ضائعون وسط الإمكانيات - الحلقة الأولى
في موريتانيا مناطق كبرى ذات أبعاد ومؤهلات اقتصادية وتنموية عظيمة؛ لو حظيت كل واحدة منها بعناية واستراتيجية محكمة، وأوكل تسييرها لحاكم وإدارة ذات كفاءة، أو حكومة جهوية مصغرة، لاكتفينا ذاتيا في الكثير من المواد الغذائية الضرورية، وفي الطاقة، ولحصلت، على المستويين الوطني والجهوي، طفرة اقتصادية وتنموية وعمرانية.
1- المنطقة الزرقاء في نواذيبو، أو منطقة الصيد والاقتصاد البحري:
– تنظيم هذه المنطقة وجعلها خالصة للصيد البحري بنوعيه: السطحي والتقليدي؛ وذلك بإنشاء الموانئ وورشات للصناعات البحرية. فضلا عن تفعيل المنطقة الحرة، والسياحة البحرية؛
– تأسيس جامعة للمهن البحرية، وتُجمَع فيها المؤسسات المختصة في الميدان، كالمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (IMROP)، والأكاديمية البحرية؛
– استغلال مخزون المنطقة من الطاقات المتجددة: طاقة شمسية فولتا ضوئية، وديناميكا حرارية، ومحطة لتوليد الطاقة من المد والجزر في خليج النجم، وغيرها؛
2- منطقة المعادن والاقتصاد المعدني في إينشيري وتيرس الزمور:
– تنظيم هذه المنطقة وجعلها منطقة اقتصاد معدني خالص؛
– تطوير الصناعة الاستخراجية، ومراجعة قانون التعدين ليكون أكثر مردودية على البلد؛
– تطوير الصناعات التحويلية المعدنية، وبناء مصانع ومصاهر للصُّلب من أجل تصديره مصنَّعا، بدل تصديره خاما. ومن أمثلة ذلك الحديد المستخدم في تسليح الإسْمَنْت (fer à béton)؛
3- المنطقة الخضراء في كل من الترارزة والبراكنة وغورغول وغيديماغا، أي منطقة الزراعة والاقتصاد النهري:
– جعلُها منطقة لإنتاج الحبوب وتخزينها، مهمتها الأولى ضمان الاكتفاء الذاتي من المواد الزراعية، من حبوب وفواكه وخضروات وأعلاف الماشية، وغيرها؛
– تطوير الزراعة المروية، بما في ذلك الزراعة على ضفاف البحيرات والخزانات المائية الكبرى، وكذلك الزراعة المطرية والموسمية المعروفة في منطقة "الذراع"؛
– تطوير الدوائر الزراعية القصيرة وكل البدائل المتاحة للزراعة التقليدية، كالزراعة العضوية؛
– تطوير النقل النهري؛
– تأهيل مساحات أكبر من الأراضي الصالحة للزراعة وتشجيع السكان المحليين على استغلالها؛
– تشجيع الشباب وحمَلَة الشهادات على الاستثمار فيها؛
– إنشاء جامعة للمِهَن الزراعية في المنطقة؛
– تطوير منتوج الغابات غير الخشبي، كثمرة الباوباب (BAOBAB)، والصمغ العربي، وبلح الصحراء المعروف محليا بتُوگَّه؛
4- منطقة الهضاب واقتصاد الواحات في آدرار وتكانت ولعصابه. وتمتاز هذه المنطقة بواحات النخيل والزراعة تحت ظلها:
– استغلالٌ أحسنَ، وإبرازٌ للمؤهلات السياحية الخاصة المستمدة من الطبيعة الخلابة لتلك الهضاب؛
– جعلها قاعدة لتطوير الصناعات الواحاتية، كتحويل التمور وتعليبها، وإنتاج الفاكهة والخضروات، واستصدار علامات مميزة لتلك المنتجات؛
– إنشاء جامعة ومعاهد متخصصة؛
– تشجيع الشباب وحمَلَة الشهادات على الاستثمار فيها؛
5- منطقة التنمية الحيوانية، أو الاقتصاد الزراعي الرعوي في الحوضين:
وتمتاز هذه المنطقة باقتصادها الرعوي الزراعي. والهدف التنموي الأساسي منها هو ضمان الاكتفاء الذاتي من اللحوم والألبان ومشتقاتهما:
– تشجيع وإنشاء المزارع المتكاملة؛
– إنشاء وتأهيل مجالات لتأمين الرعي في جميع الفصول، مستقلة عن تقلبات المناخ ومواسم المطر؛
– تشجيع الصناعات التحويلية في مجال المنتجات الحيوانية، كالجبن والزبدة والسمن والجلود والصوف، وغيرها؛
– إعادة تدوير المنتجات الزراعية الثانوية وتحويلها إلى علف عضوي للمواشي (Compostage, ensilage, fumier...)؛
– تشييد الشبكة الطرقية اللازمة لتسهيل التنقل بين المنطقة وبين كل من العاصمة ومنطقة النهر؛
– إنشاء جامعة ومعاهد متخصصة؛
6- منطقة العاصمة نواكشوط:
وهي العاصمة الإدارية والسياسية، وبها ميناء للبضائع وآخر للصيد التقليدي، ومطار دولي. وقبل هذا وذاك، تضم هذه المدينة ثلث سكان موريتانيا. فلا بد إذاً من عصرنة المدينة وتزويدها بالتجهيزات والمرافق الضرورية لكل مدينة كبرى تحترم نفسها، كالصرف الصحي، وشبكة سليمة جديرة بالثقة بها للمياه، وأخرى للكهرباء. مع مساحات خضراء، ونوادي علمية وثقافية ورياضية وساحات وقاعات مجهزة للثقافة والرياضة والترفيه، وغيرها.
أما فيما يخص الطاقة، فإن مساحة بلادنا تزيد على مليون وثلاثين كيلومتر مربع، وبشمس ساطعة ثماني ساعات لليوم، ورياح تبلغ سرعتها ستة دقائق للثانية. إنها طاقة نظيفة متجددة! وقد بلغت حاجة موريتانيا اليوم من الطاقة 500 ميجاوات، ويمكن تحصيلها جميعا من خلال مساحة قدرها 5000 هكتار. أي مربع يزيد ضلعه قليلا على 7 كيلومتر. لذلك علينا أن نجعل من موريتانيا مختبرا مفتوحا في مجال الطاقة الشمسية. علما أن الشمس ليست مقصورة هنا على الطاقة، بل هناك نشاطات أخرى كثيرة مرتبطة بالطاقة الشمسية، من مِهَن، واقتصاد، وممارسات وغيرها.
وإذا أضفنا لذلك مؤهلاتنا الكبيرة في مجال الطاقة الهوائية، والطاقة المستمدة من الوقود الأحفوري الذي يبلغ 450 مليار متر مكعب بين بلدنا والسنغال، سنتمكن من حل مشكل الطاقة في وقت قصير. ولذك ينبغي أن يكون تطوير الطاقات المتجددة أولوية وطنية؛ فهي الأنظف وفي متناول الجمهور. إضافة إلى كونها مصدرا هاما لكثير من الوظائف الرائعة.
وأختم هذه الحلقة بالقول إنه صار من الملح الانتباه إلى بئتنا، وضرورة محاربة كل تلويث لمياهنا وهوائنا وتربتنا، من الزئبق والسيانيد. وقبل ذلك كله، القمامة. وما أدراك ما القمامة؟ إنها الكابوس المرعب المتنافس مع كل مدنية وحضارة وفطرة بشرية. وتنتشر القمامة اليوم، وبشكل متزايد، في كل شبر من موريتانيا، بدءا بالعاصمة، وخاصة ما يسمى - تجاوزا - الأحياء الراقية، وانتهاء بالمدن الداخلية، وحتى القرى والأرياف، مرورا بطريق الأمل، طوله وعرضه. إن إزالة القمامة ومعالجتها، صار اليوم، كغيره من أسس المدنية، صناعة ومؤسسات وثقافة.
أحمد هارون