كتاب: تائه يبحث؟! مدخل علمي إلى الإيمان (الحلقة: 2)
وتأسيسا على هذه المقارنة نجد أن التحضر تطور في جميع البني والنظم والأوضاع المختلفة, لكنه تطور يمكن أن يكون مجوفا, ويمكن أن يكون ممتلئا بتطور المضامين والأسس التي يقوم عليها تحول الناس من التنقل والرعي إلى لاستقرار والصناعة. وهنا لابد أن نشير إلى الفرق بين المدينة والحضارة, فا المتمدن هو الذي يسكن المدينة والمتحضر هو الذي يسكن الحواضر, لكن حين وجد كثير من الباحثين والمفكرين أن ارتقاء حياة الإنسان ذو بعدين أساسين: بعد شكلي وبعد داخلي _ رأوا أن يطلقوا مصطلح (المدنية) على ما يتم من ارتقاء في مضامين الحياة الحضرية, ومصطلح (الحضارة) على الارتقاء الشكلي الذي يتمحور حول وسائل وأدوات الإنتاج وطريقة تنظيم البيئة.
إن الآراء والأفكار والنظم التي ننتجها بغية إصلاح شأننا العام، تحمل على نحو دائم طابع البيئة الثقافية والاجتماعية التي نشأنا فيها.
ويمكن تلخيصها في النقاط النالية:
كون البلاد كانت بدون سلطة مركزية تطبق الشرع وتدبر أمور الناس منذ العهد المرابطي حتى ميلاد الجمهورية الإسلامية الموريتانية في 28 نوفمبر 1960 أي قرابة 1000 سنة من البداوة.
– طابع البداوة و السيبة المميزين للبلاد.
– انتماء المجتمع للقبيلة لا إلى الدولة.
– ثقافة هموم بدوية لا علاقة لها بالمدينة.
تفاعل هده الانتماءات ومكانة الصراع الأموي والأبوي.
التطور من البادية إلى المدينة ارتجال فوضوي,
في هذا الجو الضبابي يعيش هذا التائه فراغا فكريا نتيجة للجهل والغفلة عن التحصيل الجاد في وقت التحصيل وعجز علماه الأمة في مواجهة التحديات المستجدة وهذا ما يجعله يهرب من التفكير بانغماسه في ملذاته إلى درجة تكييفها مع عقله الجمعي.
فهو في هذه الحالة أشبه بالمريض الذي يشتد عليه وقع المرض وتلوح له النهاية فيتمسك بأهداب الحياة ويقبل بتجربة كل دواء ولو كان مما لا يستسغيه العقل.
يظهر هذا جليا في تصرفاتنا الطائشة وعلاقتنا مع بعضنا ومع الآخرين فانتهكت قدسية الزوجية وأصبحنا ننتهج رؤية مفروضة علينا بدون أن يكون لنا أدني دخل في تغيرها وهي رؤية العقل الغربي الذي ينطلق إلى قراءة مادية للذات والوجود، قراءة لا تنظر إلى الغايات بل تحول كل كينونة ـ حتى كينونة الإنسان ذاتها ـ إلى أشياء أدوات استعماليه. وهذا ما يفسر:
- تشوفنا إلى استهلاك أحدث منتجات العصر، وهذا التشوق من غير حدود، ولا يعرف الإرتواء، فنحن بهذا الوصف أكثر حداثة من المنتجين للسلع والأدوات الكمالية أنفسهم. فتجد في أسواقنا آخر الكماليات من سيارات وموبيلات والخطورة تكمن في أن هذا البدوي الفطري أصبح كل همه هو التنافس للحصول عليها مهما كلف الثمن!!
الحكم لغريزة القوة ،وليس لعقلانية النظام والمنطق والحق والعدل، فالبطولة خارج القانون تتعمق في الحياة يوما بعد يوم.
_ وسائل الإعلام ـ ولاسيما الفضائيات والانترنت ـ تحرك غريزة الجنس وتحطم كل الآداب المرعية في هذا المقام، مما جعل سلوك بعض الناس ـ من كبار وصغار- يتجاوز بخطوات السلوك الجنسي لبعض البهائم.
- علو شؤون الجسد، واتساع استخداماته على حساب شؤون الروح والمعنى.
- تضاؤل الحوار والتفاهم والتنازل، وغلبة الهوى والإعجاب بالرأي.
- جمع المال لدى كثير من الناس أصبح غاية في حد ذاته، ولا يعرفون ماذا يصنعون بما يكدسون من أموال.(30)
تأثير هذا كله في مواجهة الحداثة ورواسب البداوة؟؟
والنتيجة الحتمية هو عدم تأثرنا بهذا الواقع الجديد عند دخولنا إلى المدينة, كردة فعل كتلك التي تحدث للبدوي عند اصطدامه بمنهج حياة جديد, يختلف جملة وتفصيلا عن حياته التي كان يعيشها لأن زاده غير كاف لمواجهة حضارة ساحرة الإغراء كثيرة الأحابيل، ولمواجهة هذه المدنية يجب علينا...يتواصل...
ملخص الحلقة:
تواجه التحولات الحضرية التي تجلب معها التطور التكنولوجي والثقافي تحديات كبيرة لرواسب البداوة. هذه التحولات تؤدي إلى فجوة كبيرة بين الثقافة القديمة والحديثة، مما يسبب عدم التأقلم بشكل جيد مع الواقع الجديد عند دخولنا إلى المدينة. يجب علينا إذا أن نبني جسوراً بين البيئتين البدوية والحضرية، وتعزيز التواصل والتفاهم بينهما. هذا يتطلب تعزيز التعليم والوعي الثقافي، وتطوير القيم الاجتماعية التي تساعد على التكيف مع التغييرات الحضرية دون فقدان الهوية الثقافية للمجتمع. معتمدين على تراثنا متفهمين لما فيه ، ليس بحثا فقط وإنما تطبيقا وتجسيدا لننشأ حداثة مبنية على أصالة، ومعاصرة مبني على تراث...).
يتواصل
لمرابط ولد لخديم