هل ستنجح مأمورية الشباب في التصدي لظاهرة تدوير المتقاعدين؟!
من غير الطبيعي ولا المبرر أن تظل خريطة التعيين السياسي على شكلها الحالي بمفاصل الدولة في بلد "شاب" كموريتانيا التي تشير آخر إحصائيات هرم الأعمار فيها إلى أن أكثر من 78% من سكانها تقل أعمارهم عن 35 سنة مما يعني أغلبية شبابية مطلقة تتجاوز الثلثين من مجموع السكان، في مقابل استحواذ المتقاعدين ومن تجاوزوا العقد السادس واقعيا على رئاسة كل مجالس الإدارات وأغلب المراكز الهامة في صناعة القرار الإداري والسياسي في البلاد وهو سلوك يمكن فهمه أو تجاوزه في حالات استثنائية معينة لها خصوصيتها أما أن يكون هو القاعدة وغيره هو الاستثاء فإن ذاك خلل بنيوي فادح يستحق التوقف والمعالجة الجماعية بأسرع مايمكن.
فالتقاعد معروف في أنظمة التوظيف عالميا أنه حق فردي وعمومي يستفيد صاحبه من تعويض المعاش ويتفرغ لشؤونه الخاصة بعد أن تراجع ذهنيا وبدنيا من جهة كما يتيح من جهة أخرى فرصا عمومية للتوظيف ويخفف الأعباء عن الخزينة العمومية، وقد تصدت كثير من التشريعات في الدول النامية لهذه الظاهرة نظرا لآثارها السلبية الكبيرة وانعدام المردودية من توظيف أصحابها بشكل واسع مهما كانت خبراتهم وتجاربهم بسبب عوامل الفسيولوجية للشيخوخة والحواجز التي تفصل بين التكوينات القديمة لهذه الفئة وبين العصرنة والتطور الرقمي الحديث الذي تتطلبه حاليا كل المرافق الخدمية العمومية للدول.
ويتأكد هذا الأثر السلبي في الدول ذات معدلات البطالة المرتفعة كبلادنا نظرا لما يمثله من انتهاك صارخ للعدالة في فرص التوظيف، وقد شاهدنا نماذج محلية في السنوات المنصرمة لمتقاعدين من مختلف الأسلاك العسكرية والمدنية كان التقاعد بالنسبة لهم مجرد بداية لمسار وظيفي آخر أكبر أهمية وأكثر مردودية -ماديا ومعنويا- من الوظيفة الأصلية التي كانوا يشغلونها قبل التقاعد، ويكون هذا المشهد الرجعي أكثر إيلاما وليا لأعناق القوانين المنظمة للتوظيف حين تغيب فيه العدالة فيكون متاحا فقط للمتقاعدين من أصحاب الحظوة والنفوذ دون غيرهم.
ومع أن الجميع تطلع بأمل كبير لشعار حملة الرئيس المنتخب السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وشعارها الأول المتمحور حول الشباب وإشراك الشباب وهو ما أكسب هذه الحملة لبوسا شعبيا واندفاعا وتحمسا واسعا في أوساط هذه الفئة المعنية بهذا الشعار والمتذمرة من واقع الحرمان وفقدان الأمل في الإنصاف الذي يعد الصفة المشتركة للشباب مهما بلغوا من المهارة والدرجات العلمية والمهنية، وهو واقع كرسته الأنظمة المتعاقبة وجعلت من علاجه شعارا استهلاكيا لا أكثر إلا أننا كمهتمين بالمشهد السياسي الوطني لاحظنا مؤخرا على شبكات التواصل الاجتماعي إشادة وتعاطيا إيجابيا مع تجسيد فخامة الرئيس لجزء من وعده الانتخابي بإشراك الشباب في التشكيلة الوزارية الأولى من هذه المأمورية ذاك الإشراك الذي تمثل في الحضور الجريء والسابق من نوعه للشباب في التشكيلة الوزارية المعلنة مؤخراً والتي تعد اللبنة الأولى في مسار تشكيل الجهاز الحكومي والإداري الكبير على المستوى الوطني فهل ستأخذ باقي التعيينات نفس المسار المجسد لرؤية الرئيس وبرنامجه الانتخابي أم سيكون لظاهرة تدوير المتقاعدين والحسابات الرجعية لأصحاب الحظوة والنفوذ رأي آخر..
محمد عبد الله امهادي