم وجهه الثقافي والقيمي ومزاعمهم الإنسانية والحقوقية، وكذلك سيصبح المجتمع الدولي ومؤسساته في تناقض وتخلف عن الدور وعن القانونية .هذه المعطيات وهذه الظروف ستجعل العالم بصفة عامة ليس في وضعية حرب بل في وضعية سباق نحو الاستفادة من ترتيب الوضع الدولي لمفاهيمه ومفرداته تماما كما تم تغيير عصبة الأمم فسيتم ترميم الأمم خارج اتفاق الأقوياء وحدهم ! وبما أن القضية الفلسطينية كانت وراء الكثير من ذلك، خاصة كشف حقيقة القانون الدولي والمؤسسات الدولية أي فشل النظام والتنظيم الدوليين ، فإنها ستحظى بهامش كبير في تلك الترتيبات، ليس بفعل أنها قضية العرب، لكن بفعل الرأي العام الدولي .
كما أن الحرب العالمية ستقوم على أنقاض إصلاح النظام العالمي الذي لم يعدم يخدم حالة العالم اليوم .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار