إسرائيل: الولاية 51 في ظل الإستيراتجية الأمريكية
بعيدا عن التواجد الجغرافي المصطنع والتهويل الإعلامي المغالط لما يسمى "دولة إسرائيل" وبالرجوع قليلا الى التاريخ في مسألة العلاقة الوطيدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وهذا الكيان اللقيط ، نجد أن هذا الأخير تأسس في 14 ماي 1948 على أساس من الظلم والعدوان طال فلسطين شعبا وأرضا ، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة باركت ميلاده في ذلك التاريخ ، حيث إعترفت بإسرائيل ك "دولة مستقلة" عندما أصدر الرئيس هاري ترومان آنذاك بيانا في ذلك الصدد ، تم التأسيس على إثره لعلاقات دبلوماسية متميزة بين أمريكا وإسرائيل وذلك عندما قدم جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده في 28 مارس 1949 كسفير أمريكي لدى هذا الكيان المصطنع ، ومنذ ذلك الوقت أصبحت اسرائيل ولا تزال أهم شريك لأمريكا في الشرق الأوسط ، بل وترتبطان ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات التاريخية والثقافية بالإضافة إلى المصالح المشتركة ، وهذه هي حال الولايات الأمريكية الخمسين مع واشنطن إذا ما إستبدلنا كلمة "دولة" في وصف إسرائيل بكلمة "ولاية" المعتمدة في التشكيل الإداري لأمريكا ، فتعامل واشنطن - مركز القرار - مع إسرائيل لا يختلف كثيرا عن تعاملها في مختلف المجالات مع الولايات الأمريكية التابعة لها ، ومن الطبيعي والحالة هذه أن تحظى إسرائيل بالمساعدة المالية والحماية السياسية والعسكرية من طرف واشنطن ، وهذا ما يبرر نعتنا إسرائيل بالولاية 51 في إطار الإستيراتجية الأمريكية التي لا لبس فيها بالنظر إلى الواقع .
ففي ما يتعلق بالمساعدات المالية ، تعتبر إسرائيل أكبر متلق للمنح الخارجية الأمريكية ، حيث وقعت حكومة الولايات المتحدة على سبيل المثال في عام 1999 مذكرة تفاهم التزمت من خلالها بتزويد إسرائيل على مدى عشر سنوات بما لا يقل عن 2.67 مليار دولار من المساعدات العسكرية ، وفي عام 2009، تم رفع المبلغ السنوي إلى 3 مليارات دولار أمريكي ، وفي عام 2019 تمت زيادة المبلغ مرة أخرى ليصل الآن إلى ما لا يقل عن 3.8 مليار دولار أمريكي تلتزم الولايات المتحدة بتقديمها لإسرائيل كل عام ، وحتى فبراير 2022 تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد قدمت لإسرائيل 150 مليار دولار أمريكي (غير معدلة حسب التضخم) في شكل مساعدات ثنائية ، هذا فضلا عن التنسيق بين واشنطن واسرائيل في المجال الإقتصادي والأمني وفي ما يتعلق بالمواقف والتبادلات العلمية والثقافية من خلال مؤسسة العلوم الثنائية، والمؤسسة الثنائية للتنمية والبحوث الزراعية، ومؤسسة التعليم الأمريكية الإسرائيلية.
أما بخصوص الحماية السياسية فتقدم واشنطن دعمًا سياسيًا واسع النطاق لإسرائيل، حيث استخدمت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ السبعينيات من القرن العشرين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي 45 مرة ، وذلك لإحباط مشاريع قرارات تدين الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أوتطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967.
إن إستعمالات واشنطن حق النقض لحماية إسرائيل عديدة ولا يتسع المجال لذكرها ، ولكن سنحرس في هذا المقام على ذكر ما تم إتخاذه منها منذ عملية طوفان الأقصي في 7 أكتوبر 2023 :
ففي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2023: استعملت أميركا حق النقض في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار قدمته البرازيل تدعو فيه إلى "هدنة إنسانية" بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، للسماح بدخول المساعدات إلى القطاع.
في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023: قدمت روسيا طلبا لوقف إطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية لكن الولايات المتحدة الأميركية صوتت ضده.
في 8 ديسمبر/كانون الأول 2023: بمشاركة 80 دولة قدمت الإمارات العربية المتحدة طلبا لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أن أميركا استخدمت الفيتو مجددا.
في 16 ديسمبر/كانون الأول 2023: تم رفض قرار دعا إلى إرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق حول ارتكاب إسرائيل "جرائم حرب" في غزة.
في 20 فبراير/شباط 2024: قدمت الجزائر نيابة عن جامعة الدول العربية طلبا بوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي على غزة ، لكن الولايات المتحدة صوتت ضده مستعملة حق الفيتو.
أما عن المظلة العسكرية التي توفرها الولايات المتحدة الأمريكية لمساندة إسرائيل وردع أي تهديد لوجودها في محيطها الإقليمي ، فتلك مسألة لا تخطأها العين بالنظر الى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ، والتي ساهمت في شل فعالية الجيوش العربية وحولتها إلى مجرد نمر من ورق لا حول له ولا قوة في وجه مختلف الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على السيادة العربية ، وتجاوزاتها التي فاقت كل الحدود ووصلت إلى حد إرغام بعض الدول العربية على تطبيع العلاقات معها في العديد من المجالات من بينها الأمنية والعسكرية ، في إنتظار إعلان البعض الآخر عن مواقفه التي كانت تطبخ على نار هادئة في ذات الصدد ، لولا المفاجئة الكبرى التي حققتها عملية طوفان الأقصى في 7 من أكتوبر 2023 ، وقلبت الأمور رأسا على عقب .
هذا وتعدّ إسرائيل أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية ، ووفقا للمؤشرات الرسمية الأميركية، بلغ حجم المساعدات الإجمالية لإسرائيل فيما بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار ، معظمها يذهب إلى القطاع العسكري بنحو 114.4 مليار دولار، إضافة إلى نحو 9.9 مليارات دولار للدفاع الصاروخي .
وبالعودة إلى التاريخ دائما نجد أن الاهتمام الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط كان محصورا في المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية والنشاطات التبشيرية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية بدا واضحا أن أهمية المنطقة تفوق ذلك بكثير، لا سيما مع ظهور النفط وإحتدام المنافسة بين الشركات الأميركية والسوفياتية على منابع النفط في الوطن العربي، وهو ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تنكب على دعم إسرائيل في الشرق الأوسط لتحقيق مآربها بإعتبارها شريكا حيويا في المنطقة ، تجمعها به أهداف إستراتيجية هامة ومصالح مشتركة قد تفوق تلك التي تربط واشنطن ببقية الولايات الأمريكية الخمسين .
بقلم : محمد حسنة الطالب كاتب وصحفي سابق بتلفزيون الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية