الجمعة
2024/10/4
آخر تحديث
الخميس 3 أكتوبر 2024

ماذا يريد عزيز من رسالته الأخيرة؟!

29 مايو 2024 الساعة 17 و50 دقيقة
ماذا يريد عزيز من رسالته الأخيرة؟!
طباعة

كان اللون الأزرق للسماء وقت النهار جليا ورقيقا كانعكاس لبهاء الجنة حيث تقوم الظلال بحجب الوهج السماوي وتجعله وكأنه يتدلى على الأرض، يريد السجود لله في تسبيحه الذي لا نعلمه .
وهكذا، بعد يوم مفعم بالمزاج الصافي اللطيف، تبدأ الشمس تتوارى في الحجب تاركة أشعة بيضاء تمتزج حمرة رقيقة وكأنها عين مقرورقة من الشوق، وتأخذ الظلال الزرقاء تزحف من أسفل الأشياء، ويأخذ الليل ينسكب في الأفق كسريان الطلاء الأسود في القماش الأبيض تاركا الفضاء للهواء الرطب المختلط بحبات الماء الباردة، وتستعد قمم الهضاب الرملية المحاذية للمحيط لأن تغفو في عتمة الليل والهواء الندي حيث يشد حجاب السحب الأفق ويصبح من المستحيل تحديد موقع الجرم السماوي، وبالتالي لا يمكن تحديد الوقت حتى للمنجمين، و يذوب كل شيء في التنغيم الرقيق للأصوات الليلية الموحشة عند "علب إمبَّطِّ".. وهكذا يكون الوقت مفعما بحقائق روحية غير بادية للحواس،
حينها آخذ أتأمل في صمت مطبق وخشوع يلقي بظلال من الشك على دورة حياتنا في المدن خاصة نواكشوط: مدينتي الكبيرة التي أحبها وأكرهها: أحبها لأنها وطني وأكرهها لأنها لا تلهم بأي شيء جميل . كان هذا الشعور المختلط يكفي دائما لتعكير صفو ذلك المزاج الذي أخلد إليه كل اسبوعين هربا من غم مدينتي، وكان الطريق الشقي الذي لا يريد أن يُنجز (الرابط بين ميناء انجاگو وطريق كرمسين نواكشوط ) والذي كسب زين العابدين ذات مرة صفقته مثل كل مرة ، يكفي لتدمير ذلك المزاج أثناء كل عودة ..
هذه المرة زاد من سرعة شقاء العودة إلى نواكشوط أن اصدمت بأمرين: شجار قبلي، ورسالة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز التي أرسلها من زنزانته في روح "الواعظ"، ليس ازدراء مني ولا حقدا له ، لكن امتعاضا من خروجه الدائم على المألوف والمنطق في مسار لا ينفك من المشاغبة والتشويش على مسار البلد الذي يتلمسه طريقه في الفقر والجهل ، دون أن يكون أي عزيز مثل أيا من الرؤساء الذين قضوا وطرا من الحكم وانتهوا إلى التعقل والابتعاد عن محاولة الاستمرار في فرض أنفسهم وانجازاتهم الشخصية على البلد .
لم يعد الوقت أبدًا يسمح بأن يكون هناك سقف داخل الدولة يسمى القبيلة. صحيح أنه متجذر وتتطلب إزاحته ثورة حادة وقوية، لكن الوقت قد حان لتلك الثورة بكل حزم وجدية مهما كانت آلامها السياسة ،لكنها ثورة في ظل شرعية وطنية وانتخابية. وأعتقد أن غزواني في مأموريته القادمة سيكون من المناسب بل الضروري بالنسبة له -وهو يودعنا - أن يأخذ خطوة إعادة التأسيس هذه ، لابد من تنشئة سياسية جديدة تأخذ بمضامين التاريخ والتحولات الضرورية للتطور لقد آن للقبلية أن تختفي لكن القبلية في خطورتها يوازنها ايضا خطاب الشرائية والعرقية ومفرداته المحرمة قانونا والتي يجب تنشيط صرامة القانون في مواجهتها دون تأخير ولا هوادة .
أما الأمر الثاني، فهو رسالة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي لم يأخذ في الحسبان، أثناء وضعه اسمه في نهايتها ، أسباب وجوده في السجن حيث يحاكم بتهمة خيانة الأمانة وتبيض الأموال وسوء استغلال المنصب. إنه يلعب دور الواعظ من المكان وبالشكل الخطأ. إنه الامعان في إذلال اللغة حتى تصبح أداة لقلب الحقائق .
لم يتسم أولئك الذين كتبوا له الرسالة بالأمانة العلمية ولا بالنصح، حيث كان حريا بهم التعريج، ولو بإماءة خفيفة، على الظروف التي ترك عليها البلد. كانت كل الانجازات التي تم ذكرها تخبىء خلفها ثلاث آفات كبيرة : ضعف البنية بسبب الارتجال والعُمولات الشخصية وديون كبيرة على البلد . كان في الحقيقة محل النفع منها إضرار بالبلد .لقد تم استهلال الرسالة بأن عزيز هو صاحب مبادرة الانقلاب، وبالتالي أنه صاحب شرعية التغيير وأنه هو من اختار غزواني كشريك دون أن يفسر دواعي ذلك: "إنه الماء بجوار النار ". لقد ظل يطفىء الشرر من آثار الشطط الذي يرمي به عزيز البلد ، وكان هو المنظر من جهة ثانية حين ما يكون لابد من التخطيط. لم يكن ضمن الحقيقة المرة شريكا في الهدم والعمولات . كان الأمر الوحيد، محل الإشادة الدولية خلال حكم عزيز، هو المقاربة الأمنية، وقد كانت من صناعة غزواني .وعدى ذلك فكانت آثار آلام الهدم بادية على البلد، فقد تم دفن عدة شركات حية (سونمكس ،وأنير،والنفاذ الشامل )من أجل ردم آثار النهب، كما كانت 40%من ديون الدولة البالغة 5مليارات دولار أي ما يعادل 104% من الدخل العام السنوى تتعلق بالكهرباء التي عبرت عنها رسالة الرئيس السابق بالوفرة دون أن يستفيد لا الشعب ولا الاقتصاد من تلك الوفرة، فقد ظلت أسعار الكهرباء مرتفعة وظلت شركة الكهرباء عاجزة عن استيعاب تلك الكمية من الكهرباء بسبب عدم القدرة على التوزيع، فقد تعهد أحد أفراد أسرة الرئيس حينها- حسب أوساط في الشركة نفسها- بشراء كابل للتوزيع ب 30 مليون دولار، وحين تم وضعه في الخدمة اتضح أنه ليس بالمواصفات، وعادت الشركة لكابلها القديم الضعيف. وهكذا وجدوا حلا سحريا لاستغلال كمية من موريتانيا من الكهرباء القادمة من ماناتالي حيث باعوها للسينغال .كانت القمة العربية في أوج تلك المرحلة، ومع ذلك وضع أمام منزل كل وفد مولد كهرباء في وسط العاصمة كأننا في نزهة صيفية في البادية .
لم تستفد الشركة خلال هذه الصورة في حجم الكهرباء من توسيع الأسس الثلاثة: التوزيع التخزين والنقل .
تعرضت الرسالة، في تجل آخر للممحكاة السياسية، إلى تجربة فرنسا وتغريظ هولاند بأنه لم يترشح بسبب تدني الشعبية المرتبط بضعف الانجازات، دون أن تأخذ الرسالة في الحسبان أيضا أن هولاند كان يكتب بشكل أنيق .
لم يكن غزواني مثل هولاند من حيث الحصيلة بأي وجه. لقد استلم السلطة وكان أكبر مشكلة واجهها: هل سيتمكن من تسديد رواتب العمال بصفة دائمة وفي الوقت ما تبقى من السنة حيث وجد 23 مليار في الخزينة ؟وهل سيجد من يمنحه قرضا والدولة تجاوزت ذمتها المالية حدود التحمل ؟ وكانت تصنف ضمن مناطق العالم الأكثر خطورة بالنسبة لتبيض الأموال ؟هل سيتمكن من تسير الوضع السياسي والطيف السياسي في أحلك ظرف قد مر به من التناقض وقد أخذ التمايز يدب في أوصال المجتمع بسبب دعوات العرقية التي دعمتها الدولة حينها في حياكة سيئة للتوازنات السياسية ؟
ودون الاغراق في التفاصيل فقد تراجع الدين الموريتاني إلى 48% من تلك النسبة ، وتم التخلص من الدين الجامد الذي لا يتزحزح والذي يرفع دائما مؤشر الدين الخارجي وهو دين الكويت .تمت مضاعفة الميزانية بدءا من 487مليار 2019 إلى 1080مليار 2024 .
تم مضاعفة رواتب التقاعد، وتم تأمينهم بالكامل.
ولأول مرة في تاريخ البلد يشعر الفقير بأنه معني بالاستفادة من مال الشعب حتى وإن كان غير موظف ولا يؤدي أي عمل حيث اقتطعت رواتب وتم تأمين 1,5مليون شخص .
لقد تم رفع الحظر عن مناطق التنقيب التي كانت محظورة بقانون المنطقة العسكرية، وكانت مخولة فقط للرئيس السابق وحاشيته، وهكذا تم خلق أكثر من 100فرصة نشاط وعمل الموريتانيين، وتم توفير ظروف وشروط تنظيمية وأمان على حياتهم .لقد تم وقف هدر الموارد الوطنية بالتقسيمات العشوائية وعلى المزاج للموارد :رخص الصيد ،رخص المعادن ،رخص البنوك …
أما بالنسبة للتعليم، فقد تم إطلاق المدرسة الجمهورية، بحصيلة 8000 عامل بين معلم وأستاذ ومفتش، وبناء 1625 حجرة مدرسية، واقتناء 85000 طاولة مدرسية استلمت منها حتى الآن 24.800، و اقتناء ما يناهز 3.200.000 كتابا مدرسيا، وزيادة علاوة البعد بنسبة 150% وتسديد علاوة الطبشور على مدار 12 شهرا بدل 9 أشهر وإنشاء صندوق لدعم المدرسة الجمهورية مخصص لبناء وإعادة تأهيل وتجهيز البنى التحتية المدرسية سيخصص له مبلغ20.000.000.000 أوقية قديمة، كما تم إنشاء المجلس الأعلى للتهذيب، والمصادقة على القانون التوجيهي للتعليم، وإطلاق برنامج واسع للكفالات المدرسية لصالح 190.000 تلميذ في 1200 مدرسة موزعة على كل الولايات.
وأكثر من كل ذلك تمن مواجهة جائحة كورونا بنجاح كبير في أحلك الظروف الدولية والإقليمية دون أن يشهد بلدنا أي وضع يثير الشفقة .
العلاقات مع موريتانيا صارت لها طعم التمدن والحضرية لاعتمادها لغة الحوار بعدما كانت متعجرفة رديئة خالية من الديبلوماسية، وكانت الأمور تراكمية من دون روح، وهكذا فقد استرجعت موريتانيا في المقاربة الجديدة التماي أو تفرغ زينه من تازيازت بالحوار، وتوصلت لحل ملفات عالقة معها ومع شركة النحاس الكندية بالطريقة نفسها. وها هي تريد مراجعة الاتفاق مع اسبانيا بسأن المهاجرين بنفس الطريقة، كما تريد استرجاع حقوقها من بئر اللّ للغاز بطريقة مدنية تعتمد على الحوار. لقد جاء قرار الاستثمار على دراسات أولية وليست معمقة من طرف الشركة شهر نوفمبر2018
كما تم تبني نهج التهدئة وتم جلب قيم المودة والاحترام للعمل السياسي، ولم يعد خط المعارضة سوى مقاربة سياسية في ضوء رؤية وطنية متنوعة للبناء وليست وسما ولا عارا ولا حربا يحرم أصحابها من الوظائف والصفقات كما في الماضي .
والحقيقة أن سرد انجازات غزواني، التي تأخذ من الصمت إطارها العام دفعة واحدة، سيجعل المقال أطول بكثير .وهكذا يتعين علينا في الختام التساؤل في ضوء كل تلك الحقائق: ما هي دواعي هذه الرسالة؟ .. لا يمكننا التأكيد إلا على حقيقة واحدة أن الرئيس السابق يزهو ويزدهر في ضوء الحديث عنه دون أن يكترث بدلالات ذلك الحديث ودون أن يغير ذلك من طبعه الكامنة في هدر طاقته في الجري وراء سلطة يستخدمها لإرضاء شهوته للزعامة وفعل ما يحلو له دون حساب العواقب .
أما بالنسبة لغزواني، فإنه يتفق مع هولاند في علامات النضج حينما يقول: "إنه قدم نفسه على أنه مرشح عادي، يمارس مسؤولياته ببساطة، ولكن على أكمل وجه، ملتزم بألا يضع نفسه خارج القوانين، وأنه المواطن الأول الذي يحترم السلطات التي لا تتعلق به، كالبرلمان والقضاء" ،وأن عمله في السياسة مرتبط ببرنامج يتعهد بإنجازه.
من صفحة الاعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار